ما مدى فاعلية استبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي أو القطري؟
يحيى السيد عمر
تسعى دُوَل الاتحاد الأوروبي ومنذ بدء الحرب الرُّوسية الأوكرانيَّة إلى البحث عن بدائل للغاز الرُّوسيّ لعلها تجد حلاً للضغوط الروسية؛ إلا أن غالبية البدائل المقترحة حتى الآن تُعدّ منخفضة الفعالية.
آخر هذه الاقتراحات: اعتماد أوروبا على الغاز المسال، لا سيّما الغاز الأمريكي والقطري، إلا أن هذا الاقتراح هو الآخر منخفض الفعاليَّة، فبإمكانه التَّخفيف من حدَّة المشكلة، لكنّه لا يستطيع حلها بالكامل، وذلك نتيجة لجملة أسباب ذاتيَّة وموضوعيَّة.
تقوم الدُّوَل المُنتِجة للغاز بتصديره عبر وسيلتين؛ إمَّا عن طريق ضخّه بالأنابيب من بلدان المَصْدر إلى بلدان الاستهلاك، وذلك في حالة وجود إمكانيَّة لمدّ الأنابيب، أمَّا في حال عدم القدرة على تصديره بالأنابيب فيتم إسالة الغاز وتصديره بناقلات بحرية كما في حالة النفط.
أمَّا على مستوى البلدان المُستهلِكة، فهي تكون مُجهَّزة ببِنْيَة تحتيَّة لاستقبال أحد النَّوعين؛ الغاز الطبيعي أو المُسال، فالبنية التَّحتيَّة المُجهَّزة للتَّعامُل مع الغاز الطبيعيّ المنقول بالأنابيب تختلف عن تلك المُجهَّزة لاستقبال الغاز المُسَال.
تعتمد غالبيَّة دُوَل الاتحاد الأوروبيّ بشكل شبه تام على الغاز الطبيعيّ المنقول بالأنابيب؛ وذلك لكونها تَعتمد على دُوَل تتمكَّن من تصدير الغاز بالأنابيب، مثل روسيا وهولندا والجزائر، مع اعتمادٍ بسيطٍ ونسبيّ على الغاز المُسَال، والمصادر الرئيسة له هي الولايات المتَّحدة ونيجيريا.
شهدت الصَّادرات الأمريكيَّة من الغاز المُسَال في النصف الأول من العام الحالي ارتفاعاً ملحوظاً؛ إذ بلغت 11,1 مليار قدم مكعب، وهذا ما أثار تساؤلات حول إمكانية الاعتماد الأوروبي على الغاز المسال كبديل عن الغاز الروسي؛ إلا أنَّ الواقع الأوروبي يؤكّد أن هناك عقبات عدَّة تَحول دون ذلك.
أولى العَقَبات التي تَحُول دون اعتماد أوروبا على الغاز المسال أنَّ البِنْيَة التَّحتيَّة الأوروبيَّة غير مُجهَّزة لاستقبال كمّيّات كبيرة من الغاز المُسَال، ولتطوير بنية تحتيَّة جاهزة؛ فإنَّ هذا الأمر قد يَستغرق عدَّة سنوات وعشرات المليارات من الدولارات.
في الحقيقة لا الوقت ولا التَّكلفة تستطيع أوروبا تحمُّلها؛ كونها تحتاج للغاز بسرعة، ولكون الوضع الاقتصادي الأوروبيّ لا يسمح بتحمُّل مشاريع بهذه تكلفة مرتفعة.
ثاني العقبات أنَّ هناك صراعاً على الغاز المُسال مع المشترين الآسيويين الكبار مثل اليابان وكوريا الجنوبيَّة وتايلند؛ نظراً لحاجتهم لتأمين الإمدادات التي يحتاجون إليها خلال شهور الشّتاء الباردة. وحالياً هناك 40 منشأة للغاز المسال حول العالَم، و600 ناقلة مُتخصّصة يمكنها نَقْل الشّحنات تقريباً، وهو ما يَرْفع السِّعر مع اقتراب الشتاء.
ثالث العقبات أنَّ مواقع الغاز الطبيعي تقع على بُعد مئات أو آلاف الأميال من مكان استخدامه، وهو ما يجعل نقله عمليَّة معقَّدة؛ حيث يتمّ نَقْله عبر خطوط الأنابيب لنقاط ثابتة. ثمَّ يتمّ تبريده لأدنى من 50 درجة تحت الصفر؛ ليتحوَّل إلى سائل يمكن تَحميله على متن سُفن وإرساله لمحطات مُخصَّصة؛ حيث يتمّ تحويله إلى غاز مرَّة أخرى، وهذا ما يجعل من الاعتماد الأوروبيّ على هذا الغاز أمراً مُكلِّفاً ومعقداً.
رابع العقبات أنَّ الإنتاج العالميّ من الغاز المسال وصل بقيادة الولايات المتَّحدة وقطر وأستراليا إلى 455 مليون طن، وذلك وفقاً لأرقام وكالة بلومبرج إنتليجنس. 70% من تلك الكمِّيَّة محجوزة للعملاء الذين لديهم عقود طويلة الأجل، ومُتَاح فقط 30% من الكمِّيَّة (136 مليون طن) للبيع بأعلى سعر، فالكمِّيَّة المتاحة لا تَستطيع تلبية الاحتياجات الأوروبيَّة.
عموماً يُعدّ خيار الغاز المُسال غير مُمْكِن التَّطبيق بالنِّسبة لأوروبا، وهو ما يُعَقِّد مشكلتها، ويمنح المزيد من القدرة لروسيا للضَّغْط على أوروبا. في ظل هذا الواقع تبدو خيارات الطَّاقة البديلة المُتجدِّدة هي الخيار الأكثر منطقيَّة؛ على الرغم من حاجته لزمن طويل نسبياً وتكلفة متوسطة؛ إلَّا أنَّ تكلفته والزمن اللَّازم لتطبيقه يُعدّ منخفضاً نسبياً مقارنةً بالخيارات الأخرى.