الشرق نيوز
عمر المُلا
عشائر سورية عود الثقاب الذي يسند الحجر الكبير ..
جميع التساؤلات التي قد تخطر على بال أي مراقب للوضع السوري عن كثب يجد أن هناك العديد من الأجوبة تحمل وجهين مختلفين عن موقف العشائر السورية سابقاً و مستقبلاً ..
لا يخفى على أحد الثقل العشائري في شرق و شمال سوريا و أيضا لا يخفى على أي قارئ للتاريخ أن للعشائر دور كبير في الحركات الوطنية و الإقليمية منذ مطلع القرن الفائت ، برزت صورتها بشكل حي في الثورات ضد الاستعمار و المساهمة بشكل كبير بطردهم و ترسيخ قانون التبعية العشائرية والذي سعى لإحلال القوانين الصارمة في تأمين المنطقة و حمايتها بقوانين العهد و الصلح في ظل غياب السلطة الضاربة أو الفارضة للقوانين و العاملة على إحلالها بالقوة ..
قد يكون الحديث لم يأخذ حقه عن ماهية القبيلة و إيجابياتها سابقاً حتى الوصول لعهد تبعية القبيلة للسلطة ..
فنرى إن العشائر مهمشة جداً و محاربة بشكل كبير من كل الداعين إلى حرية الفرد و المجتمع و توجيههما إلى المدنية فهي القطب السالب لكل حركات المجتمع المدني و تشكيلاته و ظواهره
و دائما يسعى الأخير إلى تثقيف المجتمع الذي ينتمي للعشائرية أو يمتلك بعض صفاته، و نزع العقلية الفكرية له ..
لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل و ذلك لتحول القبائل الكبيرة إلى عشائر صغيرة متفرقة تحمل ذات الفكر فلم تنجح المحاولات العديدة لتثقيف المجتمع و النهوض به نحو المدنية و زرع روح المواطنة في فكر أبناءه ،
فكانت هذه العشائر الصغيرة والمتوسطة المنتشرة على عموم التراب السوري هي الضحية السهلة للقوى السياسية الجديدة ،
في بداية الأربعينيات في القرن الماضي و بعد نشوء حزب البعث و سعيه للانتشار بين الجماهير بشعاراته الرنانة و منطلقاته النظرية التي تكسب قلوب الكثير من العامة ، و استطاع عندها حزب البعث تسييس القبيلة من شيخها إلى عموم أفرادها فكسب الانتشار و القوة بوضع سياسته القادمة على هذه الجموع البشرية ..
واصبحنا نرى السيطرة على العشائر عامة في دولة البعث التي حولت ولاء الجميع للبعث و قائد البعث ….
وبات البعض يتفاخر بانتمائه الأول للحزب و ذلك رغم أميتهم و جهلهم حتى في القراءة والكتابة …
في هذه الحالة الفريدة من نوعها التي أوجدت فوارق مجتمعية كبيرة أهمها الشخص البعثي و الغير بعثي ….
سيطرت هذه الظاهرة على المجتمع بنسبة كبيرة جدا حتى وصل الحد أن أدنى الوظائف الحكومية قد تعطى حسب حالة المتقدم الحزبية ..
نرى هذا الحزب أو النظام أو هذه الدولة التي تأخذ العديد من التسميات قد تمكنت من السيطرة على الجيش و المجتمع و الدوائر و المؤسسات و كل ما يقع داخل الأسلاك الشائكة الحدودية
فهو أصبح أشبه بالدين الاستغلالي للشعوب ….
تحولت فيه القبيلة لحالة من الانسياق لكل شيء يمت للحزب بصلة و ذلك بسبب سعي السلطات لتوطيد العلاقات مع شيوخ و زعماء القبائل بدعمهم في البرلمان و المناصب الوهمية في الحزب ما جعل الشيوخ و الزعماء من أبرز المدافعين و الموالين للنظام و حزبه في أشد فتراته ضِيقاً
لم يختلف الوضع الموطد بعد موت رئيس النظام السابق حافظ الأسد و تولي ابنه بدلا عنه ..
و كما كان الحكم في سوريا وراثياً كانت المناصب تداول في القبائل بشكل وراثي أو رضائي ….
ما يثبت استمرار النظرية التي تبناها الاسد الأب مع القبائل و التي تعتبر صمام الأمان لعموم التراب السوري ، و لاتزال العشائر تحتفظ بنفس المزايا
لكن اليوم في ظل الثورة السورية قد اختلف الترتيب العام للعشائر حيث استطاعت الثورة بشق صفوف البيت الواحد و ليس القبيلة ككل فحسب ،
فنرى منذ بدايات عام 2011 توجهت التنسيقيات الثورية لمحاولة كسب ود العشائر و كسب ثقلها في الحراك السوري العام و ذلك لثقلها الحقيقي الذي لا يخفى على أحد لكن كان رد الفعل لا يساوي الفعل ابدا ..
و ظلت المحاولات الحثيثة لكسب العشائر في الهتافات و الشعارات التي نادت بها الثورة لكن ما من مجيب إلا من أحس بضرورة الثورة للتغير العام في سوريا ..
لربما قد يكون السبب هو ما جرى بالعراق عندما انقسمت العشائر العراقية ضمن المقاومة العراقية التي انتهت بتنظيم داعش أو انتهت على يد داعش و العشائر التي دخلت ضمن التنسيق الأميركي فيما يسمى ” محاربة الإرهاب ” .
العشائر السورية كانت و لا زالت تشبه نقطة القوة التي لا تعرف نواتها ..
كل الفصائل العسكرية و الحركات السياسية التي دعت للانسلاخ من العشائرية ، نراها في كل انكسار لها تعود لترتكز على العشائر لتقوم مجدد…
في عام 2014 عند بداية القتال بين تنظيم داعش و مجلس شورى المجاهدين المتمثل بجبهة النصرة طلب المجلس الدعم البشري والمعنوي عبر عدة بيانات وزعت على عموم الريف الشرقي في الأيام الأخيرة لهذا المجلس .
و لم يكن هذا النداء الأخير للاستعانة
بالعشائر و لم تقتصر هذه النداءات على المكون العربي فحسب بل سعت ميليشيا قسد في بدايات معركتها عاصفة الجزيرة على استقطاب المكون العربي و فرض التجنيد الإجباري و زج أبناء هذا المكون على الجبهات المشتعلة في قتال تنظيم داعش تحت غطاء التحالف الدولي ،
لم يكن فقط هذه الوجه الذي برزت فيه العشائر السورية بل أيضا في العودة و التسوية مع النظام فنرى عموم دعاة المصالحة مع النظام هم من وجوه العشائر و منهم من لم يكتف أن يكون داع للمصالحة و العودة إلى النظام بل هناك من سعى لتشكيل ميليشيات تعمل لصالح النظام و غايتها حماية مناطقها و تواجدها على الأرض و منهم نواف البشير العائد للنظام بعدما وجد نفسه خارج التيارات و التشكيلات السياسية المحسوبة على المعارضة السورية…
و منهم أيضا في عشائر جنوب درعا و جنوب حلب و ريف الرقة الشرقي و الجنوبي
فهذه الحالة العامة لعشائر سوريا ..
لكن بعيدا خارج الحدود السورية و خاصة بعد قرار ترمب بسحب القوات الأميركية من سوريا نرى السعي التركي الحثيث لمحاربة التنظيمات الكردية في شمال سوريا استمرارا لعملية درع الفرات و غصن الزيتون في الشمال السوري ..
و على خلفية هذا السعي الدؤوب نلاحظ المحاولة التركية لكسب ود العشائر و إيجاد التأييد والمساندة لهذه العمليات العسكرية التي هدفها الأول الانتهاء من كابوس الوطن القومي للاكراد و حماية الحدود التركية و التخلص من الاكراد في معارك خارج البلاد
و هذا نفسه قد يكون الرأي الأميركي في التأكيد على بقائهم و بقاء قواعدهم ضمن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة و تركيا من جهة و العشائر و الفصائل المقاتلة بالنيابة عنها من جهة أخرى، قد يكون هذا رأي يحتمل الخطأ و قد يكون ليس اتفاقا بل عبارة عن جملة أوامر تنفذها الفصائل العسكرية المدعومة من قبل البلدين بمباركة العشائر السورية ..
و قد يكون الرأي الأميركي بعدم الاعتماد على الفصائل الكردية للتخلص من تنظيم داعش بل الاعتماد على المكون الضد و هو المكون العربي الممثل للعشائر لعدم اللعب بورقة واحدة على الطاولة السورية و قد يكون الرأي الأميركي الآخر هو زج المكونين العربي و الكردي في معركة واحدة لمحاولة إيجاد الثقة فيما بينهم
و يبقى الوضع السوري هو الوضع الذي قد يقبل الكثير من الاحتمالات لوجود أطراف متعددة الصراع على الأرض السورية ..
الوسومإيران الحسكة الرقة العشائر تركيا ديرالزور سوريا نظام الأسد
شاهد أيضاً
ملعب ديرالزور وصورة الخراب، عن كذبة الأمل بالعمل
ملعب ديرالزور وصورة الخراب عن كذبة الأمل بالعمل فراس علاوي تمثل هذه الصورة فعلياً مايقوم …