ولدت في عيد الحب
حسين الضاهر
كلام سوريين
تعلّق إحدى الصديقات: من الجميل أنك خُلقت في مثل هذا اليوم المليء حبًا. ثم ترفق تعليقها بأيقونة كيكة وقصاصات ملونة تتناثر على مساحة التعليق.
في قرانا، وحيث ولدت، لا يحتاج المرء لمعرفة يوم ميلاده الحقيقي، يكتفي بما هو مسجل في الهوية فقط، على الرغم من أن تلك التواريخ بمعظمها غير صحيحة زيادة أو نقصانًا.. ومن المؤكد أن أحدًا لن يبالي بيوم ميلاده الحقيقي إلا إذا أراد إثبات أنه يكبر أقرانه ولو ببضعة أيام، ليردد العبارة الذهبية الدارجة “أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة”. وما عدا ذلك يمكن أن يُعتبر مجرد التفكير بالاحتفال بيوم الميلاد فعلًا صبيانيًا يقلل الهيبة، أو اضطرابًا عقليًا.
أنا في الهوية مثلًا أكبرني حقيقة بشهر ونصف. ولم أعلم بأمر هذه الخمسة والأربعين يومًا الزائدة على عمري إلا منذ سنوات قليلة، ومن خلال مفارقة حمقاء، ففي 14/ شباط من عام 2005 فارقت بيروت التي عشقتها خوفًا من تفاقم أي اضطرابات عقب مقتل رفيق الحريري، وبقيت أردد أمام الجميع مع حلول التاريخ نفسه من كل سنة أنني مت في ذلك اليوم، لترد عليّ أمي بعد سنوات من تلك الحادثة، أنني خُلقت في مثل هذا اليوم، وبأنني ولدتُ ميتًا أيضًا، رُميت تحت سرير المستشفى فاقدًا لعلامات الحياة، وبعد مرور ثلاثين دقيقة تقريبًا أخذتُ أئنُّ بخفوت ساعة أُصلحت للتو.
نعم، مت في مثل هذا اليوم المليء حبًا، ثم خُلقت فيه، ثم مت مرة أخرى، وحييت ومت…
أما الاحتفال بيوم ميلادي، فقد كنت دومًا بعيدًا عنه، قبل أن أعرف حقيقة عمري الزائد، كنتُ مسجلًا في اليوم ذاته مع العشرات من أولاد وبنات قريتنا 1/1 يمكن أن يعتبر عرسًا شعبيًا، لكن أحدًا لم يحتفل به أبدًا.
وعندما علمت تاريخي الصحيح بت أخاف من الشؤم المصاحب له، فلربما ألقى حتفي فيه مجددًا بلا بعث آخر.. أخاف أن ألقى مصير وردة قطفت في مثل هذا اليوم تعبيرًا عن الحب الفائض، في حين أن المحبين لا يلقون بالًا بأن الليلة هي الأخيرة لهذه الوردة في الحياة.
طوال سنواتي الماضية، حرصت أن أجعل هذا اليوم عطلة من كل سنة، فلا أخرج من البيت، وقلما أتواصل مع أحد بخصوص عمل أو تقرير مصير شيء مهما كان سخيفًا أو حتى دردشة جانبية، أصير شخصًا أليفًا أو مجرد رقم زائد في عمر الحياة، أو صنمًا مؤقتًا، مخافة أن أفارق بلادي.
منذ الصباح وأنا أطوف الشوارع على غير هدى، أتواصل مع معظم أصحابي، ألقي بنفسي في نقاشات مع المارة، وأنتظر… وأنتظر.. لعل أمرًا ما يحصل ويخرجني من هذه البلاد لأبعث للحياة مجددًا.