الشرق نيوز
الأسد وصفة “سحرية” لاستمرار الدّمار في سورية
جلال زين الدين
رغم انتهاء أغلب العمليات العسكريّة في سورية لصالح الأسد إلّا أنّ نهاية الحرب وتداعياتها ما زالت بعيدة، فالدّمارُ الذي لحق سورية اجتماعياً واقتصادياً وعمرانيّاً كبيرٌ جداً، ويستحيل على نظام الأسد وحلفائه الذين كانوا السّبب الرّئيس به إصلاح جزء منه بل إنّ البلاد مرشحة لمزيد من الدمار حال استمرار “جمهورية الأسد” الاستبداديّة، وأصاب الرّئيس الفرنسي عندما صرّح بأنّ الأسد قد ينتصر في الحرب لكنّه عاجز عن صنع السّلام. ويحمل تصريح ماكرون إشارة واضحة لامتناع الغرب عن تمويل الإعمار في ظلّ غياب حلّ سياسي لأنّ إعادة الإعمار في ظلّ استمرار الأسد مكافأة له على إجرامه.
ولا يصح توصيف ما حصل في سورية على أنّه نصر فلا نصر عسكري لسلطة “ما” على شعبها، فالنّصر على الأعداء، وما يحص في سورية قهر واستعباد، وهذا يتنافى مع مفهوم الدّول الحديثة، فالسلطات والحكومات أُوجدت لخدمة شعوبها وإدارة البلاد لتحقيق النّفع العام للوطن كله حاضراً ومستقبلاً.
فالحديث عن أيّ انتصار للأسد حديث مضلّل حتى لو قُصد الشّق العسكري فقط، فالذي قلب المعادلة العسكريّة في سوريّة “روسيا” ومن قبلها “إيران” لا الأسد، وبالتالي فإنّ سورية كوطن خاضعة لاحتلال مباشر يجعل الأسد أبعد ما يكون عن النّصر بمفهومه العسكري، بل إنّ ما تحقق يجعل الأسد عميلاً مأجوراً فضّل الأجنبي على إعطاء الشّعب حريته.
وبعيداً عن الأحكام القيميّة لما حصلَ في سورية نجد المستقبل ضبابيّاً إن لم نقل “سوداويّاً” فالحروب النّاجحة (مع التحفظ على صفة النجاح للحروب) رغم بشاعتها ينبغي أن تُفضي للسلام، وإلا كانت تمهيداً لحرب أخرى، وهذا غير حاصل في سورية لأنّ احتفاظ الأسد بسلطته الديكتاتورية في سورية كما أسلفنا يعني استمراراً لمسلسل الدّمار.
فاستمرار “جمهوريّة الأسد” يعني فعليّاً استمرار رحلة اللجوء لملايين السّوريين، وبالتّالي حرمان سورية من ثروتها الحقيقيّة المتمثّلة بالثّروة البشريّة، ويتّضح النّزف عندما نعلم أنّ معظم هؤلاء المُهجَّرين من الشباب، ومن أصحاب الخبرات العلميّة والكفاءات المهنيّة، ويعوّل على هذه الفئات في أية عمليّة بناء حقيقيّة للأوطان. يضاف لذلك استمرار موجات الهجرة ولا سيما للشباب المتعلّم الباحث عن حياة كريمة، فحلم السوري في “جمهورية الأسد” بات الخروج من سورية لبناء حياة كريمة لتعذّر ذلك في وطنه.
واقتصاديّاً يبدو عجز “جمهورية الأسد” عن تحقيق شيء ما لسورية والسوريين واضحاً، فالاقتصاد السّوري هش مدمّر لا يمتلك رؤيا واضحة في ظل هجرة رأس المال الوطني، والأعباء المطلوبة من دولة لم تخرج من بعد من حرب ضروس، ولا توجد بارقة أمل واحدة في الأفق تشجّع رؤوس الأموال الهاربة من ويلات الحرب على الرجوع إلى الوطن، بل إنّ البلد تشهد مزيداً من العوامل الطّاردة، منها سيطرة شخصيات معيّنة محسوبة على النّظام على مفاصل الاقتصاد السوري، إضافة للديون المترتّبة على سورية لإيران وروسيا ولا يُكشف عنها الآن، ناهيك عن تحكّم هاتين الدولتين بالثّروات السّورية مستقبلاً من خلال اتفاقات اقتصاديّة لا تحقّق لسورية أيّة مكاسب.
الدمار في مدينة حماة بعد تدميرها على يد الأسد الأب
أمّا العامل الأخطر في سورية فيتمثّل بتغوّل الأجهزة الأمنيّة، وغياب القانون ومبدأ المحاسبة فهذه الأمور ضاعفت الفساد المستشري في سورية التي تحوّلت بامتياز إلى دولة فاشلة بكلّ ما تحمله كلمة “الفشل” من معنى سلبي.
إنّ الحريص على بقاء الأسد وجمهوريته “الفاشلة” أبعد ما يكون عن محاربة الإرهاب الذي يجد بيئة خصبة في مستنقعات الظّلم الناشئة عن فشل الدُّول وسطوة الاستبداد، ويدرك الجميع أنّ إرهاب داعش كان نتيجة طبيعية لإرهاب الأسد الذي سينتج إرهاباً أسوأ من “داعش” لاحقاً ما لم يتغيّر الوضع في سورية.
وأثبتت التّجربة السّورية أنّ الاستبداد مهما امتلك من أجهزة أمنيّة غير قادر على حماية نفسه بداية، وبناء الدّولة ثانياً، وأثبتت كذلك أنّ الانفجار يتناسب طرداً مع الضّغط، وبالتّالي فإنّ الرّهان على الأسد في إعادة السّوريين لحظيرة الطّاعة رهان خاسر وإن بدا ظاهرياً نجاح الأسد في ذلك.
إنّ بقاء الأسد لا يعني غضّ النّظر عن جرائمه واستبداده فقط، إنّما تحويل سورية إلى دولة فاشلة، فهل يسعى المجتمع الدّولي نحو هذا الهدف؟!.
قد يكشف عام 2019م شيئاً من ملامح المستقبل لسورية.
الوسومإعادة الإعمار الدمار الدولة الفاشلة سوريا نظام الأسد
شاهد أيضاً
يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة
مقال رأي فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …