الأربعاء , مايو 21 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / تحليل / بين شرق أوسطين هل تعيد واشنطن رسم خريطة الشرق الأوسط؟

بين شرق أوسطين هل تعيد واشنطن رسم خريطة الشرق الأوسط؟

بين شرق اوسطين هل تعيد واشنطن رسم خريطة الشرق الأوسط؟

فراس علاوي

شرق أوسط جديد أو الشرق الأوسط الجديد، الفوضى الخلاقة، كل هذه المصطلحات ليست وليدة اليوم، ولم تكن دوماً تحمل ذات المعنى والمنهج والسياسات والاستراتيجيا فالشرق الأوسط الجديد 
كمصطلح  برز بشكل لافت في الخطاب الأميركي خلال عهد إدارة جورج دبليو بوش، ولعل من أبرز من روّج له وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، التي بشّرت به علناً خلال حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله.
وقد أثار هذا الإعلان حينها جدلاً واسعاً لأنه أتى في سياق تصعيدي، وارتبط برؤية أميركية تسعى لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من خلال الفوضى والنزاعات لا من خلال الديمقراطية والتنمية، كما زُعِم.


ماذا قالت كونداليزا رايس؟

في تصريح شهير لها خلال زيارتها لتل أبيب في خضم الحرب على لبنان (يوليو 2006)، قالت رايس:

ما نشهده الآن هو آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد، وكل من يقاوم هذا الميلاد إنما يحاول الإبقاء على النظام القديم الذي لم يعد صالحاً.

قوبلت هذه التصريحات بانتقادات لاذعة، خصوصاً من الشعوب العربية، التي رأت في كلامها تبريراً للدمار الهائل الذي كانت تتعرض له بيروت وجنوب لبنان آنذاك، وغطاءً سياسياً للعدوان الإسرائيلي حينها.

ماهي الرؤية الأميركية للشرق الأوسط الجديد قبل عقدين من الزمن؟

المقصود بـ”الشرق الأوسط الجديد” – كما روّج له في دوائر المحافظين الجدد آنذاك – هو إعادة تشكيل خارطة المنطقة سياسياً وجغرافياً، على أساس “نشر الديمقراطية” و”محاربة الإرهاب”، وقد استهدف أيضا تفكيك الأنظمة والمجتمعات التي تشكل تهديداً للمصالح الأميركية أو الإسرائيلية.

حيث استندت الرؤية حينها على عدة ركائز ، تغيرت لاحقاً بعد احتلال العراق هذه الركائز قامت على

تغيير الأنظمة بالقوة (كما حصل في العراق).
*دعم الثورات الملونة أو الموجّهة.
*إضعاف الدول عبر تأجيج الهويات الطائفية والإثنية
*دفع الدول إلى إعادة رسم حدودها السياسية أو المجتمعية.

ترتب على هذه الاستراتيجية عدة نتائج  لما سمي “الشرق الأوسط الجديد”
ما بُشّر به في 2006 لم يتحقق على النحو المعلن، لكنه قاد – ربما عن غير قصد أو ربما عن قصد – إلى:
تدمير الدول الوطنية مثل العراق وليبيا واليمن.
تصاعد ظاهرة القوى المسلحة غير الحكومية
تعمق الانقسام الطائفي والإثني.
تدخلات خارجية أوسع (إيران، تركيا، روسيا).
انهيار منظومات الدولة، وصعود الحركات الراديكالية.
نتج عن مشروع رايس للشرق الأوسط حينها مايلي

إن ما بشّرت به رايس لم يكن “شرقاً أوسطاً جديداً” بالمفهوم الإيجابي، بل مرحلة من الفوضى الخلاقة (كما سمتها إدارة بوش) التي أُريد لها أن تُنتج نظاماً إقليمياً جديداً يخدم موازين القوى التي تصبّ في مصلحة واشنطن وتل أبيب. لكن الفوضى خرجت عن السيطرة، وأنتجت واقعاً أكثر هشاشة وتطرفاً، ما دفع الإدارات اللاحقة إلى محاولة احتواء النتائج بدلاً من استكمال المشروع.

هذا ( الفشل ) قاد الإدارات الأمريكية اللاحقة إلى تغيير رؤيتها للشرق الاوسط، بل ربما بدأت العمل على إنهاء بعض النتائج التي تسببت بها سياسات سابقاتها، مثل ظهور قوى مادون الدولة، وعملت على تفكيكها، حيث أن الاستراتيجية الأمريكية بعد حرب العراق وسقوط نظام صدام حسين، واسقاط النظام الليبي ومقتل معمر القذافي ،بدأ العمل على شرق أوسط جديد.

شرق أوسط بنسخة جديدة
في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم بعد ثورات الربيع العربي والحرب في سوريا واسقاط نظامالاسد، تلوح في الأفق بوادر مقاربة أميركية جديدة حيال الشرق الأوسط، تقوم على إعادة ترتيب الأولويات وتفكيك الأزمات المزمنة، لا عبر التدخل العسكري المباشر كما في السابق، بل من خلال تحجيم القوى المسلحة الموازية للدولة قوى مادون الدولة من قبيل حزب الله اللبناني وحزب العمال الكردستاني والحوثيين وذلك بالتعاون مع الحكومات المتضررة من هذه القوى، والبحث عن صيغة إقليمية أكثر استقراراً وأقل تكلفة.

تتجسد هذه الرغبة الأميركية في جملة من الخطوات والتسريبات السياسية والدبلوماسية التي تتحدث عن ضرورة إنهاء ظاهرة المليشيات العابرة للحدود، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن، حزب العمال الكردستاني، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، وغيرها من الكيانات التي نشأت أو تضخمت بفعل فراغ السلطة وتآكل الدولة المركزية.

هذه القوى، رغم اختلاف مشاربها وأيديولوجياتها، باتت تشكّل ما يشبه الدولة داخل الدولة، وتتنازع على الموارد والسيادة، وتتحول في كثير من الأحيان إلى أدوات في صراعات إقليمية أوسع. ولعل واشنطن، بعد سنوات من إدارة هذه التوازنات المعقدة، توصلت إلى قناعة بأن الاستقرار في الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم يتم احتكار السلاح بيد الدولة.

في هذا السياق، يكثر الحديث في الأوساط الغربية عن مقاربة “نفعية” تجاه النظام السوري، تقوم على رفع تدريجي للعقوبات مقابل خطوات محددة على الأرض، أبرزها تحجيم النفوذ الإيراني، وضبط المليشيات التابعة له، وفتح المجال أمام شكل من أشكال “العودة ” للدولة المركزية إلى مناطق خارجة عن سيطرتها، ولو بترتيبات أمنية وسياسية جديدة.

لكن هذا الطرح يحتاج إلى آليات جديدة. فالحديث عن “استقرار” يحتاج إلى تحقيق العدالة والمحاسبة.
وأن يؤدي إنهاء نفوذ القوى المسلحة ما دون الدولة إلى استعادة الدولة، دون العودة لإنتاج النسخة الأشد قمعاً منها ، كيف يمكن لواشنطن أن تبرر دعمها السابق لبعض هذه الكيانات، كقسد في سوريا، والآن المطالبة بتفكيكها أو تهميشها؟

إن الرغبة الأميركية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط قد تعكس تراجع الاهتمام الأميركي بالتورط المباشر في صراعات المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تعبّر عن حاجة استراتيجية لضمان أمن إسرائيل، وتأمين مسارات الطاقة، وتفادي انفجارات إقليمية جديدة قد تنعكس على الأمن الأوروبي والعالمي.

غير أن أي مشروع “لإعادة الهيكلة” يبقى هشاً إذا لم يراعِ جذور الأزمات كالفقر والتهميش والعقوبات ،فالمليشيات لا تنشأ في الفراغ، بل تنمو في ظل هشاشة الدولة، وتتحول إلى ملاذ للباحثين عن مشاريع تقسيمية وانفصالية مما يؤثر على استقرار المنطقة وهو مالاترغب به واشنطن أو أوربا.

شاهد أيضاً

برلمان مالطا: سقوط الأسد يضعف نظام طهران… والحل يبدأ من قطع أذرع الملالي في المنطقة

برلمان مالطا: سقوط الأسد يضعف نظام طهران… والحل يبدأ من قطع أذرع الملالي في المنطقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × أربعة =