فراس علاوي
ماذا بعد إدلب؟
قد يبدو السؤال مستهجنا في وقت لم يحسم فيه وضع إدلب والشمال السوري بعد لكن ماقاد له الحراك الدبلوماسي الأخير ينذر بالكثيرحيث …
يتوج الحراك الدبلوماسي حول سوريا ومايجري في الشمال السوري على وجه الخصوص ، بين القوى الثلاثة الرئيسية التي تفردت بالوضع السوري بعد إنكفاء الولايات المتحدة وإكتفائها بالشرق السوري والحدود العراقية السورية والمراقبة من بعيد لمايجري، وبالتالي بقاء لاعبين إقليميين هما تركيا وإيران والقوى العظمى الممثلة بروسيا ، هذا الحراك سوف يعطي نتائجه وثماره النهائية في لقاء طهران يوم الجمعة القادم …
مكان الإجتماع يوحي للسوريين بنذر سوء ، إذ طالما كانت طهران العاصمة التي تسيطر على القرار في دمشق وهي منطلق الإحتلال الإيراني لدمشق وسوريا من خلال فيلق القدس والمليشيا الإيرانية ، ومن خلال مصادرة القرار السياسي لنظام الأسد لفترة طويلة من الزمن ومن ثم التدخل المباشر في صياغة القرارات خاصة المصيرية منها ..
يحمل كل من الأطراف التي ستلقي أوراقها ليطرحها على الطاولة فيما يبدو أنه التوافق النهائي حول مصير إدلب والشمال السوري بما فيه الساحل السوري وريف حماة الغربي والشمالي وأن المزاد السياسي سوف يفض هناك ..
فماذا قد تحمل تلك التوافقات..
الملف التركي ؛
يأتي الأتراك وهم على خلاف واضح مع الإدارة الأمريكية وبالتالي فإن الدعم الأمريكي للموقف التركي في أضعف حالاته ، لكنها بذات الوقت تمتاز بدعم أوربي خاصة من الحكومة الالمانية ، وهو ما أثمرت عنه جولة وزير الخارجية التركي إلى أوربا قبل إنطلاق “قمةطهران” حيث حشد دعما” للملف التركي وللرؤية التركية في الشمال وبذات الوقت حمل تحذيرات لأوربا من أزمة لاجئين جديدة في حال حدث مالاتحمد عقباه في الشمال السوري..
الأتراك الذين استفاقوا متأخرين على الخطة الروسية حول إرسال فصائل المعارضة التي لم تقبل بالإستسلام أو ما أطلق عليه المصالحة مع النظام السوري إلى إدلب ،فقد أربك وصول هذه الفصائل الحسابات التركية ، حيث كانت تركيا تسيطر على الفصائل الموجودة أصلا” في الشمال والمدعومة من قبل الأتراك ، أما بوجود آلاف المقاتلين غير المنضبطين في الفصائل ضمن الفصائل أو في المناطق التي تضبط تركيا إيقاعها ، والتي جعلت من وزير الخارجية التركي يصفها بالإرهابية خاصة تلك القادمة من ( الغوطة ..درعا…حلب ) ، هذه العناصر جعلت الورقة التي طالما كانت تلعب بها السياسة التركية حول سيطرتها على فصائل الشمال ضعيفةنوعا” ما ، كما أن هناك تخوف من تمرد تلك العناصر على التوافقات التي ستحصل ، لذلك وافق الأتراك على تقسيم الفصائل بين معتدلة ( وهي الفصائل التي تقع تحت السيطرة التركية ) وإرهابية متطرفة تلك التي من الممكن أن تتمرد على تلك السيطرة .
ملف جبهة النصرة هو ملف آخر شائك ففي حين كان لفترة ما أيضا” تحت السيطرة التركية يبدو أن قادة( هيئة تحرير الشام ) التي تمثل جبهة النصرة القوة الضاربة فيها والمسيطرة على قوتها العسكرية قد تمردواعلى القرار التركي وهي ورقة أخرى أيضا” شكلت إرباكا” للملف التركي وهو سبب آخر دعى شاووش أوغلو وزيرالخارجية التركي لتصنيف تلك القوى بالإرهابية (رغم ان هناك تصنيف يخص جبهة النصرة منذمايقرب العامين ) ، كذلك فإن وجود عناصر غير منضبطة من القاعدة على الحدود التركية هو بحد ذاته خطر يهدد الأمن القومي التركي وهو أيضا” ما أدركه الأتراك متأخرين وتحولت ورقة جبهة النصرة لورقة ضغط بيد الروس كلما أرادوا استهداف القوى المعارضة لهم في الشمال الإدعاء بأنها تتبع للهيئة في ظل عدم وجود فصل حقيقي لها ..
بذات الوقت يملك الأتراك أوراق ضغط يستطيعون من خلالها تحقيق أهدافهم وهذه الأوراق تتمثل بوجود إدلب على الحدود التركية ووجود حاضنة إجتماعية للوجود التركي فيها تتمثل بوجود أكثر من ثلاثة ملايين مدني أغلبهم من المهجرين ، كذلك وجود نقاط المراقبة والقوات التركية على الأرض وهذه تعتبر ورقة هامة بيد الأتراك يستطيعون فرض أوراقهم بقوة على الطاولة ، كذلك وجود عدد من الفصائل التي تسيطر عليها تركيا سياسيا” وعسكريا” ..
مايريده الاتراك في الشمال هو الاستقرار وعدم حدوث إشتباكات وعمليات عسكرية وهم يلتقون مع الروس في ذلك ، قد تؤدي لموجات نزوح داخل تركيا وكذلك من دخول عناصر متطرفة للداخل التركي ، وبالتالي فإن الأتراك يرون في منطقة آمنة على الحدود التركية السورية حل جيد لمشكلة الشمال السوري ، حيث يبحث الأتراك عن Save zone بعمق يتراوح بين 50 -30 كم على طول الحدود تدار من قبل الحكومة التركية ، وتسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا أمنيا” وتقدم لها الحكومة التركية كافة الخدمات الإنسانية والخدمية ، وبالتالي نقل كثير من اللاجئين من تركيا إلى مخيمات تنشئ على الحدود ، وبذات الوقت إبعاد الأتراك وجبهة النصرة إلى العمق السوري ، وتحويل الفصائل التي تسيطر عليها إلى قوات حرس حدود وشرطة مدنية وعسكرية في تلك المناطق ونزع سلاحها التي من الممكن
أن تزعزع الاستقرار في المنطقة..
أما إدلب فستكون ضمن توافق خاص بها يقتضي السيطرة الأمنية عليها من قبل الأتراك مع نزع سلاح الفصائل الموجودة فيها ، مقابل عودة مؤسسات نظام الأسد إليها ورفع علم النظام على تلك المؤسسات المدنية (وهي ربما ستقابل بسخط وغضب شعبي ربما سيقلب الموازين والاتفاقات لاحقا”) وبالتعاون مع الروس في إدارة المعابر حيث تدير تركيا المعابر من جهتها ويديرها النظام من جهته وبإشراف روسي مع إعتبار مناطق المراقبة التي يسيطر عليها الجيش التركي مناطق مراقبة أمنية وعسكرية لتحقيق هذا الاتفاق وبذلك تكون تركيا قد حققت عدة أهداف كانت تسعى لها
1_إبعاد الأكراد (pkk وpyd ) عن حدودها وبالتالي ضمان امنها الوطني
2_إبعاد (العناصر المتطرفة) عن حدودها
3_تحويل الفصائل التي تسيطر عليها إلى ( حرس حدود ، شرطة مدنية، شرطة عسكرية )
4_تحويل الحدود على الجانب السوري ولعمق معين لمنطقة آمنة تحت السيطرة التركية وإعادة عدد كبير من اللاجئين إليها، من خلال بناء مخيمات وتقديم خدمات (اقتصادية ، فنية ، الحاجات الاساسية ) وبنية تحتية إليها وربطها بالولايات التركية المقابلة لها خدميا” ومدنيا”
5_ إيجاد قواعد تركية شبه دائمة في المنطقة وبذات الوقت استبعاد الصدام العسكري مع النظام والروس
#الملف الروسي
يبدو أن الروس هم أكثر المسفيدين من الوضع الحالي وهم من سيدير طاولة الحوار فأوراق القوة التي يملكها الروس تجعلهم قادرين على لعب الدور الرئيسي على طاولة الحوار، فقد نجح الروس في فرض رؤيتهم ونقل جميع أعدائهم إلى الشمال السوري وبالتالي التفرغ لهم بعد هدوء جميع الجبهات الأخرى سياسيا”وعسكريا”واجتماعيا”
ورقة (الفصائل الإرهابية ) على حد تعبير الروس والتي عمل الروس والأتراك على تفنيدها وتصنيفها في وقت سابق وبالتالي أوجد الروس ذريعة لإستهداف تلك الفصائل وبموافقة تركية ، كذلك يبحث الروس عن الإنتهاء من ملف مناطق خفض التصعيد في سوريا ، للإنتقال للخطوة القادمة من الرؤية الروسية المتمثلة بفرض دستور وإنتخابات مبكرة (دون معرفة رؤيتهم حول مصير الأسد حتى اللحظة) والتقليل من الخسائر الناجمة عن المواجهات العسكرية وبذات الوقت كسب الروس الموقف السياسي التركي ..
على الأرض
يبدو أن التفاهم حول إدلب في مراحله النهائية ماعدا الخلاف حول مصير جبهة النصرة ، الروس يبحثون عن السيطرة على جسر الشغور وريفها وريف حماة الغربي وماتبقى من ريف الساحل والذي تسيطر عليها فصائل المعارضة ، التي يخضع معظمها للسيطرة التركية وبالتالي يكون الروس قد أمنوا الساحل والمناطق المحيطة بقواعدهم العسكرية ، مايتبقى أمامهم المعضلة الإيرانية التي حتى اللحظة لم يستطع الروس حسمها تماما” ، التصعيد مع إيران ينذر بمواجهة روسية إيرانية ، وتجاهلها يعني إنتهاء فترة التوافقات الروسية من جهة والأمريكية الاسرائيلية من جهة أخرى حول مصير إيران وتواجدها في سوريا..
عول الروس على القصف الإسرائيلي للقواعد الإيرانية في إقناع الإيرانيين بالإنسحاب من مناطق معينة في سوريا ، لكن على مايبدو بأن الإيرانيين تمادوا أكثر بل وعملوا على توريط الأسد شخصيا” في إتفاق عسكري جعله في مواجهة مباشرة مع الروس والإسرائيليين والتوافقات التي ستحصل في طهران هي ماستحدد طبيعة العلاقة القادمة مع الايرانيين بالنسبة للروس ..
#الملف الايراني
استبق الايرانيون القمة باتفاق عسكري مع نظام الأسد كسياسة أمر واقع وورقة ضغط على كلا” من حلفائهم الروس وعلى الاتراك بالدرجة الأولى ، في ظل الحديث عن موافقة روسية على ابعاد إيران عن المنطقة وتمثل هذا بغض البصر الروسي عن استهداف القواعد الإيرانية في سوريا من قبل الإسرائيليين ..
هذا الإنزعاج الإيراني تمثل بزيارة وزير الدفاع الإيراني لسوريا ودخوله حلب ودمشق كقائد لقوة إحتلال ،وكأن الايرانيين يقولون إننا موجودون هنا قوة على الأرض ، سواء أراد العالم ذلك أم لم يرد ، كذلك دفع الإيرانيون حليفهم بشار الأسد لتوقيع إتفاق عسكري واقتصادي معهم وبالتالي وضعه في مواجهة مع الروس والإسرائيليين ، كما عملوا على جس نبض الأمريكان بدفع قطعات من مليشيا جيش نظام الأسد لاستهداف قاعدة التنف التي تقع تحت حماية التحالف والقوات الأمريكية بصورة خاصة ، السياسة الإيرانية تعمل على خلط الأوراق وإبقاء المنطقة في حالة إشتعال ، فالهدوء الذي يبحث عنه الروس يعني التفرغ للملف الإيراني ووجودها في سوريا ، لذلك فليس في مصلحة الإيرانيين التوصل لتوافق هادئ حول تلك المناطق ، كذلك هناك مطامع إيرانية في الساحل السوري ومحيط دمشق وديرالزور ..
يعمل الإيرانيون على الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية في تلك المناطق ، مما يجعلهم يقبلون في ظل ازدياد الضغط عليهم ببعض تلك المكاسب والتي يرونها مناسبة لهم في حال عمل الروس على حل وسط يضمن مصالح ايران وبذات الوقت خروجها عسكريا ، مثل قاعدة في الساحل السوري أو على أطراف الساحل (بالقرب من حمص او ريف حماة الغربي ) وسيطرة جزئية على الحدود العراقية السوريةومناطق نفوذ في (المراقد الدينية) في دمشق وريفها وديرالزور وربما الرقة لاحقا” ..
#النظام والمعارضة السورية
هم شهود الزور في هذه التوافقات التي يبدو أنها على وشك الحدوث حيث وضعت المعارضة بشقيها العسكري والسياسي كل البيض في السلة التركية وبالتالي ستقبل بالنتائج سواء كانت تحقق سقف مطالبها الادنى أم لا.
نظام الأسد والذي يعيش صراعا” داخليا” ضمن الأجنحة المؤيدة للروس وفي مجملها تتكون من ضباط الأجهزة الأمنية والفيلق الخامس وسهيل الحسن والأخرى المؤيدة للإيرانيين وفي طليعتها بشار الأسد وشقيقه ماهر وبعض القيادات التقليدية ، النظام كما المعارضة سيقبل بأي حل ولذلك سيحول قبوله الاجباري لنتائج ماسيحصل ومن سيطرته الجزئية على المعابر ولو إسميا” ودخول مؤسساته المدنية إلى إدلب نصرا” يهلل له ويوحي لأنصاره بأنه يحقق انتصار لايملك منه في حقيقة الأمر شيئا” سوى الإسم ..
السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا بعد إدلب ، ماذا يتبقى من الملف السوري مابعد التوافق حول إدلب وماهو مصير الملايين في الشمال السوري ؟