مقالات مشابهة
قدر المملكة أنها كانت تعيش بين ثلاثة أخطار واليوم هي بين كماشتين: المحور الإيراني وإسرائيل
المكان: عمان.
الزمان: صبيحة الـ14 من فبراير (شباط) 2005.
جلست وزميلان إعلاميان واحد من العراق بزمن صدام حسين، والآخر من فلسطينيي الأردن. ذكر الفلسطيني أن الأردن يدرب الشرطة العراقية كي يحافظوا على الأمن في العراق في العهد الجديد، علق العراقي متحسراً: “والله زمن! احنا الدولة البوليسية منذ عقود، صار الأردن يدرب شرطتنا!”، قلت له: “الأمن الحقيقي في الأردن الذي يعيش بين ثلاثة أنياب دامية: العراق وسوريا وإسرائيل”، وأكملنا الحديث حول ما تعرض له الأردن من أخطار في التاريخ الحديث.
تصدى الجيش العربي بالأردن – ومعه فصائل فلسطينية – للجيش الإسرائيلي الذي اجتاح نهر الأردن في الـ21 من مارس (آذار) 1968، وهزمه وطرده من الأراضي الأردنية في معركة سميت بمعركة الكرامة نسبة إلى قرية دارت بها معظم المعارك، وكانت اسماً على مسمى، فأعادت بعض الكرامة للعرب والجيوش العربية التي مرغت كرامتها في نكسة يونيو (حزيران) عام 1967.
وفي عام 1970 اقتتل الجيش العربي الأردني مع الفلسطينيين بما عرف بـ”أيلول الأسود”، وسيطر الفلسطينيون على الشمال الأردني ومدينة إربد، واجتاحت الدبابات السورية الشمال الأردني في الـ18 من سبتمبر (أيلول) من ذلك العام لمساندة الفصائل الفلسطينية، لكنها تراجعت بعد أيام بعد أن دكتها طائرات سلاح الجو الأردني، ورفض وزير الدفاع السوري آنذاك – حافظ الأسد – توفير الغطاء الجوي لها، وهددتها أميركا بالتدخل إن لم تنسحب.
هذه الأيام، يهدد المحور الإيراني الأردن ممثلاً بالفصائل الولائية العراقية المنضوية تحت الحشد الشعبي، وتطالب هذه الفصائل الأردن بأن تجتاح أراضيه بحجة وذريعة نصرة غزة. وهي حجة أوهى من بيت العنكبوت، فالمحور الإيراني يسيطر على سوريا ولبنان وبإمكانه فتح الجبهتين هناك على مصراعيها – إن كانوا صادقين، لكن من الواضح تماماً أن الهدف هو اجتياح عمان وتحويلها إلى خرائب ومزابل مثلما فعلت ببغداد وحلب ودمشق وبيروت وبقية مدن لبنان والعراق وسوريا.
قدر المملكة الأردنية الهاشمية أنها كانت تعيش بين ثلاثة أخطار، واليوم هي بين كماشتين: المحور الإيراني وإسرائيل.
فبجانب تهديد المحور الإيراني للأردن، والتحرشات الحدودية التي يقوم بها هذا المحور وعمليات تهريب المخدرات المنظمة التي يقف وراءها، والاشتباكات الدامية التي تحدث على حدوده مع سوريا بين فترة وأخرى مع تنظيمات هذا المحور ومهربيه، فإن الصهاينة العنصريين بقيادة نتنياهو يعملون على تفريغ الضفة الغربية وطرد أهلها إلى الأردن، هدف “الترانزفير” ليس جديداً، وترجمتها “النقل أو التحويل” أي نقل سكان الضفة إلى الأردن. وتسجيلات قديمة لنتنياهو نفسه تظهر أنه لا يعترف بشيء اسمه فلسطين، وأن على الفلسطينيين أن يرحلوا لما يسميه بوطنهم الحقيقي: أي الأردن.
إذاً يجتمع المحور الإيراني والصهاينة اليوم على هدف واحد: تخريب الأردن وتدميره، الأول بحجة المقاومة ضد إسرائيل، والثاني بحجة “الترانزفير” كوطن لفلسطينيي الضفة.
على رغم شح الموارد وقلة الإمكانات فإن الأردن يعتبر جنة غناء مقارنة بعواصم مثل صنعاء وبيروت ودمشق وبغداد حيث الموارد الهائلة، لكن بغداد – التي تنتج 4 ملايين برميل من النفط يوميا- صنفت العام الماضي كثالث أكثر مدن العالم اتساخاً. وبالعكس من ذلك، فإن البنى التحتية للأردن تعتبر متقدمة ومتينة، والشوارع نظيفة ومعظم الخدمات متقدمة، والأمن في الأردن مستتب. لا شك أن الأردن – ككل دول العالم – يعاني مشكلات عدة، بعضها موضوعي وبعضها ذاتي، لكن الأكيد أن الأردن بشعبه وقيادته يرفض أن يتحول إلى خرائب ومزابل كما تحولت مدن المحور الإيراني، وعلى المحور العربي أن يعمل جاهداً على تعزيز صمود الأردن واستقراره، لأن المحور الإيراني يتوهم بأنه الخاصرة الرخوة للمحور العربي.
بعد انتهاء حوارنا صبيحة ذلك اليوم، جاءنا خبر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري على يد المحور الإيراني – “حزب الله”، ومنذ ذلك اليوم ولبنان من “جرف لدحديره” -كما يقول المثل الشعبي.