إلى نيكولاس فاندام … الثورات لاتُهزم لكن نصرها قد يؤجل
فراس علاوي
نيكولاس فاندام الكاتب والدبلوماسي الهولندي والخبير بالشأنين العربي والسوري وصاحب كتاب الصراع على السلطة في سوريا , كتاب تدمير وطن /الحرب الأهلية السورية / .
في كتابه الأول تحدث فاندام عن بذور الصراع على السلطة في سوريا وكيف ساهمت العلاقات والعوامل المتشابكة الإقليمية والمناطقية والطائفية والعشائرية في الإبقاء على نظام الأسد متماسكاً في السلطة كل هذا الوقت .
وفي لقاء له على موقع أورينت يقول أن عنف النظام المفرط ضد المتظاهرين السلميين بشكل خاص , كان أحد الأسباب الأولية والرئيسية لدعم المعارضة من قبل عدد من الدول الغربية وقطع علاقاتها مع نظام الأسد .
بينما يصر في كتابه الثاني تدمير وطن على أن مايحدث في سوريا هو حرب أهلية .
يتابع فاندام في لقائه مع أورينت قائلاً
لاأعتقد من الصحة بمكان القول بأن الدول الغربية تخشى من ممثلي السُنة في سوريا خاصة أن السنة يشكلون الغالبية في سوريا .
مؤخراً وفي مقال له في مركز حرمون ,بعنوان الدروس التي ينبغي تعلمها من الثورة السورية , والدروس التي كان يجب تعلمها قبل فترة طويلة .
يتحول فاندام من المحلل والقارئ إلى المنظر والمعلم المُلزم للآخرين على الرغم من محاولته إظهار عكس ذلك .
إذ يبدأ مقاله بجملة قطعية /غير قابلة للنقاش من وجهة نظره / بأن الثورة فشلت / وهي لم تفشل فقط حسب وجهة نظره بل فشلت فشلاً ذريعاً , وأن البلاد دُمرت وأن النظام السوري انتصر واستعاد معظم البلاد , من هذا المنطلق يعتقد فاندام بأن التدخل الدولي فشل في اسقاط الأسد , قد نتفق في جزء مما قاله وهو أن الأسد لازال في السلطة , ولكن عن أية سلطة يتحدث فاندام , تلك التي يتنازعها بشار الأسد مع اخيه ماهر وزوجته أسماء وعدد كبير من قادة المليشيات وتجار الكبتاغون , أي انتصار يتحدث عنه فاندام ولايزال بشار الأسد لايتحكم حتى في أقرب المقربين إليه , أي انتصار والاقتصاد يترنح كل يوم والمطارات والحدود تعج بالمغادرين .
يحاول فاندام تبرير ماسيذهب إليه بالواقعية والصداقة مع السوريين وهنا لايقول من هم السوريون الذين يقصدهم , إذ سرعان ماينعتهم بعدم المعرفة والجهل , حين يقول بأنهم أساءوا تقدير معرفة النظام , متناسياً ألا أحد أكثر من السوريين يعرف إجرام النظام السوري وقدرته على استخدام القوة المفرطة والإجرام بحق السوريين .
يتابع فاندام مشككاً بسلمية الثورة في بدايتها ومؤكداً حد الإيمان بأنه لم يكن بالإمكان اسقاط الثورة سلمياً , لكن حقيقة الأمر تقول عكس ذلك فقد كانت المرحلة السلمية من الثورة هي الأكثر خطراً على النظام وتأثيراً فيه بل وتسببت بتصدعات كبيرة في بنيته لذلك سعى إلى تحويلها إلى صدام مسلح , والسوريون يعلمون ذلك .
كذلك يقلل فاندام من إمكانية القدرة على اسقاط النظام ويرجع سببه الرئيس لتماسك العلويين والأجهزة الأمنية , متناسياً أن أفراداً من الجيش الحر وبأسلحة متوسطة وخفيفة وصلوا لقلب العاصمة دمشق وحرروا أكثر من 75% من الأرض السورية , ولولا التدخل الخارجي لكان هناك كلام آخر , كما يؤكد بشكل قطعي أن الفصائل المعارضة فشلت أيضاً في تقدير قوة النظام / متناسياً / أن كثير من المنشقين عن النظام هم ن بنيته ولديهم القدرة على معرفة وتفكيك مواطن قوته وضعفه , ويتابع بأن من أرادوا اسقاط النظام / لم يكونوا أقوياء بما يكفي لذلك / .
ثم يكمل فاندام بما هو أسوء من ذلك حين يتهم معارضي النظام بأنهم جازفوا بحمام دم , وهو بذلك يُحمل من دافعوا عن أنفسهم وأهلهم ومناطقهم مسؤولية مقتل وتهجير أهلها , وكأنهم هم من قصفوا أنفسهم بالصواريخ والبراميل والطائرات ومارسوا القوة المفرطة على المدنيين العزل , وهو هنا يلوم السوريين لخروجهم بالثورة بسبب ماسماه عدم معرفتهم بإجرام النظام , هذا الكلام سمعه السوريون كثيراً ممن لم يخرجوا معهم تحت هذه الذريعة .
لكن فاندام يذهب إلى ماهو أبعد من ذلك , حين يحمل السوريين الثائرين مسؤولية عدم أخذ رأي من تعرضوا للقتل والتهجير بسبب عنف النظام أو العنف المتبادل في موافقتهم على الثورة , وكأن الثورات تحتاج لصناديق اقتراع واستطلاعات رأي , الثورات عبر التاريخ تقوم بها فئة صغيرة من المجتمع لاتصل إلى 5% من عدد سكانه , وفي الحالة السورية وصلت هذه النسبة إلى أكثر من ذلك , لكنها حظيت بتأييد الأغلبية , وبالتالي فإن افتراض موافقة الجميع هو كلام طوباوي لامكان له في الثورات خاصة تلك التي تأتي على شكل انفجار شعبي واسع كما حدث في سوريا .
يتابع فاندام حديثه عن التدخل الروسي ويصفه بالحاسم فيما اسماه انتصار الأسد , لكن الحقيقة تقول عكس ذلك , لاتزال روسيا وإيران وجميع الدول المتداخلة تغوص في الوحل السوري , فقد حددت روسيا بداية وشكل تداخلها في سوريا لكنها وحتى اللحظة لم تجد شكلاً واضحاً للخروج من الأزمة التي لحقتها في سوريا .
ثم يضرب فاندام مثالاً على عنف النظام وعدم تقدير معارضيه لقوته / المزعومة / بما حدث في حماة محملاً / الاخوان المسلمين / المسؤولية المشتركة عما حدث في حماة متهماً اياهم بالتطرف تارة وإثارة العنف تارة والطائفية في مكان آخر .
وهو بذلك يطلب من السوريين أنهم كان عليهم الاعتبار مما جرى في حماة عدم الخروج على نظام الأسد / يتطابق هنا مع فتاوى خرجت من نظام الأسد وشيوخه بما فيهم البوطي / .
متناسياً تغير الظروف الموضوعية والذاتية للمجتمع السوري من جهة , والاختلاف في قدرة نقل مايحدث للعالم وفق رؤى تختلف عما يصدره النظام , فرق كبير بين ماحدث في حماة داخل نظام مغلق ومنغلق ويصدر للعالم مايريد ,
يتابع فاندام اتهامه للباحثين عن الحرية / المزعومة / حسب وجهة نظره بأنهم لايعبأون بالخسائر ولاتعني لهم حياة الناس شيئاً , معتبراً أن الثورة هي من تسببت بهذا العدد الكبير من الضحايا /
يرجح فاندام أن سبب ما اسماه صمود (الرئيس ) بشار الأسد هو أنه غير مستعد على التوقيع على مذكرة إعدامه / متناسياً الدعم الايراني الروسي العربي للنظام السوري , وكأنه لم يسمع بتصريحات القادة الايرانيين والروس الذين قالوا بأنه لولا تدخلهم لسقط النظام خلال أسابيع , ثم يعيد سؤاله العجيب حول هل تم سؤال الضحايا إن كانوا يريدون المشاركة بالثورة أم لا ؟
, سؤال لايسأله طالب في المرحلة الاعدادية لنفسه , فهل يسأل الناس عن التغيرات الاجتماعية الناتجة عن محاولات التغيير للافضل , هل سئل الفرنسيون عن ثورتهم ؟
هل سُئل الفيتناميون عن كفاحهم ؟ هل سُئل الهنود عن ثوراتهم ؟
ليعود ليقارن بين الثورة الفرنسية والسورية , وكأنه لايعلم / وهو يعلم بالطبع / ماكلفته الثورة الفرنسية من وقت وضحايا وتغيرات مجتمعية هائلة خلال عشرات السنين حتى انتصرت في نهاية الأمر ,
ينتقل فاندام ليفترض أن قوى الثورة جميعها هي قوى مؤدلجة ضارباً بجيش الاسلام / الذي افترض فاندام انه إن سيطر على دمشق لن يقيم نظاماً ديموقراطياً , وواصفاً قوات سوريا الديموقراطية بالاستبدادية , معرجاً على هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة المتناحرة حسب وصفه / , هنا ينتقل فاندام بشكل مباشر من لوم السوريين على الخروج بمظاهرات سلمية , ليقفز إلى نتائج التدخل الاجني في سوريا خاصة ذلك الداعم لنظام الأسد , دون المرور بكثير من التجارب التي كانت ستنتج نظاماً ديموقراطياً فيما لو قدر لها الاستمرار .
كما يصف فاندام نفسه بالبراغماتي والواقعي حين يتهم السوريين بالتعجل في ثورتهم , وأنه كان عليهم انتظار الفرصة المناسبة حتى ولو لم تأت , وهنا مرة أخرى يتوافق مع شيوخ النظام السوري الذي كانوا يعتبرون الخروج على الحاكم جريمة , ويرجعون ذلك لاسباب مختلفة أهمها احتمالية الخسائر التي من الممكن أن تقع , لكن ماذا لو لم تتدخل إيران وروسيا ؟
هل كان سيكون كلام فاندام ذاته في تقدير السوريين لثورتهم ؟
خرج السوريون في ثورة عندما نضجت الظروف الموضوعية لذلك , وهم لم ينتظروا الإذن من أحد , فلا أحد أقدر منهم على رؤية الفرصة المناسبة لذلك .
يقارن فاندام بين التدخل الروسي الكامل عسكرياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً , وبين الدعم البسيط المقدم للفصائل , ويعتبر أن صمود الفصائل أمام النظام هو بسبب الدعم الدولي لها , ويبدو هنا أنه قليل إطلاع على الدعم المقدم لهذه الفصائل وكيفية تقديمه , وإلا لما كان على باحث مطلع أن يقارن طبيعة الدعم المقدم للنظام بالدعم المقدم للفصائل .
يتابع فاندام لومه للسوريين حين يتوجه اليهم بصيغة التنظير والوعظ بقوله / من الأفضل ألا تفعل شيئاً بدلاً من فعل الشيء الخطأ / معتبراً أن ماقام به السوريون هو غلط وخطأ كبير .
كما يقول / لايمكن فرض الديموقراطية بالقوة / وينتقد قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري باعتبارها تفقد العالم فرصة التواصل معه , معتبراً أن الحوار هو وسيلة للحل حتى لو كان غير مثمر وهنا يخلط فاندام كثيراً فهو يعتبر الحوار وسيلة رغم أن نتائجها غير مثمرة , إذا دعم الحوار لمجرد الحوار هو وسيلة عمل عليها النظام كثيراً ونفذها سابقاً وهذا يدل أيضاً على ضعف معرفي ببنية النظام وطبيعة إدارته للتفاوض .
ينتقل فاندام لتحميل الدول التي دعمت المعارضة , مهما كان مستوى الدعم مسؤولية إراقة دماء السوريين متجاهلاً مسؤولية النظام وحلفائه عن تلك الدماء ,
يتبنى فاندام رؤية النظام وباصرار بمايتعلق بالعقوبات الغربية على النظام ويرى أنها تؤثر على الحواضن الاجتماعية , وهنا أيضاً نجد قصور في الرؤية بمايتعلق ببنية النظام وداعميه وعلى ماذا تقوم العلاقة بين النظام وحاضنته الاجتماعية .
يتابع فاندام اتهاماته للثورة السورية والتي حكم عليها بصبغة واحدة / جيش الاسلام والفصائل الاسلامية / بمسؤوليتهم لو انتصروا على تقسيم سوريا ,إذ يفترض أن انتصار المعارضة في دمشق لايعني هزيمة النظام فسوف تتبقى له اللاذقية وطرطوس وحلب , وهنا أيضاً عدم معرفة بطبيعة الصراع السوري والمختلف حكماً عن الصراع فترة الثمانينات , حيث الصراع هنا أكثر امتداداً لجيل أقل تأثراً بالنظام وأكثر قدرة على الانفكاك عنه , ظهر ذلك في التوسع السريع للمظاهرات ومن ثم للمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وطبيعة الانشقاقات في جسم النظام التي كانت تتسع مع كل تقدم للمعارضة فكيف إذا سقطت العاصمة ؟
حالتان أصبحت فيهما دمشق شبه خالية وكانت سهلة السقوط فيما لو تم الأمر ,
الاولى حين وفاة باسل الأسد وكذلك حافظ الأسد , والثانية عند تفجير خلية الأزمة .
تماسك النظام لايعود لقوته بقدر مايعود لقوة داعميه .
يتابع فاندام اتهامه للدول الداعمة للمعارضة بازدواجية المعايير وبأن مايطالبون به نظام الأسد يغضون النظر عنه في دول أخرى ويضرب مثلاً الدول العربية وإسرائيل , وكأن على المجتمع الدولي أن يغض الطرف عن جرائم النظام إذا لم يحاسب جميع دول المنطقة على تعاملها مع شعوبها .
يخلص نيكولاس فاندام في مقاله المعنون الدروس التي ينبغي تعلمها من الثورة السورية , والدروس التي كان يجب تعلمها قبل فترة طويلة .
إلى أن
السوريون أخطأوا بثورتهم , لأنهم لم يقدروا قوة النظام .
كان على السوريين انتظار اللحظة المناسبة لاسقاط النظام حتى لولم تأت أبداً .
أخطأت الدول بتقديم دعمها للمعارضة , بل كان عليها اسقاط النظام أو عدم دعم المعارضة .
أغفل بشكل كامل الدور الذي لعبته روسيا وإيران والصين في دعم النظام والابقاء عليه .
ينصح المعارضة بتقديم مزيد من التنازلات من أجل تخفيف الضغط عن حواضن النظام , دون أن يتطرق للسوريين في المخيمات .
يرى بأن العقوبات الغربية مضرة بالسوريين وأن لاسبيل لاسقاط النظام إلا بانقلاب لن يحدث .
يسمي الثورة السورية بالحرب الأهلية , متجاوزاً مفاهيم الحرب الأهلية وأسبابها وكيفية تطور الصراع فيها .
تحميل الثوار السوريين مسؤولية التدمير الذي لحق بسوريا .
الجزم بأن الدول ستعود لنظام الأسد وستقبل بمايريده هو وشروطه التي يفرضها .
إن الفرضيات التي يستند اليها فاندام تتماهى بشكل كبير مو حديث النظام , خاصة بمايتعلق بالمسؤولية عن التدمير وإطالة زمن الصراع وازدياد عدد الضحايا والمهجرين , دون أن يشير إلى الأعداد المتزايدة للهاربين من مناطق النظام حتى بعد ما أسماه العودة الدولية للنظام , هذه الفرضيات والتي تستند إلى معارف سابقة للكاتب تسببت باطلاقه أحكام خاطئة أوصلته لنتائج خاطئة تنفيها الوقائع على الأرض وفرضيات التاريخ ودروسه التي يجب أن نتعلمها , بأن الثورات لاتهزم حتى لو طال أمدها وإنما تفتح الباب للتغيير .
الوسومالثورة السورية الشرق نيوز الصراع على سوريا سوريا نيكولاس فاندام
شاهد أيضاً
عيشة كلاب
المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …