الخميس , مايو 2 2024
الرئيسية / مقال / سوريا لعنة الجغرافيا والتوقيت

سوريا لعنة الجغرافيا والتوقيت

سوريا لعنة الجغرافيا والتوقيت
فراس علاوي
عندما خرج السوريون في ثورتهم منتصف آذار 201‪1
لم يكن أشد المتشائمين منهم يتوقع أن تستمر المأساة السورية إثنا عشر عاماً مع اقتراب موعد انفجارها آذار القادم.

وبعد سيطرة الجيش الحر على معظم الأراضي السورية نهاية العام 201‪3،
لم يكن أشد المتشائمين يتوقع بقاء بشار الاسد حتى منتصف العام201‪4
إذن ما الذي حدث حتى تراجعت حدة الثورة السورية وماهي العوامل التي أدت إلى وصول الحال إلى ماهو عليه.
عوامل كثيرة لعبت دوراً هاماً ومفصلياً في مسير الثورة السورية، إلا أن عاملين رئيسيين هما مايؤطر جميع تلك العوامل في قالبين اثنين
الأول هو الجغرافيا والثاني هو التوقيت
كان للجغرافيا تاثيراً مباشراً على أحداث الثورة السورية وهذا التأثير كان على جميع الاصعدة إقليمياً ودولياً
فجوار سوريا وبسبب قدرة نظام الأسد على نسج تحالفات مع دول الجوار، جعلت من انخراط الدول الاقليمية مشروطاً ومرتبطاً بتلك العلاقات ففي حين وقفت ماتسمى دول محور المقاومة / حزب الله الحاكم الفعلي للبنان، والفصائل الفلسطينية وبعض الدول العربية / بدعم إيراني إلى صف نظام الاسد.
دعمت بعض الدول النظام لأسباب عقائدية مرتبطة بالمشروع الإيراني كما هو حال الموقف العراقي المرتبط جذرياً بالموقف الإيراني والتابع له، وعلى سوء هذه المواقف إلا إنها تميزت بثباتها من دعم النظام.
فيما تراوحت مواقف الدول الداعمة للشعب السوري بين الدعم المباشر والفتور ومن ثم الابتعاد عن الملف بشكل كامل أو جزئي، ولعل ابرز تلك التحولات هي المتعلقة بالموقف التركي الذي تحول من موقف المراقب بداية انطلاق الثورة إلى موقف الإنخراط فيها ومن ثم محاولة ترتيب هذا الانخراط وإيجاد مخارج حقيقية له.
لعل دور الجغرافيا بدا بشكل واضح في الموقف التركي الذي تحكمه علاقات التاريخ والجوار، لذلك كانت الاستراتيجية التركية مبنية بشكل كامل على حماية الأمن القومي التركي ومحاولة الاستفادة مما يجري في سوريا من أجل تصفية الصراع التركي مع الأحزاب الكردية، حيث نقلت تركيا الصراع إلى داخل الأراضي السورية، وهو ما أضر بسير الثورة السورية من جهة وحصرها في منطقة جغرافية معينة، حيث تعمل الحكومة التركية على نيل حصتها من الحل السوري عبر توسيع إطار اتفاق أضنة مع نظام الأسد والذي وقعته عام 199‪8 ,
وهو ماجعل السياسة التركية متأرجحة بين الذهاب مع الأمريكان تارة والاستجابة للرغبات الروسية مرة أخرى.
حتى وصلت لماسمي محور آستانا وهو أخطر ما أصاب القضية السورية وبداية التراجع فيها، والذي نجح فيه الروس في صبغه برؤيتهم للحل وللقرار 225‪4
حيث جرّت تركيا المعارضة التي احتكرت الوصاية عليها إلى الموافقة على التفسير الروسي الذي يدعو لكتابة دستور ومن ثم انتخابات دون الحديث عن هيئة حكم انتقالية أو مصير بشار الأسد.
الصراع الآخر والذي كان للجيوسياسة تأثير واضح فيه
هو الصراع الروسي الأمريكي حيث كانت الثورة السورية فرصة للعودة الروسية إلى سوريا بعد خروجها منها، بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهذا ماكان إذ كانت العودة الروسية قوية والتدخل الروسي كبيراً وعلى مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والاهم هو التدخل العسكري والذي تزامن مع تراجع أمريكي خلال فترة حكم أوباما واستمرت لاحقاً بأشكال مختلفة، أيضاً وجود إسرائيل وحزب الله والفصائل الفلسطينية جعلت من الصراع يأخذ شكلاً آخر بالرغم من ضعف التدخل الإسرائيلي في ماحدث في سوريا باستثناء استهداف المواقع الايرانية ومنع استقرار إيران على الارض السورية.
كذلك تعتبر سوريا الجسر الذي يعبر منه المشروع الإيراني إلى المحيط الحيوي لدول الخليج وهذا ماجعل سوريا محل صراع نفوذ إيراني خليجي.
عامل آخر يتعلق بالتوقيت جعل من المسألة السورية
ذات اهتمام اقل وفاعلية تدخل دولية اقل.
فانطلاق الثورة السورية بعد سقوط أنظمة عربية تسببت بحدوث شرخ في العلاقات العربية العربية
جعل من التدخل العربي مختلفاً، كذلك تطور الاحداث في اليمن الخاصرة الرخوة للخليج.
التمدد الايراني بعد خسارة أمريكا للعراق لمصلحة إيران وبعد الانسحاب الذي كان في مقدمة برنامج أوباما الانتخابي واستطاع تنفيذه، التجربة العراقية التي تسببت بتغيير استراتيجية التدخل الامريكي في ليبيا لاحقاً ومن ثم تغييرها بعد تدخلها في ليبيا مرة أخرى، الأمر الذي جعل الورقة السورية ورقة رابحة بيد إيران في الاتفاق النووي والذي كان لتزامنه مع انطلاق الثورة السورية تأثيراً كارثياً عليها، إذ سمح تهاون إدارة أوباما مع إيران بتمددها في محيطها الإقليمي خاصة العراق وسوريا، ولعل انشغال العالم بفايروس كورونا ومن ثم الحرب الأوكرانية الروسية كل ذلك أثرَّ بشكل أو بآخر على مايحدث في سوريا
وجعل الملف السوري ملفاً ملحقاً وليس اساسياً وسمح لنظام الأسد بالتحايل على العقوبات الدولية وبالتالي ضعف ماقامت به الدول الغربية من إجراءات بحق النظام.
وبالتالي فالنظام في دمشق يراهن على عدة معطيات قد يراها في مصلحته ولو بشكل مؤقت.
عدم إغلاق الملف النووي واستمرار حالة اللا اتفاق واللاموقف من قبل الولايات المتحدة مع إيران.
عدم حل المسألة اليمنية وبالتالي استمرار الانقسام العربي العربي وتشتيت الجهد العربي.
الموقف التركي المتأرجح والضاغط على المعارضة التي قدمت تنازلات كبرى لاتزال تقدمها ويعود ذلك لارتهانها للقرار التركي الذي يبدو أنه اتخذ قراراً استراتيجياً بالخروج من سوريا بأقل الخسائر ولو على حساب الموقف السابق لتركيا من النظام.
انتهاء الحرب الروسية الاوكرانية دون هزيمة اي طرف ويالتالي خروج بوتين وقد حقق حضوراً دولياً يجعله لاعباً أساسياً على طاولة المفاوضات مع الدول الغربية.
تراجع الموقف الاوربي نتيجة المشاكل الاقتصادية والسياسية التي افرزتها الحرب الاوكرانية الروسية في أوربا.
كل هذا يجعل من حل مباشر لمايحدث في سوريا بعيداً، ما لم يحدث تطور لم يكن بالحسبان وهو ماتفرزه الأحداث في طهران أو تغير مفصلي في روسيا ويبدو مستبعداً في الوقت الحالي على الأقل ، وهو فيما يبدو السبب الرئيس في الاستدارة التركية التي تراهن مثل النظام والايرانيين على الوقت
لكسب أوراق لعب إضافية تلقيها على طاولة لعبة الأمم.

شاهد أيضاً

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”؟!   نظام مير محمدي كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + اثنان =