السبت , مايو 24 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / مقال / سوريا بعد الأسد: بين الديمقراطية، الاستفراد، واستحقاق الاستقرار

سوريا بعد الأسد: بين الديمقراطية، الاستفراد، واستحقاق الاستقرار

سوريا بعد الأسد: بين الديمقراطية، الاستفراد، واستحقاق الاستقرار

معاذ الطلب 

………………………

 

بعد عقود من الحكم الاستبدادي، وسنوات دامية من الصراع، يأتي سقوط نظام بشار الأسد كلحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث.  لكن اللحظة على أهميتها ليست بالضرورة نهاية الطريق، فالأسئلة الكبرى تبدأ بعد سقوط النظام: 

هل تتحقق الديمقراطية فعلاً؟ أم يعود الاستبداد في صورة جديدة؟ وهل يمكن تحقيق استقرار حقيقي في بلد انهكته النزاعات والانقسامات؟

يأمل كثير من السوريين أن يمثل سقوط الأسد نهاية لمرحلة الاستبداد وولادة لسوريا ديمقراطية. فقد دفع الشعب ثمناً باهظاً من أجل التغيير: مئات الآلاف من القتلى، الملايين من المهجرين، ومدن مدمرة.

لكن إقامة ديمقراطية مستدامة تحتاج أكثر من سقوط رأس النظام. تحتاج إلى مؤسسات، إلى توافق وطني، إلى بناء دولة قانون، وهي أمور غائبة اليوم أو مشوهة بفعل الحرب والانقسامات الأيديولوجية والطائفية.

كما أن هناك خشية حقيقية من أن سقوط الأسد لا يعني بالضرورة سقوط الاستبداد. وربما نشهد نماذج من “الديمقراطية الشكلية” أو “الاستقرار الأمني”، تتيح سلطات واسعة لطرف واحد أو تحرم مكونات المجتمع من التمثيل الحقيقي. وقد تسهم التدخلات الخارجية، بما فيها من دعم لقوى محلية وفق أجندات ضيقة، في بناء أنظمة سلطوية جديدة، تحت شعار “حفظ الأمن”.

في مرحلة ما بعد سقوط النظام، يبدو أن الاستقرار سيكون العنوان الأبرز للخطاب السياسي السوري، خاصة في أوساط كثير من النخب السياسية والاجتماعية. إذ لا تخفى على أحد حالة الإنهاك التي يعيشها الشعب السوري بعد سنوات من الحرب والانقسام والتشريد. لكن المفارقة أن الاستقرار قد يُطرح على حساب الديمقراطية، أو يُقدَّم كبديل لها لا كنتيجة.

فالكثير من هذه النخب – سواء من داخل السلطة أو خارجها – لا ترى في الديمقراطية التعددية وفصل السلطات أولوية قصوى. بل قد تنظر إليها كمفاهيم “ترف نظري” لا يناسب واقع بلد منهك يحتاج إلى حلول عاجلة تتعلق بالأمن، والمعيشة، ووحدة الأرض والشعب. وهذا التوجه يعكس نوعاً من البراغماتية السياسية التي تفضّل حكومة قوية تفرض النظام وتوفر الخدمات، على نظام سياسي ديمقراطي قد يبدو بطيئاً أو مشوشاً في ظل انقسامات عميقة.

ومن المهم الإشارة إلى أن كثيراُ من مناهضي النظام، رغم تمسكهم بمبادئ الثورة، أبدوا ميلاً واضحاً نحو تفضيل الاستقرار السريع، حتى لو تطلّب الأمر تأجيل النقاش حول بعض مقومات الدولة الحديثة كالفصل بين السلطات أو إعادة بناء مؤسسات العدالة المستقلة، بدافع الحرص على منع الفوضى، وقطع الطريق أمام محاولات فلول النظام استغلال الفراغ السياسي أو استثمار الانقسامات لصالحهم.

قد لا يعد هذا التوجه بالضرورة تراجعاً عن المبادئ، بل يعكس واقعية سياسية فرضتها تعقيدات ما بعد الصراع، وحجم المعاناة التي أنهكت المجتمع السوري. لكن في المقابل، يفرض هذا الخيار تحدياً كبيراً: فالسعي نحو استقرار سريع لا يجب أن يُصبح بديلاً عن مسار بناء دولة عادلة وديمقراطية، بل ينبغي أن يُوظف كمرحلة تأسيسية يُبنى عليها عقد اجتماعي جديد، يحقق التوازن بين متطلبات الأمن ومبادئ الحرية.

وقد تكون هذه الرؤية، وإن بدت واقعية في ظاهرها، تعيد إنتاج استفراداً سلطوياً تحت شعار “الحفاظ على الاستقرار”، وتُهمل حقيقة أن الاستقرار الدائم لا يمكن أن يتحقق دون تشاركية سياسية حقيقية تضمن لجميع المكونات السورية الشعور بالمواطنة والانتماء.

فـ”وحدة الشعب السوري”, التي يرفعها كثيرون كشعار، لا تعني فرض رؤية واحدة، بل تتطلب صيغة حكم تشاركية تُعبّر عن تنوع المجتمع، وتمنع الاحتكار السياسي، وتبني على قاعدة من التوافق الوطني لا الإقصاء.

سوريا ما بعد الأسد، ليس بالضرورة أن تعني سوريا ديمقراطية أو مستقرة. بل هي مفترق طرق حقيقي: إما السير نحو عقد اجتماعي جديد يُنهي زمن القمع والتمييز، أو الوقوع في تكرار الماضي.

 

شاهد أيضاً

انفراج تاريخي في الصراع الكردي – التركي: حزب العمال الكردستاني يعلن حلّ نفسه رسمياً

انفراج تاريخي في الصراع الكردي – التركي: حزب العمال الكردستاني يعلن حلّ نفسه رسمياً مصطفى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 8 =