الدعم الخارجي لسوريا.. منح محفوفة بمخاطر “تقلبات المصالح”
محمد عثمان
تنفس السوريون الصعداء بعد سقوط نظام الأسد الدامي أواخر العام الماضي، وبسط الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع سيطرتها على معظم الأراضي السورية، والإعلان عن نيتها بإعادة بناء الدولة السورية. إلا أنه لا تزال أمام هذه الإدارة تحديات كبيرة أهمها حل الملف الكردي في الشمال والشرق السوري.
حيث تواجه رؤية الرئيس الشرع لإدارة الجيش السوري الجديد مسألة هيمنة الفصائل المسلحة وعلى رأسها قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، التي تتمتع بثقل عسكري وعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن سيطرتها على مساحة تزيد عن 35 ألف كيلومتر مربع من سوريا، والتي تحتوي على موارد طبيعية هامة.
“قسد” تصر على الاحتفاظ بكتلتها العسكرية الخاصة داخل الجيش، وهو ما ترفضه القيادة السورية الجديدة. ففي تصريح لوكالة “أسوشيتد برس”، قال قائد “قسد”، مظلوم عبدي، “من حيث المبدأ، نحن نرغب في أن نكون جزءًا من وزارة الدفاع ومن استراتيجية الدفاع السورية، لكن التفاصيل لا تزال بحاجة إلى المزيد من المناقشة. وقد قدمنا مقترحًا بهذا الشأن إلى دمشق ونحن في انتظار الرد”.
وأضاف بأن قواته لم تشارك في اختيار أحمد الشرع لمنصب رئيس الجمهورية، والذي تم بحضور قادة الفصائل السورية التي ساهمت في إسقاط نظام الأسد. وكشف عبدي عن أن أعضاء من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، يلعبون دور الوساطة بين الحكومة السورية الجديدة و”قسد”.
يأتي هذا في ظل تصاعد الاشتباكات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا و”قسد” في شرق حلب. فيما قتل 15 شخصا على الأقل في انفجار سيارة ملغومة في مدينة منبج الحدودية مع تركيا في ثاني هجوم يقع في المدينة خلال ثلاثة أيام. بينما تسببت المعارك بين الأكراد والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا في سقوط مئات القتلى من الجانبين.
من جهتها، تعد تركيا “وحدات حماية الشعب الكردية”، التي تهيمن على “قسد”، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المعارض لأنقرة الذي تصنفه ضمن قوائم الإرهاب، وتعتبرها خطراً على أمنها القومي. وقد شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقت سابق، على أنه لا مكان “للمنظمات الإرهابية” في سوريا في عهد قيادتها الجديدة، في تحذير يستهدف القوات الكردية.
بينما تعد الولايات المتحدة من أبرز الداعمين لقوات “قسد”، حيث أكدت واشنطن مرارًا على أن الأكراد يشكلون حليفًا موثوقًا في مكافحة تنظيم “داعش”. وقد أرسلت الولايات المتحدة منذ أيام شاحنات وطائرات محملة بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة إلى “قسد”. في المقابل، استجابةً لهذه التحركات، قامت دمشق بنقل قوات إلى مناطق الشمال السوري.
ورغم إعلان “قسد” القضاء على آخر معاقل تنظيم “داعش” في الباغوز شرقي دير الزور عام 2019، إلا أن قوات “قسد” لا تزال تروج لنفسها كمحارب رئيسي للإرهاب، مستفيدة من إشرافها على السجون التي تضم آلافًا من عناصر التنظيم وقياداته الذين ترفض دولهم إعادتهم. فيما تكرر على لسان مسؤولين من الولايات المتحدة بأن الأكراد حليف موثوق ومهم لها في إطار محاربة التنظيم.
من جهة أخرى، وفي سياق الدعم الغربي لقسد، أفادت مصادر عسكرية كردية أن “قسد” تتلقى دعمًا استخباراتيًا كبيرًا من بريطانيا، مما يساعدها على مقاومة الفصائل المدعومة من تركيا، وشن كمائن ضدها. وأوضحت المصادر أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين الاستخبارات البريطانية، وقوات “قسد”، وهو ما تجلى مؤخراً في اعتقال عناصر من الفصائل خلال معارك ريف حلب، بينهم جنود أتراك.
كما أن ظهور صور ومقاطع فيديو للقيادي البريطاني “كريستوفر لي”، القائد الثاني لشركة “Aegis Forces” العسكرية الخاصة، في أربيل، تزامنًا مع زيارة عبدي إلى المدينة ولقائه برئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، عزز مخاوف أنقرة حول دعم لندن للأكراد، وفقًا لصحيفة “أيدينليك” التركية.
الصحيفة أشارت إلى أن بريطانيا، التي ساعدت في إفشال المحاولة الانقلابية في العام 2016 ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووقفت إلى جانبه ضد منظمة فتح الله غولن المعارضة، تتبنى اليوم سياسة تتعارض مع الأمن القومي التركي في سوريا. ورجحت بأن لندن تحاول الإستفادة من الموارد الطبيعية الهامة في المناطق الكردية عبر الإبقاء على الوضع السوري على ما هو عليه.
وتعليقاً على دعم الأمريكيين والبريطانيين لقسد، أفاد الباحث في الشؤون الدولية الأستاذ غسان الشاعر، بأن اللعبة الدولية اليوم في سوريا خطيرة وستفجر مزيداً من الإقتتال، رغم الإطاحة بنظام الأسد. حيث لن يقبل الأتراك بالوجود الكردي بهذا الشكل في سوريا، والشرع اليوم في أنقرة لبحث المسائل الأمنية، فيما صعد لهجته ضد الأكراد بالأمس.
بينما الأمريكيون زادوا من دعمهم للأكراد بإرسال ألف جندي إضافي وعتاد وأسلحة، كما البريطانيين الذين يمارسون ألاعيبهم الإستخباراتية لمصلحة الأكراد ويرسلون لهم الطائرات المسيرة. وهذا ما يمكن تسميته برحلة كسر العظم، والبقاء للأقوى، فيما يبقى الشعب السوري الضحية الوحيدة لهذه الأحداث.
وأشار الشاعر الى أن الطريق في سوريا نحو تشكيل جيش موحد بقيادة مركزية سيكون طويلًا ومعقدًا، ويتطلب مراحل متعددة تبدأ بتفاهمات بين الدول الداعمة لهذه الفصائل. وتنتهي بضمانات ملموسة وفعلية على الأرض تقدمها الإدارة السورية الجديدة، تساوي بين الجميع وتحميهم وفق قانون عادل فوق الجميع.
يُشار الى أن مسؤولة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” (الكردية) الواقعة تحت سيطرة “قسد”، إلهام أحمد، قد طلبت من إسرائيل التدخل في سوريا، في ظل تصاعد الاشتباكات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” و”قسد” في شرق حلب. وقالت لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إن “أمن سوريا يحتاج إلى تدخل إسرائيل، وإن أزمة الشرق الأوسط تتطلب أن يفهم الجميع أن الحل الديمقراطي للمنطقة لن يتحقق من دون دور لإسرائيل وللشعب اليهودي”.