أوكرانيستان… الفخ الأمريكي والتجربة الروسية
فراس علاوي
بعد مرور مايقارب العام الكامل على الهجوم الروسي على أوكرانيا، لم يحقق الروس أهدافهم التي أعلنوها في بداية هجومهم على الأراض الأوكرانية بل أكثر من ذلك، خسروا مالم يكن بالحسبان من عديد وعتاد وظهر الجيش الروسي عاجزاً في أوقات كثيرة من تحقيق التقدم.
العملية الروسية التي تسببت بتوحيد الموقف الأوربي والأمريكي ضد الغزو الروسي وبتدفق المساعدات الغربية بصورة كبيرة إلى الجيش الأوكراني مما تسبب بصد الهجوم الروسي بعد أن حقق نجاحات جزئية بداية العملية.
ماسبق يعيد لأذهان الجميع ماحدث أواخر القرن الماضي عندما غزا السوفييت أفغانستان وسيطروا عليها، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم المجاهدين الأفغان لصد الهجوم الروسي وتكبيده خسائر عديدة استمرت لسنوات وانتهت بالإنسحاب منها بعد سنوات من الصراع الدموي هناك، لتعاود الولايات المتحدة نفسها دخول أفغانستان بعد عقد من الزمن وأيضاً الخروج منه بعد عدة سنوات دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة حين تدّخلها.
ينظر الروس والأمريكان لتجربة أفغانستان ويعيدان قراءة الدروس المستفادة منها.
ففي حين تختلف الجغرافيا السياسية لأوكرانيا عنها في أفغانستان من جهة القرب من أوربا، إلا أنها تتشابه بالقرب الجغرافي من المحيط الحيوي لروسيا، وبالتالي فإن خسارة الحرب في أوكرانيا يعني انتهاء مشروع بوتين التوسعي وبناء نطاق جيوسياسي داعم لسياساته، كانت أوكرانيا حجر عثرة فيه.
اقتراب الناتو من الحدود الروسية يمثل تحد آخر لروسيا وبالتالي لن يقبل الروس بأن تصبح الصواريخ الأوكرانية / الامريكية، الاوربية / على مرمى حجر من موسكو.
كذلك يدرك الأمريكان والأوربيون أن استمرار الصراع يحتاج لعاملين أساسيين :
الاول : استمرار تدفق الدعم المادي والعسكري بغزارة أكثر ونوعية أكثر وتغيير الاستراتيجية القتالية للجيش الأوكراني من الدفاعية إلى الهجومية، وهذا يعني وضع ميزانيات مستقلة للدعم قد يربك حسابات الحكومات خاصة الأوربية التي تخوض صراعات سياسية وحسابات انتخابية قد تعصف بتلك الحكومات ، وهذا ماحدث بسبب التغيرات الاقتصادية الناتجة عن تفشي فايروس كورونا ومن ثم الحرب الأوكرانية وماتسببت به من ارتفاع الأسعار والحاجة للطاقة والوقود وهو مايراهن عليه بوتين عبر إطالة أمد الصراع،
يعتبر الوقت عنصر هام في الصراع لكلا الطرفين إذ يراهن الروس على تأثر المجتمعات الأوربية ورفضها لتدني الأوضاع الاقتصادية وبالتالي الضغط على حكوماتها لتغيير مواقفها من الحرب وصعود لليمين القريب من روسيا،
كذلك يراهن الغرب على انهيار الاقتصاد والمجتمع الروسي وبالتالي التأثير على طبقة الاوليغارش الروسية المحيطة ببوتين للاطاحة به.
الثاني
قدرة الحكومات الغربية على حشد مجتمعاتها وناخبيها خلف فكرة الخطر الروسي الذي يتعدى المجال الحيوي الروسي ويهدد أوربا، وبالتالي الذهاب بعيداً في دعم أوكرانيا كرأس حربة في الصراع مع روسيا وإنهاء مشروع بوتين التوسعي.
بالعودة للتجربة الأفغانية فإن استفادة الروس تكمن في عملية بناء طرق خلفية وتحالفات دولية تمنع تكرار ماحدث، وبالتالي إيجاد مخارج سياسية واقتصادية تدعم الصراع في أوكرانيا وهذا ماوجده الروس في تطوير العلاقات مع تركيا وإيران والصين في محاولة لكسر الطوق المحتمل وإيجاد أسواق تصريف للمنتجات الروسية بعد المقاطعة والعقوبات الأوربية عليها.
فيما يدرك الأمريكان أن توسيع الصراع قد يجر إلى اشتعال مناطق أخرى، مما يفتح بؤر صراع تنعكس سلباً على وجود الولايات المتحدة حول العالم ، خاصة تلك المناطق الهشة والمؤهبة لتطور الصراع مثل سوريا وإيران وافغانستان ذاتها وبالتالي تشتيت الصراع الذي تعمل الولايات المتحدة علي حصره خوفاً من تصاعده ودخول أطراف أخرى تنتهز الفرصة مثل الصين التي تراقب عن كثب كل مايحدث، والتي تدرك أنها قد تكون الهدف القادم في حال انكسار روسيا وخروجها مهزومة.
كذلك يخشى الغرب من أن الضغط على بوتين قد يضطره نهاية الأمر لاستخدام السلاح الكيماوي مما سيفجر حرباً عالمية لاتتوقف نتائجها على أوكرانيا بل قد تمتد على مناطق جغرافية أوسع وأكثر شمولاً
وبالتالي فإن شرارة الحرب من الممكن التحكم بها، لكن نتائج تلك الحرب وخسائرها هي التي لايمكن تقديرها ولامعرفة مآلاتها.