لماذا نظام الاسد هو المستفيد من تفجير الكلية الحربية ؟
فراس علاوي – الشرق نيوز
شهدت الكلية الحربية والتي مقرها مدينة حمص وسط سوريا، الخميس 06 أكتوبر 2023 هجوماً قيل أنه تم بطائرات مسيرة حسب إعلام نظام الأسد على حفل تخرج لطلاب الكلية الحربية، والتي تخرج ضباط الجيش في النظام السوري , أدى الهجوم لمقتل وجرح العشرات من الطلاب الضباط وأهاليهم الذين كانوا يحضرون حفل التخرج.
الهجوم تم على الحفل الذي يرعاه بشار الأسد باعتباره القائد العام للجيش، وقد حضر في سنوات سابقة حفل التخرج فيما حضره هذا العام وزير الدفاع وبعض كبار الضباط ولم ينقل بشكل مباشر على وسائل إعلام النظام.
اتهم نظام الأسد وبشكل مباشر ما أسماه / التنظيمات الإرهابية / بالقيام باستهداف الحفل عبر طائرات مسيرة تحمل مواد متفجرة، وبالتالي فقد بدأ مناصروه وإعلامه بالمطالبة باستهداف مناطق الشمال السوري وخاصة محافظة إدلب وقتل جميع من فيها حسب بعض مواليه.
لمعرفة مرتكب أي جريمة لابد من معرفة من المستفيد منها , ومن هنا نجد أن نظام الأسد والقوى الموالية له هي المستفيد الأول من هذا التفجير، وذلك لعدة أسباب نستطيع إيجازها بمايلي.
أولاً هناك قرائن تدل على أن نظام الأسد كان يعلم بحصول المجزرة وهي:
1- الحديث الاستباقي عبر إعلامه والإعلام الإيراني عن امتلاك المعارضة لطيران مسير، مما يعني التجهيز لسيناريو الاعتداء بالطيران المسير وهذا ما ادعاه النظام فور حدوث المجزرة .
2- مغادرة وزير الدفاع وبعض الضيوف مكان الاحتفال قبيل حدوث الهجوم المزعوم بعدة دقائق، مما يعني أن الاستهداف لم يكن لشخصيات كبرى وإنما للحاضنة المؤيدة للنظام , تعتبر الكلية الحربية أحد أبرز أماكن تخريج مناصري النظام، إذ يتخرج منها الضباط الذين يتم فرزهم لقطع الجيش ولبعض الفروع الأمنية , ومن المعروف أن معظم خريجي هذه الكلية منذ وصول نظام الأسد للحكم هم من المقربين من النظام (الطائفة العلوية التي ينتمي لها آل الأسد كان لها الحصة الأكبر من أعداد القبول بالكلية).
3- شكل الإصابات ونوعية الإنفجارات التي حدثت تدل على أن الهجوم لم يكن بمسيرات تستخدم مواد متفجرة، كثير من الإصابات كانت على مستوى الأطراف السفلية وهو لايتماشى مع فرضية القصف الجوي، وإنما مع تفجيرات لعبوات مزروعة .
4- مكان الهجوم يبعد عشرات الكيلو مترات عن أماكن سيطرة المعارضة، عملياً لاتمتلك المعارضة هذا النوع من الطيران المسير الذي ينطلق لمسافات طويلة وهو محمل بالذخيرة المستخدمة، وبالتالي فإن الأماكن التي انطلقت منها الطائرات المسيرة إن صحت فرضية الهجوم بها , هي من مناطق يسيطر عليها نظام الأسد وليس المعارضة.
5- غياب لوجود أي ضيوف للدول الحليفة في مكان الهجوم أثناء تنفيذه، عادة البروتكول المتبع أن يحضر ضباط وقادة عسكريين لدول “صديقة للنظام” حفل التخرج.
6- اتهام النظام لفصائل المعارضة عن مسؤوليتها عن الإعتداء مباشرة بعد الهجوم وقبل التأكد من أي معلومة أو تحقيق بالحادثة، ممايعني أن الساحة الإعلامية مجهزة للحدث.
7- التصريحات الإيرانية والروسية المؤيدة لسردية النظام حول الإعتداء والتهديدات التي أطلقها الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني ضد ما أسماها (الجماعات الإرهابية) متوعداً بالرد عليها، كذلك مشاركة الطيران الروسي في عمليات القصف العنيف التي قام بها نظام الأسد على مناطق إدلب وريفها واستهداف المدنيين بشكل مكثف موقعاً عدداً كبيراً من الضحايا، مما يعني بأن هناك بنك للأهداف تم وضعه بصورة مسبقة وتنسيق مسبق، وأن استهداف الكلية كان الذريعة للهجوم على مناطق الشمال السوري.
بعد كل ماسبق من الطبيعي السؤال لماذا نظام الأسد هو المستفيد من تفجير الكلية الحربية ؟
لنظام الأسد تاريخ حافل بمثل هكذا تفجيرات يستخدمها من أجل تحقيق أهداف معينة، بدءاً من سوريا في فترتي السبعينات والثمانينيات من القرن السابق وصولاً إلى لبنان وسلسلة الاغتيالات التي قام بها لمعارضيه هناك، وصولاً إلى افتعال التفجيرات في حواضنه مع بداية الثورة السورية 2011، هذه الاستراتيجية التي بدأت مع وصول حافظ الأسد للحكم وظهرت بشكل واضح في تفجيرات دمشق وحماة وحلب في فترة صراعه مع الأخوان المسلمين، واستخدام هذه التفجيرات التي كان يستهدف فيها حاضنته لاقناعها بخطر الآخر وبأنه من يقوم بحمايتها.
من هنا يأتي استثماره فيما حدث بالكلية الحربية وذلك لأسباب عديدة داخلية وخارجية..
– داخلياً:
يمر نظام الأسد بحالة من الضعف والتوتر بسبب ما أفرزه حراك السويداء والذي اسقط من يده ورقة حماية الأقليات، وكذلك تسبب بتغير في موازين القوى المجتمعية داخل مناطق سيطرته، مما يفتح الباب لاحتمالات كثيرة منها حدوث انفجارات اجتماعية تبدأ بموجة احتجاجات جديدة وقد بدأت ارهاصاتها بأصوات معارضة في الساحل السوري، هذا التخوف من موجة ثانية من الاحتجاجات جعلت من استهداف الحاضنة أمراً ضروروياً وذلك لإعادتها (لبيت الطاعة) لتكون تحت طاعته من جهة، وإعادة تماسكها في وجه عدو مفترض جهد لعقود في إقناعها بأنه عدو مشترك للحاضنة والسلطة، وأن زوالها مرتبط بزواله، لذلك كان لابد من استهداف الحاضنة وإن كان بشكل مؤلم لها لكنه قد يفيد النظام في حال استطاع ترويج روايته وفرض سرديته، كذلك ومن جهة أخرى فقد يسعى النظام لاستخدام ذات الاسلوب في استهداف حراك السويداء والصاق التهمة بجهات خارجية، خاصة مع ترويج فرضية أو قصة أن الاستهداف لم يتم من قبل فصائل الشمال وإنما من قبل طيران مسير يتبع “للتحالف” (انطلق من حقل العمر) روج لهذه الفرضية “عمر رحمون” أحد أذرع النظام والتي يستخدمها لترويج سردياته المفترضة عادة، وبالتالي وضع سيناريو انطلاق مسيرات من قاعدة التنف على الطاولة في حال أراد استهداف حراك السويداء.
إذاً الحالة الاقتصادية السيئة التي يمر بها نظام الأسد وتراجع سعر صرف الليرة السورية وتململ الحاضنة بسبب الظروف الاقتصادية السيئة واستمرار العقوبات ومظاهرات السويداء، كل ذلك دفع النظام للذهاب إلى الأمام في افتعال عملية الهجوم لالهاء الحاضنة وتخويفها واستخدام ذات الأسلوب في أماكن أخرى.
– خارجياً:
بدء إجراءات تحويل ملف جرائم النظام إلى محكمة العدل الدولية وضع النظام السوري في وضع محرج أمام العالم، لذلك عمل على خلط الأوراق من أجل تأكيد روايته وسرديته حول استهداف السوريين , واتهام من أسماهم الجماعات “الإرهابية” بالمجزرة.
ضعف الدول الداعمة للنظام في المنظمات الدولية نتيجة العقوبات المتتالية عليه وبالتالي لابد من دعم روايتاها بما يخص الوضع في سوريا.
ظهور تململ من الدور والوجود الإيراني من قبل حاضنة النظام، وتراجع التأثير الإيراني في الملف السوري إقليمياً وزيادة استهداف المقرات الإيرانية في سوريا، مما يعني محاولة إيران العودة من خلال استخدام ماحصل كذريعة لتدخل جديد في المنطقة.
مما سبق نجد بأن نظام الأسد بحاجة كما هي عادته لخلط الأوراق مجدداً من أجل إعادة سيطرته على المشهد الحالي بعد حالة التخبط التي مر بها خلال الأسابيع الماضية، كذلك هو بحاجة لحدث بحجم استهداف الكلية الحربية من أجل الإبقاء على سيطرته وسطوته في المناطق الخاضعة له.