الأربعاء , ديسمبر 25 2024
الرئيسية / مقال / السوري القلق

السوري القلق

السوري القلق

فراس علاوي

الشرق نيوز

منذ العام 2011 يعيش السوريون تيهاً سببته ممارسات النظام السوري عليهم طيلة عقود من الزمن، كرست سياسات النظام الاجتماعية والاقتصادية نوعاً من النمطية والصور المسبقة عن المجتمعات المحلية، بشكل يعطي صفة لكل من هذه المجتمعات بين بخيل و/حربوق/ و غبي وساذج، هذه الممارسات ساعدته في السيطرة على المجتمع وتقسيمه وإلهائه.

بعد العام 2011 عاش السوري نمطاً قلقاً في حياته بدأت من خوفه من الموت تحت القصف ولم تنته بتهجيره من بيته، هذا القلق رافقه في رحلة اللجوء وتحول إلى قلق مركب، قلق من الهوية وقلق من اللغة وقلق من العوز وقلق على مستقبل أطفاله وخوف مما ينتظره.

 

يعرف القلق الاجتماعي على أنه نوع من اضطرابات القلق التي تظهر في سلوك الإنسان وتتمثل في خوف شديد ومستمر من المواقف الاجتماعية أو الأدائية التي يمكن أن تتسبب له في الإحراج أو الحكم السلبي من الآخرين خاصة إذا كان من يتعامل معه يحمل صورة نمطية ومتكررة عنه يغذيها دافع عنصري أو حتى هوياتي أو ثقافي . حيث يمكن أن يؤثر القلق الاجتماعي على حياة الشخص وعلاقاته الإجتماعية مع محيطه.

 

 

قلق الهوية

بسبب تفكك المجتمع السوري الذي عمل عليه النظام السوري عبر عقود، أصبحت المجتمعات السورية جزراً منعزلة محملة بأفكار مسبقة وصور نمطية معلبة عن الآخر، ومع النزوح الأول حدث احتكاك واضح بين هذه المجتمعات وفتح الباب لاطلاعها على بعضها البعض، هذا الانفتاح جعل كل منها يحاول اثبات هويته ومسح الصورة المسبقة عنه، في ذهن الآخر لكن هذا الأمر لم يكن هيناً في ظل وجود قوى مسيطرة وأخرى محكومة، مما تسبب بتدافع مجتمعي ظهرت فيه أشكال التمييز المناطقي والهوياتي وخطاب الكراهية وإن كان بمستويات مختلفة على امتداد الجغرافيا السورية، وقد ظهر هذا الخطاب واضحاً في مواقف كثيرة على سبيل المثال لا الحصر

 

اتهام بعض أهالي مدينة دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام لأهالي المناطق التي نزحوا منها، بأنهم حملوا عاداتهم /السيئة/ أو أنهم باتوا يحتلون حيزاً من حياتهم اليومية، الصراع بين شقي مدينة حلب الغربية والشرقية، هذا الخطاب تكرر في مناطق أخرى وإن كان بصورة نسبية متفاوتة في مناطق الشمال السوري ومناطق سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) قسد، كذلك يعيش السوري في بلدان اللجوء قلق هوياتي أكبر فهو دائماً يحاول أن يثبت بأنه قادر على الاندماج في المجتمعات المضيفة، محاولاً تبرئة نفسه من الصورة النمطية الملتصقة به كونه من خلفية جغرافية ودينية معينة، كما يحاول أن يبرز احترامه للقانون والعادات والتقاليد بصورة أكبر مما هو مطلوب منه، هذا القلق مرده للتخوف من ردات فعل غير محسوبة قد تكون عنصرية أو نتيجة أخطاء غير مقصودة بسبب اختلاف اللغة، لذلك يبقى السوري قلقاً لا يتحدث لغته بصوت عال خوفاً من انكشاف هويته ولايلبس أزياء معينة تخوفاً من ردود فعل المجتمع المضيف، كل هذا جعل السوري غير مستقر حتى في البلدان التي تقدم له خدمات اجتماعية جيدة، إلا أنه يبقى مسكوناً بهاجس الخوف من الآخر.

 

 

قلق آخر يجعل السوري غير مستقر

هو القلق من الحاجة والعوز والمستقبل المجهول، مما يجعله عرضة لكثير من الأمراض الاجتماعية، التي تدفعه إليها حالة الخوف فيقع فريسة للمخدرات أو الأعمال غير الشرعية، مما يجعله مخالفاً للقانون وبالتالي يعيش حالة أخرى من التخوف والقلق، المشكلة الأكبر التي قد تلحق بالمجتمع هي وصم فئة فيه بسمة عامة وتعميمها عليه، مما يزيد من خطاب الكراهية ضده كأن يقال (أبناء المدينة الفلانية أو العائلة الفلانية مدمني مخدرات) على الرغم من وجود أفراد جيدين فيها، كذلك وتحت ضغط الحاجة قد يجعل الانسان يعمل بمهن وأعمال بعيدة عن تخصصه أو قدراته مما يؤثر عليه نفسياً وقد يعرضه في بعض الأحيان للسخرية.

 

 

 

قلق من استمرار الوضع على ماهو عليه

إن انسداد الحل السياسي وعدم معرفة ما ستؤول إليه المسألة السورية يجعل السوري يعيش قلق الانتظار والخوف من المجهول، خاصة في البيئات التي لا يمتلك فيها أي أوراق ثبوتية وبالتالي ليس بامكانه البدء بحياة جديدة، وإنما البقاء مراوحاً في مكانه دون أي تقدم يذكر، وبالتالي انتظار الحل في سوريا للعودة لحياته السابقة.

كتبت لبانة غزلان 

(أن ابتسم في وجه سائق تكسي عنصري يتحدث الفرنسية بطلاقة عندما يخبرني أني لا أشبه السوريين ويتمنى أن تطول إقامتي في لبنان، بعد أن كذبت عليه بأني هنا منذ أيام فقط وموعد طائرتي في الغد، خوفا من أن يعرف أني بلا إقامة.)

 

السوري القلق

هي سمة للسوري في أي مكان يعيش فيه، سواء على الجغرافيا السورية أو حتى في مناطق اللجوء والنزوح، هو يشبه الخيمة التي يسكنها تتأثر بالريح ولا جذور عميقة لها وتنتظر استبدالها كل فصل صيف بسبب رياح الشتاء، ومع ذلك لايلغي هذا القلق قدرة الكثيرين على الاتزان والبدء بحياة جديدة وإن كانت على حساب قدراته وأحلامه ورغباته، ولعل الحل الوحيد لاستقراره هو استقرار الأرض تحت قدميه، وإيجاد حل شامل لقضيته تضمن حقوقه القانونية والاجتماعية والسياسية وعقد اجتماعي جديد يؤمن حقوقه ويلتزم بواجباته اتجاه مجتمعه.

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × خمسة =