الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / تقارير واخبار / نازحو البراري .. أبناء ديرالزور

نازحو البراري .. أبناء ديرالزور

      رامي أبو زين

أكثر من 150 ألف مدني من دير الزور يفترشون البراري , وحدها صحراء مترامية الأطراف احتضنتهم بعدما هربوا بأرواحهم من أشكال الموت المنهمرة عليهم في منازلهم التي من المفترض أن تكون آمنة حسب الأعراف الدولية والشرائع السماوية ومواثيق حقوق الإنسان .
نزوح ثم نزوح ثم نزوح أخير إلى المجهول فرض على أبناء دير الزور في الضفتين , فبعد أن عصفت آلة الحرب المدمرة على يد روسيا ونظام الأسد والتحالف الدولي وإيران بالضفة الجنوبية (الشامية ) موغلة بالقتل الجماعي و المجازر المتكررة وتدمير النسل والشجر والحجر . التجأ أبناء مدن وقرى وبلدات “الشامية ” إلى أخوانهم في الضفة المقابلة لهم (الجزيرة) فغصت قرى وبلدات الجزيرة بالنازحين من أبناء منطقة الشامية حتى وصلت الأعداد في البيت الواحد ضمن مناطق الجزيرة إلى أكثر من 40 شخصا في المنزل الواحد .
بعض النازحين أكملوا مسيرتهم باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية ” قسد ” والبعض آثر انتظار انتهاء الحملة الوحشية على منطقته ليعود إلى منزله إذ أن تكاليف الرحلة باتجاه مناطق سيطرة قسد تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة قسم كبير من الأهالي لا يستطيع تأمينها ,
لم يستمر انتظارهم أكثر من أيام قليلة ليداهمهم خطر جديد وآلة قتل أخرى لاتقل فتكا عن ما أصابهم في الضفة المقابلة متمثلة بالآلة العسكرية الهمجية لمليشيا قسد مدعومة بالطيران الأمريكي و طيران التحالف الدولي الذي لم يتوانى بارتكاب المجازر الواحدة تلو الأخرى بحق المدنيين العزل في “الجزيرة” في سبيل تحقيق مآربه المغطاة بذريعة محاربة تنظيم داعش .
بعد المجازر المتكررة و القصف الممنهج لم يجد النازوحون و مستضيفيهم سبيلا للنجاة إلا باللجوء إلى البراري علهم يلوذوا بأنفسهم من صواريخ الطيران ومدافع المليشيات وقناصيهم , حاملين معهم ماتيسر من أغراض منزلية تعينهم في إقامتهم الغير محددة بزمن ينهيها .
أقاموا مخيمات عشوائية في عدة مناطق من البادية كمناطق (فليطح , السهيلي , الروضة ) القريبة من الحدود العراقية على شكل تجمعات من الخيام لكل قرية , معظم الخيام صنعت يدويا عن طريق خياطة الخرق والحصائر لتؤدي غرض ستر عورات أصحابها لا أكثر , فيما كانت هذه الخيم البدائية صعب المنال لعدد من النازحين فافترشوا الارض والتحفوا السماء لعدم توفر المواد اللازمة لتشكيل الخيمة , ومع انخفاض درجات الحرارة وتزامن دخول فصل الشتاء مع تواجدهم هناك يعاني النازحون والذي يتجاوز عددهم عتبة ال150ألف نازح من المحافظة من البرد الشديد في ظل انعدام شبه تام للمحروقات والوقودوأسعارها الخيالية في حال توفرت بكميات قليلة جدا .


كما يعاني النازحون من شح مياه الشرب وارتفاع أسعارها عند جلبها عن طريق جرارات لبعض التجار من منطقة (تويمين ) في محافظة الحسكة حيث يبلغ سعر البرميل الواحد أكثر من 1500 ليرة سورية .
أما الطعام فيتوفر في سوق صغير ضمن منطقة الروضة بأسعار مرتفعة جدا , تثقل كاهل النازحين الذين أفضت جيوبهم ظروف النزوح و التنقل وارتفاع الأسعار أينما حلوا وارتحلوا لتدنيهم من خط الفقر و تضيق عليهم الخناق .
في تلك البقعة الصحراوية تنعدم الرعاية الصحية والطبية و تغيب المرافق العامة في أدنى أشكالها فلا حمامات ولا دور خلاء فقضاء الحاجة هناك هو أمر شائك وهم كبير يواجه الذين لا حول لهم ولا قوة , و أقل الأمراض خطورة تسبب لهم تحدٍ صارخ بسبب انعدام الدواء في ذلك التجمع الكبير .
وكما هو حال التجمعات البشرية يوجد بين النازحين شيوخ ورجال وأطفال ونساء , يتقاسمون مرارة ظروف النزوح الصحراوي فتحمل شريحتي النساء والأطفال الحمل الأكبر من ارتدادات الظروف المأساوية , فقد سجلت في المخيم حسب أحد قاطنيه استطعنا التواصل معه حالات ولادة للنساء بمعدل خمس حالات كل عشر أيام , تتم الولادة بطرق بدائية دون توفر أدنى المقومات الصحية والأدوات المعقمة أو البيئة الملائمة للمولود , وقد أدى انعدام الرعاية إلى وفاة إحدى النساء من بلدة (درنج) أثناء الولادة .
كما يوجد من النازحين الكثير من أصحاب الأمراض المزمنة كمرضى الكلى والقلب والسكر والضغط والربو وغيرها من الأمراض التي تتربص بأصحابها في الظروف القاسية تلك مالم يتم تدارك الأمر وتأمين الأدوية اللازمة والنقاط الطبية والمستوصفات المؤقتة المجهزة بشكل اسعافي داخل المخيم .
ويعاني النازحون من نقص شديد في اللباس الشتوي والأغطية إذ أن قسم كبير منهم فروا بشكل فجائي لم يتسنى لهم حمل أغراضهم الشخصية وبالأخص أبناء منطقة الشامية الذين هربوا بأرواحهم وأجسادهم من شدة القصف وتواصله على مناطقهم .
تعتبر المنطقة المقامة عليها هذه المخيمات منطقة حيادية لا يسيطر عليها أي فصيل عسكري و أقرب إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” , و الوصول إليها من قبل من يريد إلقاء الضوء والمساعدة ليس بالأمر الصعب .
يعيش نازحو ديرالزورفي البراري حالة من اليأس والصدمة في ظل حياة لم يألفوها من ذي قبل , يسيطر عليها الألم والمشقة وغياب الأمل في أن تنظر في حالهم المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان التي اعتادت التغاضي عن القضايا التي تخص أبناء ديرالزور على وجه الخصوص . لا تصلهم عدسات الناشطين ولا كاميرات القنوات الإعلامية ليصبحوا مادة دسمة على شاشات التلفاز وصفحات الفضاء الأزرق , يعانون بصمت و يقاسون مرارة حياة دفعوا فاتورتها غالياً فقط لأنهم أبناء ديرالزور .

شاهد أيضاً

جولة في الصحافة الإيرانية ليوم الخميس 31 تشرين أول

طهران  النشرة اليومية للصحف الحكومية الإيرانية – الصراع على السلطة بين أقطاب النظام للفوز بحصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + 14 =