الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / رياض الترك مفكر ومناضل كبير لكنه ليس فوق النقدعلي العبدالله يرد على رياض الترك

رياض الترك مفكر ومناضل كبير لكنه ليس فوق النقدعلي العبدالله يرد على رياض الترك

إعداد أكثم البرجس

كتب المفكر السوري علي العبدالله رادا على رياض الترك في القدس العربي

يستحق رياض الترك التقدير والاحترام لأسباب كثيرة منها مواظبته سنين طويلة على النضال من أجل أهداف آمن بها، وتحمله، برضا وطيب نفس، تبعات ذلك النضال، سجن طويل وحرمان من الاستقرار الشخصي والأسري، بالإضافة إلى مواصفات شخصية مبهرة، جلد وتحمّل صنوف المعاناة والمرض والشيخوخة. لكن ذلك كله لا يجعله خارج النقد، خاصة وانه دعا في المقابلة الطويلة التي أجراها معه الأستاذ محمد علي الآتاسي (القدس العربي:3/9/2018)، إلى «تقبل النقد ومساءلة الناس لنا وتقبل الآخر».
تنطوي المقابلة على خطأ منهجي ارتكبه الصحافي والضيف في آن. فقد كشف التقديم (وما «إبن العم» كما يلقبه «السوريون»، إلا واحد من أهم وأصلب رموزه ……. ولا يضر الترك شيئا أن يكون السبّاق إلى نقد تجربة الثورة والدعوة إلى استخلاص النتائج والعبرّ، ومراجعة الدور الذي لعبه هو شخصيا ولعبه حزبه، وإعلان دمشق في صفوف الثورة…… واليوم بوجود مثل هؤلاء الأشخاص داخل وخارج البلد، وبوصوله إلى باريس، هناك فرصة لأن يكون للمعارضة السورية، عنوان وحضور وشخصيات ذات ثقل رمزي، متجردة من الأهواء والطموحات الشخصية، تعمل من أجل الدفاع عن القضية السورية في المحافل الدولية)، والأسئلة السهلة التي طرحها عليه، أن الصحافي حريص على عدم إحراج الضيف بالتدقيق في إجاباته فقد تركه ينظم خياله ويقول كلاما مرسلا وقويا في القضايا العامة ويتهرب من النقاط الشائكة التي تستدعي التصريح بالقرارات والمواقف الخاطئة التي صدرت وكان شريكا فيها، هذا بالإضافة إلى الانطباع العام الذي يتكون في ذهن القارئ المطلع انه ليس على اطلاع كاف بالموضوعات التي سأل عنها.
أما الضيف فكانت إجاباته على أسئلة حول قضايا دقيقة وحساسة عامة وناقصة، وغير مخلصة. أولى هذه القضايا قوله عن الخطأ الثاني «كان استسهال مقولة الدفاع عن النفس في وجه عنف وبربرية النظام، من دون أي رقابة أو تنظيم أو تخطيط محكم. نحن من جهتنا في الحزب وفي إعلان دمشق لم ننخرط في أي عمل مسلح، ولم نرتبط بأي جهة أجنبية، لكن غيرنا انخرط منذ البداية في العمل المسلح، وكانت له امتدادات إقليمية ودولية»، قول فيه تجاهل لطبيعة القوى الاجتماعية التي فجرت الثورة، قوى غير منظمة غير متفقة على خطة عمل، وطبيعة اللحظة السياسية ومفاعيلها. نعم كان ثمة استسهال وانسياق خلف شرعية الدفاع عن النفس في ضوء تقدير خاطئ بحتمية تدخل خارجي أسوة بما حصل في ليبيا. لكن يبقى السؤال الأهم هو: أين صوت أحزاب المعارضة ومنظريها، لماذا لم يرتفع صوت واحد يحذر من العسكرة ومن وهم حتمية التدخل الخارجي، علما أن الوقائع تشي بأكثر من الصمت؛ يكاد يصل حد المباركة والتأييد، ونقد أخطاء كثير من الفصائل وجرائمها ضد المواطنين. لقد كانت المعارضة، بما في ذلك «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي»، الذي كنت عضوا منتخبا في أمانته العامة ومجلسه الرئاسي، حزب الشعب ضمنا، تعيش حالة شقاء وعي؛ فهي لم تفجر الثورة وتريد، في الوقت نفسه، أن تعتبر جزءا منها، حتى لا نقول قائدتها، لكن دون انخراط فعلي ودفع ثمن لهذا الانخراط، لذا لم تكن تجرؤ على نقدها فتكشف أنها غير فاعلة أو مؤثرة فيها. أما ثانية هذه القضايا فحديثه في أكثر من فقرة عن تشكيل «المجلس الوطني السوري» ودور «الإخوان المسلمين» فيه؛ وفي الثورة، وقفزه على تعامل قيادة «الإعلان» الحذر معهم وغض الطرف عن ممارساتهم وانعكاساتها السلبية على الثورة، حيث سيطرت النزعة المحافظة التي تربت عليها الأحزاب السورية، اليسارية بخاصة، والمحكومة بالخوف على الشكل ولو دمر المضمون(في الفترة من شهر يونيو/حزيران 2011، تاريخ خروجي من السجن ومتابعة دوري في «الإعلان» إلى أواخر عام 2013، تاريخ انسحابي منه، أرسلت قيادته رسالة واحدة إلى قيادة «الإخوان المسلمين» تنتقد فيها إدارتهم لأموال صندوق الإغاثة). أما ثالثة هذه القضايا، ثالثة الأثافي كما تقول العرب، فما قاله عن رزان زيتونة، فبعد المديح والثناء والحديث عن العلاقة المتينة حمّلها مسؤولية الابتعاد عنه «بعد أن وجهت لها نقدا شديدا لمشاركتها في مؤتمر أنطاليا، وكان هذا في رأيي واحداً من أول المؤتمرات التي عقدت برعاية دولية، في محاولة لاحتواء الشباب. رزان وقتها لم تتقبل نقدي وآثرت الابتعاد». قول تنقصه الدقة، وكذلك الإخلاص. حيث لم يقل، بعد مرور كل هذه السنين ومصير رزان المجهول، ما يجب أن يقال، فقد كانت أحزاب المعارضة السورية تشعر بكعب آخيلها: لم تفجر الثورة وليست لها هيمنة أو سيطرة على قواها وفعالياتها، فانتابها رُهاب نشوء كيانات سياسية تقود الثورة فتنهي وإلى الأبد دورها السياسي والوطني، وهذا ما حاولت التنسيقيات، وخاصة «لجان التنسيق المحلية» التي لعبت رزان دورا بارزا في تأسيسها، تجسيده، فلجأت الأحزاب إلى تكتيك خبيث: التقرب من التنسيقيات ومحاولة احتوائها؛ ولكن دون انخراط فعلي في الثورة خوفا من دفع ثمن لذلك، اختلفت مقاربة حزب الشعب الديمقراطي قليلا في ضوء العلاقات الشخصية والنضالية التي ربطت كثيرا من محازبيه برزان ووائل وناظم ومازن وأسامة… الخ، على خلفية نشاطهم المشترك طوال سنوات في «الجمعية السورية لحقوق الإنسان»، ترتب عليه التباس لدى كثير من هؤلاء الشباب الذين اعتبروا «اللجان» امتدادا للحزب، في حين انخرط قسم من محازبيه في «اللجان» لأنه افتقد برنامجا خاصا لحزبه في الثورة، أما القسم العارف منهم بطبيعة العلاقة فسعى إلى تجيير نشاط «اللجان» للحزب. الترك، الذي يعطي للحزب ودوره تقديرا مبالغا فيه، خاف من خسارة «الحزب» لهؤلاء الشباب فحمل على التنسيقيات بعامة و»اللجان» بخاصة، وأخذ يشنع عليها في أحاديثه، اعتبرها ظاهرة فيسبوكية غير ذات مضمون أو جدوى، منعته العقلية الحزبية التي تربى عليها من إدراك طبيعة الظاهرة ومتطلبات اللحظة السياسية. أما ربطه ابتعاد رزان بنقده الشديد لمشاركة «اللجان» في مؤتمر أنطاليا فكلام مستغرب لان «الإعلان» نفسه شارك في المؤتمر العتيد وكان للترك «شرف» متابعة تطوراته وتوجيه مندوبي «الاعلان» فيه، عبدالرزاق عيد وانس العبدة.
يبقى أن نقول إن مشكلة المعارضة السورية، بمن في ذلك رياض الترك، أنها تعرف ما لا تريد؛ ولكنها لا تعرف ما تريد، والحديث عن النقد وأهميته وضرورته يحتاج إلى اجتهاد للخروج من أسار هذه الخلفية العاجزة، لأنها ستؤثر في النقد وفي استنتاجاته، كما يستدعي أن يكون مخلصا وشاملا وأن لا يتستر على الأخطاء ولا يخفي ولا يموه ولا يجزئ الوقائع.

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + خمسة عشر =