تخبّط وتناقض في قمة نظام ولاية الفقيه… حذف كلام خامنئي من موقعه الرسمي، ماذا يعني؟
طهران
الشرق نيوز
في خطوة لافتة، أقدم الموقع الرسمي لمكتب علي خامنئي، مرشد نظام ولاية الفقيه، على حذف مقطع من تصريحاته التي أطلقها في شهر فبراير الماضي، والتي وصف فيها التفاوض مع الولايات المتحدة بأنه “غير عاقل وغير شريف”. هذا الحذف يأتي في وقت تتزايد فيه التسريبات حول محاولات حثيثة من النظام للعودة إلى طاولة المفاوضات، في تناقض صارخ مع الخطاب السابق للمرشد.
لقد كانت تصريحات خامنئي واضحة وصريحة: “التفاوض مع أمريكا لا يعقل ولا يشرّف”. ولكن اليوم، ومع ازدياد الضغوط الداخلية والدولية على النظام، تم حذف هذا المقطع بصمت من موقعه الرسمي، في محاولة يائسة لمحو آثار تلك الكلمات، وكأن “لاعقلانيته ولاشرفه” يمكن أن تُنسى بحذف سطرٍ من الإنترنت!
هذا التصرف لم يكن معزولاً، بل يأتي ضمن سلسلة من التحولات الإعلامية والتصريحات المتناقضة التي تشهدها صحف النظام مؤخراً، والتي باتت تتحدث صراحة عن “ضرورة التفاعل مع العالم” و”الحوار لرفع العقوبات”. ما يعكسه هذا الحذف ليس سوى ارتباك النظام في أعلى مستوياته، ووقوعه في مأزق سياسي واستراتيجي عميق، لا مخرج منه إلا بالمزيد من التنازلات وامتصاص الغضب الداخلي.
هذه ليست المرة الأولى التي يتراجع فيها خامنئي عن مواقفه. من “المرونة البطولية” إلى تبريره للمفاوضات النووية في عهد روحاني، كلها تكشف أن استراتيجيات المرشد لا تستند إلى مبادئ ثابتة بقدر ما تنبع من خوف دائم من الغضب الشعبي وضغط المجتمع الدولي. حذف التصريح الأخير يندرج بوضوح في هذا السياق المتخبط.
النظام اليوم يواجه أزمات متداخلة: الغضب الشعبي المتصاعد، الانهيار الاقتصادي، العزلة الإقليمية، والخوف المتنامي من انتفاضة جديدة. في ظل هذا الواقع، لم تعد الشعارات الثورية ولا خطابات “الصمود” كافية. بل أصبح النظام مضطراً للتراجع خطوة بخطوة، حتى لو كان ذلك على حساب محو تصريحات قائده الأعلى.
لكن ما لا يدركه النظام هو أن حذف العبارات لا يمحو الذاكرة. الشعب الإيراني لم ينسَ أن خامنئي هو من وصف المفاوضات بالخيانة، ومن نعت المؤيدين لها بـ”العملاء”. اليوم، ومع عودته إلى نفس الطاولة التي وصفها بأنها “بلا شرف”، يبرز سؤال كبير: هل هذا التحول نتيجة تعقّل، أم أنه دليل على الإفلاس التام؟
في المحصلة، حذف هذه التصريحات ليس مجرد إجراء إعلامي، بل هو اعتراف غير مباشر بفشل السياسات السابقة وبالتخبط الكبير في قمة النظام. والتناقض بين خطابات الأمس وتراجعات اليوم، لا يدل إلا على نظام يعيش حالة انهيار داخلي تدريجي، يحاول إخفاءها بمزيد من الرقابة والتزييف، لكن عبثاً… فالحقيقة باتت أوضح من أن تُخفى.