قراءة في كتاب المرزوقي هل نحن أهلٌ للديمقراطية ؟
هناء درويش
يبداً المنصفُ المرزوقيُّ كتابَهُ مستفتحاً بسؤالٍ مهمٍ حولَ مدى صلاحيةِ واستعدادِ المجتمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ لتبني مبادئِ الديمقراطية. و يناقشُ من خلالِه تحليلَ التحولاتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ في هذهِ المجتمعاتِ، موجهاً الانتباهَ إلى التحدياتِ والعوائقِ التي تعترضُ تبنيَ الديمقراطيةِ.
ثمَّ يسلطُ الضوءَ على تصاعدِ الحوارِ حولَ مدى ملاءمةِ وفهمِ هذهِ المجتمعاتِ للديمقراطية، ويركزُ على مسائلَ مثلِ التعدديةِ والعنصريةِ الثقافية، وكيف يمكنُ التغلبُ على العقباتِ التي تعيقُ التحولَ نحوَ نظامٍ ديمقراطيّ.
وفي حديثهِ عن فكرةِ التدرجِ في تطبيقِ الديمقراطية،
يرفضُ المرزوقيُّ هذهِ الفكرةَ مؤكداً أهميةَ عدمِ السخريةِ من الشعوبِ العربيةِ والإسلامية، ويناقشُ تكاملَ الديمقراطيةِ مع قيمِ الشورى والحوار.
مؤكداً أنَّ تجاربَ الشعوبِ تؤخذُ ككلٍّ ولا تُجزأُ مثلَ تجاربِ الأفرادِ
ويوضحُ أنّ التجربةَ وإن فشلَ بها الشعبُ في زمانٍ و مكانٍ معينين لكنه لابد سينجحُ بعدَ أن يطورَ آلياتِهِ ويتعلمَ من تاريخِهِ، كما حدثَ في ألمانيا ماقبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.
كما يتناولُ الكتابُ شرحَ العوائقِ الداخليةِ والخارجيةِ التي تواجهُ التحولَ نحوَ الديمقراطيةِ، و يبرزُ أهميةَ تعزيزِ التعليمِ والوعيِ، وتحقيقِ الحوكمةِ الجيدةِ لتعزيزِ التطورِ نحوَ الديمقراطية.
يعود المرزوقيُّ إلى المفهومِ الثقافيِّ والدينيِّ، حيثُ يتناولُ تحدياتِ تياراتٍ إسلاميةٍ ترى الديمقراطيةَ فكرةً غربية، ويتحدثُ عن التوجهاتِ التي تعتبرها بعضُ الفئاتِ جزءاً من مؤامرةٍ ضدَّ الهويةِ والدين.
كما يشيرُ إلى أنَّ بعضَ الناسِ يرفضون فكرةَ الديمقراطيةِ ويعتبرونها -كفراً- ويقدمُ نقداً لهذهِ الآراءِ، مشيراً إلى أهميةِ فهمِ مفهومِ الديمقراطيةِ بشكلٍ شاملٍ ومرتبطٍ بالسياقِ الثقافيِّ والتاريخيِّ للمجتمع.
ثم يقترحُ المرزوقي أفكاراً لتعزيزِ التطورِ نحوَ الديمقراطية، من خلال تطويرِ برامجَ تعليميةٍ تركزُ على القيمِ الديمقراطيةِ، وتعزيزِ مبادئِ الحوكمةِ الجيدةِ بمكافحةِ الفسادِ وتشجيعِ الحوارِ الوطنيِّ لتعزيزِ التسامحِ والفهمِ المتبادل.
و يستندُ المرزوقي إلى مفهومِ حقوقِ الإنسانِ كأساسٍ للديمقراطيةِ والتطورِ السياسيِّ و يسلط الضوءَ على أهميةِ احترامِ حقوقِ الإنسانِ في بناء أنظمةٍ ديمقراطيةٍ قائمة.
ويشيرُ إلى أهميةِ مراعاةِ حقوقِ الإنسانِ في جميعِ جوانبِ الحياةِ الاجتماعيةِ والسياسية، وكيف يتعينُ على الأنظمةِ الديمقراطيةِ توفيرَ وضمانَ حقوقِ المواطنينَ دون تمييز.
مشيراً إلى مدى اندماجِ مفهومِ حقوقِ الإنسانِ مع التشريعاتِ الوطنيةِ وتوجيهِ الحكوماتِ لتطويرِ وتنفيذِ سياساتٍ وقوانينَ تحققُ حقوقَ المواطنين بطريقةٍ فعالة.
يستند المرزوقي إلى شواهدَ من قوانينِ حقوقِ الإنسانِ كأساسٍ لدعمِ التحولِ نحوَ الديمقراطية. ويشير إلى إمكانية تقديمِ الدعمِ من خلالِ تسليطِ الضوءِ على بعضِ النقاطِ المحورية و هي:
1_ حمايةُ الحرياتِ الأساسية: يعتبر المرزوقي أنَّ ضمانَ حمايةِ الحقوقِ والحرياتِ الأساسيةِ للأفرادِ جزءٌ لا يتجزأُ من بنيةِ ديمقراطيةٍ فعّالة.
2_تطويرُ القوانينِ والتشريعات : يشير إلى أهميةِ إصلاحِ القوانينِ والتشريعاتِ لتتوافقَ مع معاييرِ حقوقِ الإنسانِ الدولية، مما يعززُ دعمَ الديمقراطية.
3_ الفسادِ: يركزُ على ضرورةِ مكافحةِ الفسادِ وتحسينِ الحوكمةِ كعناصرَ أساسيةٍ في دعمِ الديمقراطية.
4_المجتمع: يشددُ على أهميةِ توعيةِ المجتمعِ بحقوقهِ والمشاركةِ في تعزيز ثقافةِ حقوقِ الإنسان
5_المساواة : يُشددُ على أنَّ الديمقراطيةَ الفعّالةَ تتطلبُ ضمانَ المساواةِ لجميعِ فئاتِ المجتمعِ ، مع مراعاةِ حقوقِ الأقلياتِ وعدمِ التمييز.
6_الاستقلالُ القضائيّ: يُبرز أهمية استقلالِ السلطةِ القضائيةِ في تحقيقِ العدالةِ وضمانِ احترامِ حقوقِ الإنسان.
7_المشاركةِ السياسية: يشددُ على ضرورةِ تعزيزِ حقوقِ المواطنينَ للمشاركة الفعّالةِ في العملية السياسيةِ، بما في ذلك حقُّ الانتخابِ وتشكيلِ الحكومة.
8_الإعلامية: يُسلط الضوءَ على أهميةِ حريةِ التعبيرِ والإعلامِ كأدواتٍ أساسيةٍ لضمانِ تدفقِ المعلوماتِ وتشجيعِ حوارٍ مفتوحٍ في المجتمع.
9_احترامُ الآراء: يُبرز أهميةَ احترامِ التعدديةِ في الرأيِ والمشاركةِ في تشكيلِ القرارات، مع التأكيدِ على أنَّ الديمقراطيةَ لا تقتصرُ على فكرةٍ واحدة أو مجموعةٍ معينة.
بهذه الشواهدِ، يعززُ المرزوقيُّ فهماً للديمقراطيةِ كنظامٍ يقومُ على أساسِ حقوقِ الإنسانِ وضرورةِ تعزيزِ هذه الحقوقِ لتحقيقِ تحولٍ ديمقراطيٍّ فعّال.
10_التحدياتِ الثقافية:يتحدثُ المرزوقي عن أهميةِ مواجهةِ التحديات الثقافيةِ التي تعترضُ الطريقَ نحوَ تطبيقِ الديمقراطية، مع التأكيدِ على أنَّ الديمقراطيةَ لا تتعارضُ مع القيمِ والهوياتِ الثقافية.
11_لتربيةُ الديمقراطية:يركزُ على أهميةِ تفعيلِ دورِ التربيةِ في تنمية الوعيِ الديمقراطي، وتشجيعِ الشبابِ على المشاركةِ الفعّالةِ في الحياةِ السياسية.
12_ التحول الاقتصادي والاجتماعي: يشددُ على أنَّ الديمقراطيةَ ليست قاصرةً على الجوانبِ السياسيةِ فقط، بل يجبُ أن ترافقَها جهودٌ لتحقيقِ التحولِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ لضمانِ تحسينِ ظروفِ الحياةِ للمواطنين.
بوجهٍ عام، يستمدُ المرزوقيُّ فلسفتَهُ للديمقراطيةِ من رؤيةٍ شاملةٍ لحقوقِ الإنسانِ وتعزيزِ المشاركةِ المجتمعيةِ، مع التركيزِ على التحولاتِ الثقافيةِ والاقتصادية كعناصرَ أساسيةٍ في بناءِ أنظمةٍ ديمقراطيةٍ قائمة. في كتاب “هل نحن أهل للديمقراطية ؟
” يشيرُ إالمرزوقي إلى حادثةِ الانتخاباتِ البرلمانيةِ في تونسَ عامَ 1981 والتي أطلقَ عليها مصطلحَ “الانتخابات بالحنة”. تلك الانتخاباتُ تأتي في سياقِ التجربةِ التونسيةِ في تحقيقِ الديمقراطيةِ، لكنَّهُ كان يشيرُ إلى بعضِ الظواهرِ التي قد تظهرُ في عملياتِ الاقتراع.
في تلك الفترةِ، شهدتِ الانتخاباتُ تشجيعاً من الحكومةِ للمشاركةِ الشعبيةِ وتعدديةِ الأحزاب،
و تميزت تلك الانتخاباتُ بعلانية الاقتراعِ وسريةِ الفرزِ
وبحسبِ وصفِ المرزوقي، كانت هناك مظاهرُ تلاعبٍ في العمليةِ الانتخابية، حيث كان لونت بطاقاتُ الحزبِ الحاكمِ بالأحمر، و بطاقاتُ الحزبِ المعارضِ بالأخضر. وبالرغمِ من الظاهرةِ الإيجابيةِ للتعددية،
يؤكد المرزوقي أنَّ الشوارعَ وباحاتِ مراكزِ الاقتراعِ امتلأت بالبطاقاتِ الحمراءِ المرميةِ على الأرضِ وفي هذا إشارةٌ إلى أن البطاقاتِ (بطاقاتِ الحزبِ المعارض) وضعت في الصناديقِ إلا أنَّ نتيجةَ الفرزِ كانت لصالحِ الحزبِ الحاكم
لذلك فقد شبهت هذه الانتخاباتُ بالعادة التونسيةِ في الحنة، حيث يتغير لونُ الحناءِ الأخضرِ بعد وقتٍ ليصبحَ أحمراً ، . هذا المثالُ يُظهرُ استخدامَ الحكومةِ آنذاكَ للديمقراطيةِ كظاهرةٍ خارجيةٍ دون تحقيقٍ تغييرٍ حقيقيٍّ في النظام.
في ختامِ كتابه “هل نحن أهلٌ للديمقراطيةِ ؟”، قدمَ المرزوقيُّ رؤيةً تحليليةً للتحولاتِ التي مرت بها العديدُ من المجتمعات العربيةِ وتأثيرُها على مفهومِ الديمقراطية. وقد أكدَّ على أنّ العالمَ العربيَّ يمكنه التأقلمُ مع القيمِ الديمقراطية، ولكنهُ أشار أيضاً إلى تحدياتِ تطبيقها.
ومن خلالِ شواهدَ تاريخيةٍ وتحليلاتٍ عميقةٍ، وضعَ المرزوقي سياقاً للفهمِ الحالي لتحولاتِ المجتمعاتِ العربيةِ نحو الديمقراطية. معبراً عن أملِهِ في أن يكونَ العالمُ العربيُّ جاهزاً لتحقيقِ التوازنِ بينَ الحريةِ والعدالةِ الاجتماعية.
ختاماً ، وجّهَ المرزوقي من خلالِ كتابِهِ نداءً للتفكيرِ الجادِ في تطويرِ المجتمعاتِ العربية بما يتلاءمُ مع قيمِ الحريةِ والعدالة. بالرغمِ من التحديات، تبقى الديمقراطيةُ الطريقةَ الأمثلَ لبناءِ مستقبلٍ يحققُ الحريةَ والتقدم.