لاتسجنوا القط
فراس علاوي
للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية تصل مستويات الصراع بين روسيا / وريثة الاتحاد السوفياتي / والغرب إلى هذه المستوى العالي من التصعيد والصدام شبه المباشر بين القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ، فمنذ
أزمة خليج الخنازير والذي شهد خفضاَ للتوتر بعدها، كان الصراع يتم بأدوات مختلفة وبأشكال مختلفة أبرزها يعتمد على القوى الناعمة كالغزو الثقافي لمحيط روسيا وكذلك الضغط الاقتصادي دون اللجوء كما هو الحال الآن لعقوبات اقتصادية على روسيا، السياسات الناعمة التي أدت لتفكك الإتحاد السوفياتي
، فعلى الرغم من طموح بوتين التوسعي والذي بدأ في محيطه الجيوسياسي من خلال دعم وتثبيت حكومات وشخصيات موالية له، ودعم تكتلات سياسية واقتصادية في مناطق عدة من العالم بهدف إيصال التأثير الروسي إليها، سواء كان في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو جنوب شرق آسيا.
هذه الرغبة لدى بوتين إضافة لعوامل أخرى تتعلق بشخصية بوتين ورفضه لوجود حكومات منتخبة ديموقراطياً في محيط روسيا الحيوي، وخشيته من ارتدادات الربيع العربي وظهور ربيع أواسط آسيا والقوقاز، وبالتالي تأثيره على الداخل الروسي،
كذلك ما أفرزه انتشار وباء كورونا من تداعيات اقتصادية داخلية على القوى المتصارعة أو المتنافسة وصعود الصين وإنكفاء الولايات المتحدة خلال فترة حكم أوباما.
كل هذه الظروف والمعطيات وضعت المنطقة على صفيح ساخن، وبسبب التوترات المتواجدة في الشرق الأوسط وتداخلات الصراع المحلي / ثورات الربيع العربي / والفلسيطيني الاسرائيلي، والإقليمي كالتنافس التركي العربي، والإيراني الإسرائيلي، والأمريكي الإيراني، والإيراني العربي، كل هذه الصراعات الجزئية كانت ستشهد انفجاراً لاحدود لعواقبه فيما لو شهدت تصعيداً غربياً روسياً فيها، بسبب تشابك وتعقد هذه المصالح والتحالفات فيها.
لذلك كان لابد من إيجاد منطقة صراع جديدة مع روسيا، تسببت سياسات بوتين / تدخلات روسيا في الانتخابات في أوربا وأمريكا، حرب الجواسيس والنفوذ / كل ذلك جعل من أوكرانيا خاصرة بوتين الرخوة أرضاً خصبة لزيادة حدة الصراع، حيث تم استجرار الروس إليه وإقحامهم فيه.
حسابات بوتين والتي يبدو أنها لم تنطبق على بيدر الغرب، إذ كان يعتمد على عدة عوامل تجعل من تدخله في أوكرانيا عبارة عن نزهة مؤقتة، منها تاريخ تدخله في المنطقة من أوسيتيا والشيشان إلى القرم، ومنها ماتعانيه الدول الغربية اقتصادياً، والإنكفاء الأمريكي، والتوتر الأمريكي الصيني، وماخلفه وجود ترمب في البيت الأبيض من خلافات داخلية أمريكية، والملف النووي الإيراني، وملف الطاقة الذي يمسكه بوتين بقوة ويهدد به أوربا، وقد نجح نوعاً ما في ذلك.
إلا أنه فوجئ بردة الفعل وحجم الدعم الغربي لأوكرانيا سياسياً وعسكرياً وفشله في التعويل على المعارضة الأوكرانية واسقاط حكومة زيلنسكي ، الأمر الذي عقد
عملية التدخل وحولها لعملية استنزاف للقوات الروسية وبالتالي خسائر فادحة فيها مادياً ومعنوياً،. يحاول الغرب استغلالها سياسياَ وإعلامياً وعسكرياً.
تشبه هذه العملية محاولة إدخال قط إلى غرفة مغلقة الأبواب والشبابيك في محاولة للقبض عليه.
يرى الغرب نهاية لبوتين مشابهة لنهاية / أدولف هتلر /
إلا أن الظروف والأوراق التي يملكها بوتين تختلف تماماً، خاصة الملف الأكثر خطراً وتأثيراَ وهو استخدام السلاح النووي ولو كان على نطاق ضيق،
عملية وضع بوتين في الزاوية والضغط عليه لابد وأن تحوله إلى قط بمخالب كبيرة يهاجم بها كل من يقف في طريقه، حتى اللحظة لايبدو أن بوتين دخل القفص بشكل كامل وكانت مشاركته بقمة شنغهاي رسالة بهذا الاتجاه، لكن زيادة الضغط العسكري عليه وإدخاله في لعبة التصعيد العسكري والسياسي وإفشال محاولاته للانفتاح على مناطق أخرى كإيران والصين يعني بأنه دخل الغرفة المغلقة وحينها سيصبح من الخطر إخراجه منها دون خسائر كبرى
لذلك ولنجاح مايريده الغرب من تدخله في أوكرانيا،
لابد من جعل الباب موارباَ لتسويات غير مهينة، لكن نتائجها تكبح جموح بوتين وتوقف طموحاته وتعيد روسيا لحجمها بعيد تفكك الاتحاد السوفياتي، لتتفرغ القوى الغربية للصراع القادم لامحالة مع الصين.