الشرق نيوز
غيثاء أسعد
كتب جورج أورويل في روايته ١٩٨٤:
كيف يفرض إنسان سلطته على إنسان آخر يا ونستون؟
فكر ونستون ثم قال: بأن يجعله يعاني.
بهذه الطريقة يتم تدمير الإنسان وكسر إرادته ومناعته النفسية والمعنوية وقتله نفسياً ومعنوياً
هذا ما يحصل بل وأكثر في أقبية السجون والمعتقلات ، من ضرب وتعذيب وعنف جسدي ونفسي وفكري ..حتى يصل المعتقل لمرحلة الإجهاد والإذلال وتحقير الذات ..وضياع الهوية والكيان ، ناهيك عن شعوره بأنه مستباح وفاقد للسيطرة تماما” ، وحينها فقط يتحول الألم الخارجي الجسدي إلى ألم داخلي نفسي، يشوه صورة الذات ويسلبها حرمتها..ليحل محلها صورة الخجل والعار.
إن مرحلة انتقال الألم من الجسدي إلى الألم النفسي هذه توصله أيضا لمرحلة اللامبالاة حيث لايبالي ولا يشعر بما يحدث حوله من متغيرات هذه الحالة أسماها احد الأطباء النفسيين أنها مرحلة (البلادة والموت الإنفعالي).
قائمة طويلة من المشاكل والاضطرابات والعواقب التي تتسبب بها أنواع العنف المتعددة التي تتعرض لها المعتقلات من ضرب وإذلال وصعق بالكهرباء، والإهانات اللفظية والنفسيةوالتجويع..والحرمان من النوم
وفقدان الاحتياجات الأساسية
ولعل الشبح وانتهاك الجسد الذي يدعى الاغتصاب هو أبشع وأقبح الأنواع.
ويقبع هذا العذاب النفسي في روح المعتقلة حتى يخيل إليها أنه لن يفارقها أبدا” ..حتى وإن تم الإفراج عنها.
_ماذا تشعر المعتقلة بعد خروجها؟
_ماذا تعاني المعتقلة بعد انعتاقها؟
_كيف يجب أن تواجه المجتمع؟
_ما هو دور المجتمع؟
معاناة المعتقلة هي مأساة حقيقية داخل المعتقل، لكن هذه المأساة والمعاناة لاتنته حال خروجها..ولا تتوقف ، بل تستمر (الحفلة) بعد خروج المعتقلة لتواجه المجتمع.
فالخارجة من الاعتقال تحتاج لعلاج نفسي ولمدة طويلة لتعود إلى حالتها الطبيعية ، بعد أن ذاقت أهوال الإعتقال والتعذيب النفسي والجسدي، وتحتاج التعاطف والحب وتوفير الأمان.
لكن ما تلقاه للأسف مختلف تماما” ويزيد من سوء حالتها وعذاباتها ، فما تتعرض له من نبذ وقهر وتخلي عنها ينعكس سلباً على حياتها خارج المعتقل . ويعود ذلك بسبب القصور الكبير في عقلية المجتمع وآلية تفكيره.
تخيلوا لو أن المجتمع يتعاطف مع المغتصبة بدل من إذلاله لها وتحميلها العار؟
هل كان الإغتصاب يسبب الأذى بنفس الدرجة والطريقة؟ قطعا” لا
– أساسا” لولا أحكام المجتمع هذه ..ما كان السجان استخدم الإغتصاب كسلاح للتدمير ، والأذى النفسي للضحية
حينها سوف تقل عدد حالات الاغتصاب بالمعتقلات جدا” .
فلا يمكن لمجتمع صحيح ومعافى فكريا” وعقليا” ان يحاسب الضحية على ما حل بها.
وهكذا تكون العادات والتقاليد أقسى على المعتقلات من السجون أحيانا”.
فقد تصل الحال ببعضهن أن يتعرضن لأبشع أنواع المشاعر والإنتقادات وتحميلها ذنب الاعتقال وأنها جلبت لهم العار..وهناك بعض الأزواج الذين طلقوا زوجاتهم بعد خروجهن من المعتقل.
وتبدأ حرب الإندماج في المجتمع الجديد : والهروب من النظرة السلبية للمحيط..والانسحاب الاجتماعي ..والقلق من المستقبل..وتبدل المزاج.
وتبقى المعاناة والتحديات كبيرة في شق طريق الحياة من جديد ، ضمن هذا الواقع الاجتماعي الصعب والأوضاع الإقتصادية وغياب الرعاية.
فالنساء يدفعن ثمن كبير كونهن الضحية، ضحية التعذيب والاعتقال وضحية العادات والتقاليد والأفكار المغلوطة .
وهنا يظهر الفارق في التكوين الفكري والنفسي والإرادة فيما لو أردنا المقارنة بين ناجيات اعتمدن على أنفسهن وخرجن من الحالة النفسية وتعافين بفعل الإرادة
وبين اللواتي اخترن البقاء في القوقعة والاستسلام.
بعض الدراسات أوضحت ان 51% من المعنفات جنسيا” ..أكثر اعتمادا” على الذات
مقابل 65% لغير المعنفات
وأصبحن أكثر جرأة في طرح الآراء ، رغم شعورهن بالندبة .