الإثنين , مارس 10 2025
الرئيسية / كلام سوريين / سوريا بين فوضى الدعاية وحقيقة الصراع

سوريا بين فوضى الدعاية وحقيقة الصراع

(سوريا بين فوضى الدعاية وحقيقة الصراع )

 

عبدالله عبدون …✍🏻

 

المشهد اليوم واضح لكل من يملك عينًا ترى وعقلًا يفكر حملة إعلامية شرسة تحريضية، ضخ أموال لا حدود له، تأجيج للشارع، تحويل الأنظار عن الحقائق، كل ذلك يجري بتنسيق دقيق لا يمكن لعاقل أن يراه مجرد صدفة أو رد فعل عفوي .. هناك مشروع واضح المعالم، هدفه ليس العدالة ولا كشف الحقيقة، بل صناعة واقع جديد يخدم مصالح أطراف بعينها، أطراف لا يهمها سوى فرض رؤيتها مهما كلف الأمر، حتى لو احترق البلد بأكمله …

يبدو ومن خلال خطابه بأن الرئيس الشرع يدرك خطورة اللحظة، يعرف أن أي خطوة غير محسوبة قد تجر البلاد إلى كارثة، ولذلك خرج بثلاثة خطابات في يومين، تحدث بوضوح، أرسل رسائل للجميع، قال ما يجب أن يُقال، ثم شكل لجنتين لضمان السلم الأهلي ومحاسبة المجرمين والمتجاوزين، خطوة تحمل في جوهرها محاولة لقطع الطريق على كل من يريد استغلال ما يجري لتصفية حساباته القديمة، ومع ذلك لم يرق ذلك للمتربصين، لأنهم لا يريدون حلولًا، لا يريدون تهدئة، لا يريدون عدالة، بل يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، يريدون استعادة ما فقدوه يوم لفظهم الشعب، يريدون الفوضى لأنها وحدها تمنحهم فرصة العودة من جديد .

هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها هذا السيناريو، كلما احتاجت بعض الأطراف إلى خلط الأوراق تحركت الأدوات ذاتها، إعلام مأجور، حملات ضخمة، أكاذيب تُبث على مدار الساعة، إثارة الغرائز، اللعب على العواطف، تصوير المشهد وكأن التاريخ بدأ اليوم، كأن كل ما سبق لم يكن، كأن الجرائم التي ارتُكبت لسنوات لم تحدث، كأن القتلة تحولوا فجأة إلى ضحايا .. هذه صناعة متقنة، تُستخدم كلما دعت الحاجة، تُشغل ماكينة الدعاية، تُضخ الأخبار المفبركة، تُدار الجيوش الإلكترونية، يُستغل الجهل والخوف والغضب، وعندها يصبح كل شيء ممكنًا، حتى تحويل الجلاد إلى مظلوم، وحتى إقناع الناس بأن النار التي أحرقت بلادهم لعقد من الزمن لم تكن سوى مجرد دخان عابر ، لكن الخطر الحقيقي ليس فقط في الحملة الإعلامية، بل في النتائج التي قد تترتب عليها، فحين تُشحن النفوس إلى أقصاها، حين يُدفع الشارع إلى نقطة اللاعودة، حين تصبح الحقيقة مجرد تفصيل هامشي وسط سيل الدعاية، حينها يتحول الغضب إلى فوضى، وتصبح الفوضى مدخلًا لكل أنواع التدخلات، وحينها فقط يكتشف الجميع أن ما كان يُروَّج له على أنه انتصار لم يكن سوى بداية لكارثة جديدة ، و لعبة الاستقطاب هذه ليست جديدة، لكن الجديد فيها هو مستوى الوقاحة الذي وصل إليه بعض المأجورين الذين يحاولون تقديم المشهد وكأنه لحظة مفصلية يجب أن يُعاد فيها ترتيب كل شيء، هؤلاء لا يملكون مشروعًا ولا رؤية، كل ما لديهم هو أحقادهم القديمة وطموحاتهم المريضة، وكل ما يسعون إليه هو الانتقام لا الإصلاح، السلطة لا العدالة، الخراب لا البناء، لكن هؤلاء لن يكون لهم ما يريدون، لأن الناس باتت تفهم وتدرك وتعرف كيف تميز بين الحقيقة والكذب، بين المصلحة الوطنية والمشاريع الخارجية، بين من يريد الخير للبلد ومن يريده ساحة مفتوحة لصراعات لا تنتهي .. والمعركة اليوم ليست على الأرض فقط، بل في العقول أيضًا، في قدرة الناس على رؤية ما وراء المشهد، في رفضهم أن يكونوا أدوات في لعبة أكبر منهم، في إدراكهم أن ما يُراد لهم أن يصدقوه ليس بالضرورة هو الحقيقة، في وعيهم بأن اللعبة تتكرر وأن الأهداف ذاتها لم تتغير، لكن الفرق الوحيد هذه المرة أن الكذبة أصبحت أكبر، وأكثر وقاحة، وأكثر تنظيمًا، ومع ذلك، فإن سقوطها لن يكون إلا أسرع، لأن الحقيقة، حتى لو حاولوا دفنها، تبقى حية، تنتظر فقط من يملك الجرأة ليكشفها …

شاهد أيضاً

بعد إتصال بوتين والشرع… هل تفتح الإدارة السورية الجديدة باب التواصل مع موسكو؟

القاهرة بعد إتصال بوتين والشرع… هل تفتح الإدارة السورية الجديدة باب التواصل مع موسكو؟ القاهرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 1 =