أمريكا والمملكة العربية السعودية وإعادة رسم العلاقات
فراس علاوي
يبدو أن التحالف الأزلي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والعلاقة الاستراتيجية التي تم تثبيتها بما سمي باتفاق كوينسي بين الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلين روزفلت والذي جرى عام ١٩٤٥ يتعرض لانتكاسة واضحة، بعد إعلان أوبك والتي تتزعمها المملكة خفض انتاجها من النفط بما سمي اتفاق اوبك بلس، مما تسبب بزيادة الإضطراب في أسواق الطاقة التي تعاني نقصاً شديداً بعد توقف تدفق الغاز والنفط الروسي لأسواق أوربا،.
مما تسبب بأزمة شديدة بدأت ملامحها تظهر وقد تزداد مع اقتراب فصل الشتاء حيث تزداد الحاجة للطاقة والغاز
في أوربا التي تعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسي.
الولايات المتحدة والتي تحاول تخفيف الأزمة عبر عدة إجراءات أهمها الاتفاق مع الدول المنتجة للنفط على زيادة انتاجها وكذلك الإفراج عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي الذي تحتفظ به.
إدارة بايدن والتي عملت على تخفيف القيود عن فنزويلا من أجل زيادة انتاجها، وأوربا التي تحركت باتجاه الخليج والجزائر، حيث زار الرئيس الفرنسي ماكرون الجزائر وتبعته رئيسة الوزراء الفرنسية بزيارة أخرى بغية اقناع الجزائر بزيادة توريدات الغاز والنفط لأوروبا . كذلك زار المستشار الألماني شولتس الخليج.
وتوجت الزيارات بزيارة بايدن للمملكة العربية السعودية وذلك من أجل حثها على زيادة انتاج النفط والغاز لتعويض النقص في اسواق الطاقة.
العلاقات السعودية الامريكية ليست في أفضل حالاتها وذلك لعدة اسباب أهمها :
الموقف الأمريكي من مقتل الصحفي السعودي المعارض للحكم السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في اسطنبول والمطالب الامريكية بمعاقبة قاتليه، مما يعيد للأذهان قانون معاقبة المملكة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول
وبالتالي وعلى الرغم من زيارة الرؤساء الأمريكان سواء كان ترمب أو بايدن، لاتزال مفاعيل مقتل الخاشقجي تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
السبب الآخر والأكثر أهمية هو الموقف السعودي من مباحثات الملف النووي الإيراني والاتفاق الأمريكي السابق الذي وقعته إدارة اوباما مع الإيرانيين ، على الرغم من انسحاب ترمب والذي شهدت فترته الرئاسية نوع من عودة العلاقات الى حميميتها بين البلدين، إذ تاريخياً العلاقة بين آل سعود والجمهوريين أكثر قرباً من الادارات الديموقراطية.
مع عودة الديموقراطيون وإدارة بايدن وعودة الحديث عن العودة لمفاوضات الاتفاق النووي، تخشى الإدارة السعودية من أن أي اتفاق مرتقب سيكون على حساب مصالحها، خاصة مع تخوفها من المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والذي يسيطر على عدة عواصم عربية، ويتواجد بقوة في الخاصرة السعودية الرخوة في اليمن.
الحرب الباردة بين ايران والسعودية بشكل خاص تجعل من أي اتفاق بين الامريكان والايرانيين يبدو وكأنه موجه للمملكة.
من هذا المنطلق بات تعامل المملكة حذراً وخطواتها محسوبة بحيث لاتفسر بأنها تبعية كاملة للأمريكان وبذات الوقت ليست معادية لهم.
وهو ماحاول وزير النفط السعودي تفسيره مراراً، بأن قرار أوبك بتخفيض الإنتاج ليس سياسياَ وهو غير موجه للولايات المتحدة وليس اصطفافاَ مع طرف دون آخر.
الامريكان الذين يعملون على تشكيل تحالف دولي لمحاصرة روسيا اقتصادياً بدوا ممتعضين للقرار الذي اتخذته اوبك وحملوا السعودية مسؤوليته واعتبروه بأنه يقف مع بوتين وسياساته الاقتصادية .
حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده تدرس “عدداً من خيارات الرد” فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية- السعودية على خلفية قرار “أوبك+” خفض إنتاج النفط، واصفاً إياه بأنه “قصير النظر ومخيب للآمال”.
كما أعرب الرئيس الامريكي بايدن عن “خيبة أمله”، مشيرا إلى “اننا نبحث البدائل التي قد تتوافر لدينا” لمواجهة الزيادات المتوقعة في الأسعار.
كما قال تشاك شومر، زعيم الأغلبية بمجلس النواب الأمريكي، في تغريدة له عبر تويتر، “سيتذكر الأمريكيون لفترة طويلة ما فعلته السعودية لمساعدة بوتين على الاستمرار في شن حربه الدنيئة والشرسة ضد أوكرانيا.
مؤكداً بأن هناك بحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروّع للغاية، بما في ذلك مشروع قانون NOPEC
ويهدف المشروع إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت الدفئة.
السعوديون يصرون على ان لاعلاقة لذلك بالموقف من الولايات المتحدة وأن القرار يتعلق باستقرار أسواق النفط ولايشكل دعماً لأي طرف، وهو ما أكده وزير النفط السعودي الذي أجاب أحد الصحفيين حين سأله عن تبعات القرار قائلاً
استمتعوا بالشمس، في دلالة على عدم الرغبة السعودية بالتصعيد.
الانقسام الواضح في التحالفات والمواقف من الحرب الروسية، يضع السعودية وشركائها في خانة الأعداء أو الموالين للموقف الروسي وفق نظرية من ليس معنا فهو عدونا التي تنهجها الولايات المتحدة في تحالفاتها ضد روسيا.
فهل سيؤثر ذلك على العلاقات الاستراتيجية ويغير من طبيعة التحالفات؟ ، أم أن البراغماتية السعودية ستؤتي أكلها وتجعل من الطاقة أداة لتحرير مواقفها واتخاذ موقف واضح من مباحثات الملف النووي الإيراني.
ام ان التصعيد الامريكي سيفرض إيقاعه وتتراجع أوبك بلس عن قرارها، خاصة بعد أن
ألغت الولايات المتحدة اجتماعاً مقرراً مع مجلس التعاون الخليجي بشأن ردع الهجمات الايرانية الجوية والصاروخية على دول المنطقة .
فراس علاوي