الوطنية السورية أسئلة الهوية والانسلاخ
فراس علاوي
لعل السمة الأبرز للإنتماء والتي تثار مع كل حدث عالمي هي فكرة الإنتماء الوطني ، والتي تتعزز في حالات التنافس والصراع بصورة أكبر، وتظهر جلية في حالات الانتصار.
فهل هذا الأمر ينطبق على جميع الدول؟
ملاحظات عدة أفرزها المونديال الذي يجري حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، سواء نتيجة ماحدث داخله من أحداث، أو من خلال استثمار الحدث سياسياً من أطراف كثيرة.
ولعل الحديث الأبرز هو مفهوم الهوية والإنتماء، إذ شهد المونديال عدة حالات أفرزت نقاشاً هوياتياً كبيراً.
مع الحماس الزائد ونشوة الانتصار تزداد فكرة الانتماء للاعبين وللجماهير لكن هذا الانتماء أخذ صوراً مختلفة في حالات أخرى، عن معنى الانتماء بين الوطن الأم ووبلد الجنسية والولادة.
فقد كان الحديث عن منتخبات معظم لاعبيها مجنسين مثل قطر ومنتخبات معظم لاعبيها تختلف بلدانهم الاصلية عن البلد الذي يمثلونه مثل منتخبات فرنسا وألمانيا وبلجيكا وحتى انكلترا والولايات المتحدة، بالمقابل لعب بعض اللاعبين لمنتخبات بلادهم الاصلية رغم أنهم ولدوا وحملوا جنسيات بلدان أخرى كالمنتخب المغربي.
أحد الأمثلة التي أفرزت نقاشاً كبيراً كان تسجيل اللاعب السويسري بريل إيمبولو الهدف ضد منتخب الكاميرون ورفضه الإحتفال، لأنه من أصول كاميرونية وقضى طفولته في الكاميرون.
لاعب يحمل جنسية بلد وقضى طفولته في بلده الأصلي لم يحتفل احتراماً لبلده الاصلي.
كذلك الحديث حول الحارس المغربي ياسين بونو والذي ولد في كندا ولعل من الحالات الغريبة هي حالة تيموثي وياه والد اللاعب الليبيري السابق والرئيس الحالي لليبيريا والذي يلعب لمنتخب الولايات المتحدة ، كما يمثل المنتخب المغربي أكثر من 7 لاعبين ولدوا خارج المغرب ويحملون جنسيات بلدانهم التي ولدوا فيها ومع ذلك لعبوا لمنتخب بلدهم الأم.
بالمقابل فإن النقاش الذي أثاره المونديال ألقى بظلاله على الحالة السورية.
انقسم السوريون حول تشجيعهم للدول المشاركة وهم الذين لم يعيشو يوماً حالة تشجيع لمنتخب بلادهم، وتعتبر هذه الحالة طبيعية في حالة الشعوب التي لاتملك ما تدافع عنه أو تشجعه في هكذا محافل، لكن ماتبع ذلك من نقاشات، أعطى مؤشراً على الافتراق الهوياتي السوري، فكل سوري كان أمامه خياران الأول تشجيع بلد اللجوء والآخر تشجيع بلد الانتماء القومي في ظل اختفاء الهوية الوطنية، لذلك كان تشجيع المنتخبات العربية واضحاً لدى السوريين.
السؤال الذي يطرح نفسه هل تراجع الانتماء الوطني السوري؟
هذا السؤال يطرح اسئلة أخرى
هل سورية كانت يوماً ما دولة وطنية؟
هل الذرائع التي يوجدها البعض لتبرير عدم الانتماء صحيحة؟
يبرر البعض عدم شعورهم بالانتماء بتغول السلطة واستبدادها، وهو تبرير ضعيف يستخدمه غالباً أصحاب الايديولوجيا العابرة للحدود والفوق وطنية، فالانتماء ليس للسلطة، وإلا فإن ذلك يروج لمقولة ذات السلطة التي تختصر الوطن والبلد فيها.
بالمقابل يعتبر البعض أن الانتماء هو رد جميل واعتبار للبلد المستضيف، وهذا مايتناقض مع الأمثلة المتكررة والتي طرح المونديال كثيراً منها.
يكتب أحد السوريين فرحاً بابنته التي لاتجيد اللغة العربية، وتقول بأن أهلها سوريون لكنها تركية لأنها ولدت في تركيا في اضطراب هوياتي واضح إذ يحمل كثير من أبناء السوريين الذين ولدوا حديثاً أسماء تشبه تلك التي يسميها أبناء البلدان المستضيفة، كما غير كثير من السوريين أسماءهم بعد الحصول على الجنسية والمفارقة أن أغلب هؤلاء يعيشون في أكثر البلدان تحفظاً وحفاظاً على الهوية الوطنية كتركيا وألمانيا ،
يبدو الانسلاخ السوري واقعاً لكن مبرراته في الغالب ليست واقعية، إلقاء اللوم على السلطة أو التبرير برد الجميل تدحضه أمثلة كثيرة.
ففي أوربا قد تلتقي بأشخاص من أصول فلسطينية أو مغاربية من الجيل الثالث الذي ولد في أوربا وربما لايتحدثون العربية بشكل جيد، ولكنهم لازالوا يعتبرون أنفسهم أبناء بلدانهم الاصلية، ولايزال الفلسطيني الذي لم ير والده أو جده فلسطين يتغنى باسمه الفلسطيني والكوفيه الفلسطينية، ولايزال أبناء المغرب العربي وأفريقيا وحتى دول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا يحملون ذات الأسماء ويتحدثون لغتهم الأم رغم اندماجهم بالمجتمعات المضيفة.
بعيداً عن دول اللجوء وعلى الجغرافيا السورية يعيش السوريون هناك أيضاً إفتراقاً من نوع آخر هو افتراق إثني طائفي عرقي عصبوي يجعل من أي حالة سورية صعبة التحقق، ولن تعيدها لحالتها الطبيعية من انصهارالتنوع في بوتقة الحالة الوطنية عشرات بل مئات المبادرات والاجتماعات والندوات، مالم نصل لعقد اجتماعي حقيقي قائم على المساواة ويؤسس لدولة وطنية حقيقية.