الإثنين , أبريل 28 2025
الرئيسية / تحليل / سوريا الجديدة: إعادة إعمار الوعي أولاً

سوريا الجديدة: إعادة إعمار الوعي أولاً

سوريا الجديدة: إعادة إعمار الوعي أولاً

أحمد السالم

في اليوم الذي سقط فيه الصنم، لم تنتهِ الحرب. بل بدأت الحرب الأصعب: وهي معركة الأخلاق.

فالنظام الساقط الذي هرب لم يترك خلفه مجرد أنقاض ومقابر، بل ترك مجتمعًا ملوَّثًا بالخوف، وعقولاً مشوشة، وقلوباً مثقلة بالكراهية.

اليوم سوريا ليست بحاجة إلى إعادة إعمار المباني فقط، بل إلى إعادة إعمار الإنسان. وهذا أصعب بما لا يُقاس.

لكن، كيف انهار الإنسان السوري من داخله؟

لننظر في الجراح التي شوهت هذا الوعي.

العنف… حين يصبح “الهمجي” بطلاً!

في وطن حوّله النظام الساقط إلى غابة، لم يعد العنف حالة فردية، بل صار “ثقافة”.

أصبح الصوت العالي هو من يُسمع، والقبضة الحديدية هي من تُحترم.

أطفال يلعبون بالبنادق، والكبار يعيشون وهم الانتقام.

لقد تعلّم الناس أن العدالة ضعف، وأن البطش حق.

وحين تُشرعن القوة، يُفتح الباب لكل الانحرافات الأخرى.

ففي مناخ يسوده الخوف والبطش، تنمو شبكات الفساد وتُخنق القيم.

الفساد… حين يتحول المفسد إلى قدوة!

الفساد لم يعد استثناءً، بل قاعدة.من يريد علاجًا، وظيفة، أو حتى وثيقة بسيطة، عليه أن يدفع أو “يعرف أحدًا”.

تحوّل الفساد إلى هواء نستنشق مرارته، وصار ضرورياً للاستمرار، كأن الحياة نفسها أصبحت مبنية على الرشوة والوساطة والمحسوبية.

وحين يصبح القانون سلعة، تنهار الثقة بين الناس.

ويُصبح الانتماء للطائفة أو العائلة هو الملاذ الأخير.

الطائفية… حين يصبح الجار عدواً!

لم يكتفِ النظام الساقط بقتل الناس، بل سعى لقتل الثقة بينهم.

حوّل الطائفة إلى سلاح، والهوية إلى لعنة.

بات الجار يخشى جاره، والصديق يراقب لهجته، وكل اختلاف يُترجم إلى تهديد.

وهذا الانقسام الطائفي لم يكن عارضًا، بل غُذّي بالتعمد.

ومع الخوف والانغلاق، أصيبت المدارس التي كانت يوماً مراكز للتنوير… بالشلل.

التعليم… حين تتحول المدارس إلى سجون!

المدارس التي أنجبت علماء تحوّلت إلى مؤسسات لإنتاج الخوف والطاعة.

المناهج لم تعد تفتح العقول، بل تغلقها.

أصبح الطالب يتعلم الصمت لا السؤال، والتكرار لا الإبداع، والخضوع لا النقد.

وحين يُقتل الفضول في الصغر، يُجهض الأمل في التغيير. ويبقى الفقر سيد الموقف، كقيد لا يُكسر بسهولة.

الفقر… حين يبيع الإنسان ظله!

في وطن يملك الثروات، أصبح الخبز حلماً.

الفقر أنهك الكرامة، وجرّ الشباب إلى الهروب، وترك الأطفال يحلمون بوجبة دسمة.

أصبح البقاء نفسه معركة يومية، وماء الوجه سلعة نادرة.

وهذا الفقر لا يُنتج سوى الألم، والعجز… ومرض مستمر.

مرض لا يُداوى فقط بالأدوية، بل بالعدالة والكرامة.

العلاج… ليس دواءً واحداً، بل مسار طويل وشجاعة!

1. لا مستقبل دون عدالة

المصالحة الحقيقية تبدأ من محاسبة الماضي.

محاكمات علنية للفاسدين والمجرمين، لا للانتقام بل لبناء الثقة.

القضاء المستقل هو أول عمود صحيح في هيكل سوريا الجديدة.

2. التعليم أول الطريق

إصلاح التعليم ليس تجديد مناهج فحسب، بل تحرير العقول.

نحتاج مدارس تبني جيلاً ناقداً، لا جيلاً مروّضاً.

3. المصالحة تبدأ من البيوت، لا من قصور السياسة

المصالحة الوطنية لا تُفرض من الأعلى، بل تُبنى في الحارات والشوارع والمقاهي.

هي ابتسامة بين جارين، كلمة طيبة، عودة للذاكرة الجميلة.

4. الاقتصاد يحفظ ماء وجه الحرية

لن تكون هناك حرية حقيقية إن بقيت البطون خاوية.

إحياء المصانع، دعم المشروعات الصغيرة، وتأمين رغيف الخبز هي بوابة الكرامة.

5. إعلام الشعب لا إعلام السلطة

الصحافة الحرة لا تعني مهاجمة الجميع، بل قول الحقيقة بلا خوف.

نريد إعلاماً يراقب لا يبرر، ينقد لا يصفق، يكشف لا يغطي.

المصباح لم ينطفئ بعد

سوريا الجديدة لن تولد من شعارات، بل من قرارات مؤلمة وجريئة.

الشفاء يبدأ حين نقرّ بأننا مرضى، ونملك الشجاعة كي نتعافى.

المعجزة لن يصنعها رئيس أو حكومة فقط، بل كل سوري قرر أن ينير شمعة في عتمة السنوات.

فالظلام لا يغلب النور، لكنه ينتظر فقط أن ينطفئ المصباح. والمصباح السوري، رغم كل شيء، ما زال مضيئاً.

شاهد أيضاً

نظام ولاية الفقيه… مصدر الفتنة والانقسام المذهبي في إيران

نظام ولاية الفقيه… مصدر الفتنة والانقسام المذهبي في إيران طهران  الشرق نيوز   بينما تواجه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × ثلاثة =