الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / هل نجحت إيران في محاولتها تشييع أهالي محافظة ديرالزور ؟

هل نجحت إيران في محاولتها تشييع أهالي محافظة ديرالزور ؟

ياسر العيسى
صحفي سوري

“التشيُّع.. التشيُّع.. دير الزور في خطر..”، هذا ما أوحت إليه الكثير من التقارير والمواد الإعلامية، والبوستات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أشهر خلت، وجميعها تسلط الضوء على ما تفعله إيران في دير الزور لنشر التشيُّع بين أبناء المحافظة، والوسائل التي تتبعها لتحقيق هذا الهدف، لكنها بالمقابل لم تُجب على السؤال الأهم: هل نجحت إيران فعلاً في نشر التشيُّع بدير الزور؟ الجواب: أعتقد بأنها فشلت “حتى الآن”.

قضية انتشار التشيُّع في دير الزور بدأت تلقى رواجاً كبيراً حتى بين السوريين من المحافظات الأخرى، بعد ترويجها من قبل المعارضين للنظام، أسوة بما يفعله الموالي للأسد ولطهران، وذلك في محاكاة لما حصل مع كذبة “تدعشن” أبناء دير الزور من قبل، والتي خدمت داعش بشكل رئيس، رغم أن أبناء المحافظة في غالبيتهم تفوق كراهيتهم لداعش (وهي في أوج سطوتها عليهم) أضعاف ما هو عليه حال من كانوا خارج مناطق سيطرته.
لابد من الإقرار بحقيقة وجود جهد كبير من إيران وأزلامها في دير الزور لنشر التشيُّع، سواء عبر المراكز الثقافية الإيرانية التي افتتحت في عدة مناطق داخل المحافظة، أو عبر اللعب على وتر الاقتصاد والإغاثة والفعاليات الثقافية والتربوية، والمراكز الطبية، وتشكيل ميليشيات محلية، وغيرها.
عمدت إيران منذ طرد التنظيم من دير الزور قبل عام ونصف، إلى استمالة السكان من خلال مشاريع خدمية وتعليمية، وأخرى صحية من افتتاح عيادات وعدة مشاف ميدانية صغيرة لجنودها وعناصر ميليشياتها، مع السماح للمدنيين بارتيادها مجاناً.
إيران، لجأت إلى شخصيات عشائرية بهدف كسب أكبر قاعدة لها في الريف، لإدراكها حجم تأثير هذه الشخصيات على محيطها، وكان في مقدمة هؤلاء، المعارض السابق لنظام الأسد، نواف البشير، والذي لم يكتف بمساندة إيران في تحقيق هدفها هذا (التشيع)، بل ساندها عسكرياً عبر دفع بعض أبناء عشيرته إلى التطوع في ميليشيات “الباقر” الشيعية، للقتال إلى جانب النظام.
أما في المدينة، ولعدم وجود تأثير عشائري كبير على سكانها، فكان لابد لها من إتباع أساليب أخرى، من بينها تطويع أصحاب مناصب محلية وشخصيات إعلامية لمشروعها، يمكن أن يخدموا أهدافها حالياً ومستقبلاً، وتسليمهم مناصب رسمية على مستوى المحافظة، أو ضمن حكومة النظام.
لكن السؤال: هل يمكن القول إن إيران عبر هذه الخطوات نجحت في تحقيق هدفها (نشر التشيُّع) الآن؟ وبصيغة أخرى: هل هناك انتشار للتشيُّع في دير الزور؟ الجواب: لا.
لماذا؟
أولاً: هناك نحو 35 في المئة من محافظة دير الزور تقع جغرافياً وسكانياً خارج سيطرة النظام وإيران، وتخضع لسيطرة “قسد”، وهي تمتد من ريف الرقة شرقاً وحتى الباغوز أقصى الريف الشرقي للمحافظة.
ثانيا: أغلب سكان دير الزور ريفاً ومدينة ما زالوا في عداد النازحين واللاجئين، ويتركزون في الشمال السوري الواقع خارج سيطرة النظام، وهناك نسبة كبيرة في تركيا، وأيضاً في أوروبا، كما أن العاصمة دمشق وريفها (جرمانا وصحنايا خاصة) تضم عدداً كبيراً من أبناء دير الزور ممن يرفضون العودة لمحافظتهم.
ثالثاً: وفق هذا الواقع، فإن من يوجد من أبناء دير الزور في مناطق سيطرة النظام بالمحافظة، لا تتجاوز نسبتهم الـ25 في المئة من العدد الأصلي (سكان محافظة دير الزور قبل 2011 يقدر بنحو مليون ونصف المليون)، وبمعنى آخر عددهم قد لا يتجاوز 300 ألف أو أقل، والبقية يتوزعون في مناطق سيطرة “قسد” ومناطق النزوح داخل سوريا، أو من اللاجئين خارجها.
رابعاً: الموجودون الآن في مناطق سيطرة النظام بدير الزور، لم تنجح إيران سوى بتجنيد المئات منهم فقط في ميليشيات تم تشكيلها بالريف الغربي خاصة، وأغلبهم من أبناء وأقارب عائلات شيعة حطلة (التي تضم نسبة من الشيعة منذ ثمانينيات القرن الماضي) ومراط وأقارب ومعارف نواف البشير.
خامساً: بالنسبة للمدنيين لا يتجاوز التأثير الإيراني سوى العشرات على مستوى المدينة، حسب ما أكده العديد من الموالين للأسد القاطنين هناك، ودليلهم أن جميع الفعاليات والأنشطة المقامة من قبل إيران أو حتى النظام منذ طرد داعش لا يتجاوز حضورها العشرات، وأغلبهم من مسؤولي الدوائر الرسمية وأتباعهم، ليمارس هؤلاء ذات الدور في جميع المناسبات داخل دير الزور، وبالتالي: أين البقية.. ولمَ يحجمون عن الحضور والتفاعل؟
سادساً: لابد من الإقرار، بأن داعش ورغم سلبياته الكثيرة وجرائمه في دير الزور، ورفض السكان لنهجه، والكثير من أفكاره، إلا أنه نجح في سنوات سيطرته على المحافظة خاصة في الأرياف البعيدة عن مراكز المدن، في زرع عداء كبير للشيعة ومذهبهم بين السكان، وتخويفهم من المشروع الفارسي الطائفي الإيراني، ولغاية في نفسه طبعاً، ولتبرير وجوده وسطوته وجرائمه، وهذا ساهم في وجود حالة رفض كبيرة للتشيُّع في الريف اليوم، وبالتالي كان من الصعب على إيران زرع أفكارها ومذهبها بين سكان هذا الريف.. حتى الآن.
سابعاً: إيران وفي أوج قوتها السياسية والاقتصادية داخل سوريا في ثمانينيات القرن الماضي وما بعدها، لم تستطع تحقيق مشروعها بنشر التشيُّع في دير الزور إلا في نطاق محدود، وذلك ضمن بعض الأشخاص الذين عُرف بعضم باستعدادهم لتغيير مبادئهم ودينهم حسب الضرورة وما تقتضيه مصالحهم.
وبالتالي رغم كل الامكانات الكبيرة التي وضعتها إيران على مدار سنوات (ما قبل الثورة) لنشر مذهبها في دير الزور، لم تنجح سوى بتشيُّع نحو ألفي شخص في قرية حطلة وما يجاورها، وبعض التقديرات أن عددهم يقارب الـ 3 آلاف، وذلك من بين مليون ونصف المليون من سكان دير الزور.
ومن هنا، فإن ما عجزت عنه سابقاً في ظروف كانت تخدمها بشكل أكبر (ومن بينها صورتها الايجابية التي كانت بين السوريين)، فإن من باب أولى أن تعجز عنه الآن.
ثامناً: ما روجته وسائل الإعلام سابقاً عن وجود انتشار للأذان الشيعي في دير الزور، ومن بينها ما نشرته وكالة الأناضول، لا يحمل الكثير من الدقة، وما حصل قبل أشهر، هو رفع الأذان في بقرص وريف مدينة الميادين، وفي عين علي ببادية القورية (شرق المحافظة)، وذلك كجس نبض، لكن تلاشت هذه التجربة فعلياً خلال يومين، وتقتصر حالياً على الأذان داخل مقراتهم العسكرية في الميادين والبوكمال خاصة، أما على المآذن، فلا يتردد الأذان الشيعي لا في المدينة ولا في الريف أبداً، ويشمل هذا الأمر الريف الغربي الذي يروج النظام ومعارضيه بأنه موالي للأسد وإيران، كما يشمل أيضا جامع “الحسن والحسين” أحد أبرز مقرات إيران في المدينة (حي الجورة).
تاسعاً: عرضت في وقت سابق تساؤلاً حول أسباب اغتيال العشرات من أبناء ريف دير الزور الغربي (جزيرة) وبينهم نساء وأطفال، ممن قتلوا في البادية على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة أثناء البحث عن مادة الكمأة، واتُهمت داعش بقتلهم؟ علماً أن البادية (الغربية) التي قتلوا فيها، هي أكثر المناطق التي يستبعد فيها وجود خلايا وجيوب للتنظيم، كونها محاطة بقطع عسكرية تابعة للنظام وإيران، ويستبعد أن توجد فيها خلايا للتنظيم كحال مناطق البادية الأخرى، ففي الغرب والجنوب الغربي منها يتواجد جيش العشائر بقيادة تركي الحمد، ومن جهة طريق الشام عدد كبير من الحواجز، وفي الشرق اللواء ١٣٧، ناهيك عن قيام النظام بعمليات تمشيط للمنطقة عدة مرات بحجة وجود خلايا لداعش، ولكنه لم يعلن أبداً أنه قتل أو ألقى القبض على أحد من عناصر التنظيم.
الجواب باعتقادي هو للضغط على أبنائه، بسبب عدم سير المشروع الإيراني في مناطقهم كما هو متوقع ومخطط من قبل طهران، وبالتالي كان لابد من تهديدهم بخطر ووهم “داعش”؟
عاشراً: إعلام تمويله قطري أو سعودي ليس من مصلحته إظهار حقيقة فشل مشروع التشيُّع في سوريا ومن ضمنها دير الزور، بل يعمد إلى تهويله وتضخيمه لغاية معروفة للجميع، وهذا ما ينطبق على الأناضول وغيرها من وسائل الإعلام التركية وشبه التركية التي تهدف إلى التهويل والتخويف ذاته، من أجل تعزيز ميول الكثير من السوريين نحو تركيا، ولاستخدام البعض منهم في تحقيق أهداف أنقرة ومشاريعها في سوريا، وفرض رؤيتها للأحداث عبر التلويح بـ”الخطر الشيعي”.
كل ما ذكرته سابقاً، لا يعني عدم وجود مشروع إيراني للتشيُّع وضخ إعلامي ومالي وثقافي في سبيل ذلك، إلا أنه لم ينجح حتى الآن، ومن أجل ذلك تتبع إيران طريق شراء العقارات ومنع سكان العديد من المناطق من العودة إليها (كما يحصل في مدينة البوكمال وكذلك الميادين)، ومن ثم إسكان أتباعها وعائلاتهم الذين تستقدمهم من خارج المحافظة، وبعضهم من جنسيات غير سورية، في سبيل أن تكون لها الكفة يوماً ديمغرافياً، بعد أن عجزت أن تميل الكفة لها بين السكان الأصليين طائفياً.
ختاماً نؤكد أن التشيُّع لم ينتشر بين أبناء دير الزور كما يردد البعض الآن، دون نكران وجود مشروع تشيّع في المحافظة، وبناء للمزارات والمقرات الدعوية وإنشاء ميليشيات، وإقامة للفعاليات، لكنه (التشيُّع) عجز حتى الآن في كسب من يتواجد من أبناء دير الزور في مناطق سيطرة النظام وإيران، إلا استثناء، والاستثناء حسب ما هو معلوم لا يقاس عليه.. فكيف إذا تم تحويله إلى قاعدة..؟ّ!

ماورد في المقال يعبر عن رأي كاتبه

شاهد أيضاً

ملعب ديرالزور وصورة الخراب، عن كذبة الأمل بالعمل

ملعب ديرالزور وصورة الخراب  عن كذبة الأمل بالعمل فراس علاوي تمثل هذه الصورة فعلياً مايقوم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − اثنان =