روسيا في سوريا الأسباب وشكل التدخل
فراس علاوي
وضعت الثورة السورية السياسة الروسية /القيادة الروسية وأحلام بوتين وإدارته بالعودة للساحة الدولية / على المحك وكانت إختباراً حقيقياً لها ولسياستها في المنطقة وسياستها الدولية بشكل عام , وكان لخسارتها التي منيت بها في كلاً من العراق وليبيا التي خرجت بها وجعلتها تنكفئ للخلف دوراً هاماً في تغيير استراتيجيتها في سوريا .
لذلك كانت الثورة السورية فرصة لروسيا لتعويض تلك الخسائر بشكل كبير هذا التدخل الذي اتخذ عدة أشكال وعبر تسلسل زمني مرتبط بتطورالأوضاع في سوريا
اتخذ التدخل الروسي الأشكال التالية
1-دبلوماسي : من خلال دعم النظام السوري في مجلس الأمن حين وقفت روسيا بوجه مشاريع قرارات تقدمت بها الدول الأعضاء بمجلس الأمن تدين تصرفات وأعمال النظام السوري , إذ استخدم مندوبو روسيا حق النقض الفيتو 15 مرة دعماً للنظام السوري منذ إنطلاق الثورة السورية 2011 , في دعم هو الأكبر لروسيا لدولة أخرى في مجلس الأمن , كما أفشلت مشاريع قرارات تدين النظام السوري ورفضت إدانته في مؤسسات الأمم المتحدة وكان أبرزها رفض إدانته باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة ومن ثم في خان شيخون .
2-: إعلامي وسياسي من خلال محاولة إخراج النظام السوري /بشار الأسد / من العزلة الدولية المفروضة عليه وممارسة الضغط على الدول المتداخلة في سوريا من أجل تعويم النظام وقبوله وتبني رؤيته من الثورة السورية , ودعم تلك الرؤية إعلامياً سواء عبر الإعلام الروسي أو من خلال تصدي السياسيين والمحللين الروس لفكرة أن النظام السوري هو نظام مجرم يقوم بقتل شعبه وبالتالي الدفاع عن النظام وممارساته / ظهر المحللون الروس بكثرة على وسائل الإعلام دفاعاً عن نظام الأسد وأبرزهم المحلل السياسي الروسي فيتشسلاف ماتوزوف الذي تبنى وجهة نظر النظام ودافع عنها بقوة /
3- عسكري : من خلال التدخل العسكري المباشر في سوريا ودعم /الجيش السوري التابع لنظام الأسد / في عملياته العسكرية ضد فصائل المعارضة وتقديم الدعم الجوي له .
أسباب التدخل الروسي في سوريا
تعود أسباب التدخل الروسي في سوريا بعد إندلاع الثورة السورية 2011 إلى أسباب بعيدة /غيرمباشرة وترتبط بالداخل الروسي أكثر منه بالوضع السوري / , وأسباب قريبة مباشرة ترتبط بشكل مباشر بمايجري في سوريا وغرض روسيا من التدخل .
الأسباب البعيدة للتدخل الروسي في سوريا
أولاً روسيا من حيث الشكل والنظام السياسي والممارسات السلطوية هي ذات حكم استبدادي شبيه بالبلدان العربية التي شهدت ثورات , تقوم على حكم الفرد المطلق للرئيس الروسي فلاديمر بوتين الذي يحكم روسيا منذ إنهيار الاتحاد السوفياتي عبر تبادل الأدوار مع صديقه مدفيدف للسيطرة على مقاليد الحكم .
/ صوت البرلمان الروسي مؤخراً على السماح لبوتن بالحكم حتى العام 2036 / إذ يتم منذ العام 2000 الاحتيال على الدستور الروسي من خلال تبادل بوتين مدفيدف مناصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء
لذلك خشي بوتين من انتقال عدوى الربيع العربي إلى روسيا وحدوث موجة ربيع روسي , بالفعل بدأت مقدماته عبر مظاهرات تشبه تلك التي بدأت في بلدان الربيع العربي , لكن السلطات الروسية تعاملت معها بذات الأسلوب الذي تعامل معه الرؤساء العرب مع انتفاضات شعوبهم وقمعها بقوة واعتقل قادة المعارضة الروسية , هذا الخوف جعل بوتين ينفذ ضربة استباقية في مناطق بعيدة عن روسيا نوعاً .
ثانياً خشية روسيا من الخروج خالية الوفاض من منطقة تعتبر قريبة جداً من مجالها الاستراتيجي /الجيوسياسي / , عقب خسارتها لليبيا إذ تحاول روسيا التمسك بأخر مناطق نفوذها في المنطقة /سوريا / وهي أخر حلفاء روسيا على المياه الدافئة , وأخر حلفائها في الشرق الأوسط ساحة الصراعات والمناكفات الدولية , وبالتالي كان لابد من التمسك بسوريا من أجل العودة للساحة الدولية كما يرغب بوتين .
ثالثاً خشية بوتين من أن يؤدي المناخ العام للثورات إلى حراك مماثل في المناطق التي تفرض روسيا عليها سيطرتها كالشيشان والقرم , مما يعني عودة الجهاديين الذين غادروها للقتال في سوريا وليبيا إليها , لذلك فالذهاب لقتالهم في تلك البلاد /وفق الرؤية الروسية /أفضل من انتظار عودتهم لبلدانهم التي خرجوا منها , خاصة أن شبح الهزيمة في أفغانستان لايزال ماثلاً في ذاكرة الروس ,
الأسباب القريبة للتدخل الروسي في سوريا
وتتعلق غالباً بموقع سوريا الجغرافي ومدى وطبيعة تأثير التدخل فيها .
باتت سوريا موطئ القدم الأخير في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للسلطة الروسية وبالتالي كان لابد من التدخل للحفاظ على النفوذ الروسي فيها , فسوريا تشكل ساحة مناسبة لروسيا تستطيع فيها مقارعة النفوذ الأمريكي والسياسة الأمريكية فيها , ومنافستها في منطقة قريبة من الحليف الأكبر للولايات المتحدة وهو إسرائيل , وبالتالي الاستفادة من الأهمية السياسية والاستراتيجية للمنطقة من أجل العودة بقوة للساحة الدولية مستغلة ضعف إدارة أوباما وترددها في إدارة الصراع في المنطقة وبالتالي ملئ الفراغ الذي تركته الإدارة الأمريكية , مما يعني الإبقاء على حالة التوتر السياسي في المنطقة في ظروف مشابهة لما كانت عليه الحرب الباردة قبل العام 1990 .
من الناحية الاقتصادية هو الأمل الأخير لروسيا للحفاظ على ممر لها وتواجد على المياه الدافئة وخسارتها لسوريا يعني خسارة ممر إلى البحر المتوسط وبالتالي خسارة منطقة استراتيجية هامة من العالم اقتصادياً وسياسياً , كذلك فإن خسارة سوريا تعني خسارتها للمشاريع الاقتصادية والاتفاقيات التجارية مع سوريا , وبالتالي خسارة لمجالات الاستثمار في النفط والغاز والثروة المعدنية , وخسارتها لمشاريع الطاقة والسدود واستخراج الغاز المتوقع وجوده في الساحل السوري وهو سر الاهتمام الروسي الخاص بمنطقة الساحل , مما دفعها لتوقيع عدد من الاتفاقيات مؤخراً مع النظام السوري من ضمنها اتفاقية إستئجار مرفأ طرطوس والسيطرة عليه بشكل كامل عبر إدارته من قبل السلطات الروسية , ويعود الاهتمام الاقتصادي بسوريا إلى الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا وبالتالي نوع من تصديرالأزمة , كما يعتبر الساحل السوري منطقة تجميع وتصدير للغاز الروسي الذي يعمل الروس على تجميعه ونقله إلى أوربا عبر خطي غاز السيل الشمالي والسيل الجنوبي /مشاريع لنقل الغاز الروسي والأسيوي إلى أوربا عبر سوريا /.
-يتعلق تدخلها بتوسيع نطاق الحماية للأمن القومي الروسي ومحاربة الجماعات /المتشددة/ خارج النطاق الإقليمي لروسيا , على وجه الخصوص تلك القادمة من الدول المجاور لها وبالتالي شن حرب استباقية عليها في الأرض السورية , ومحاولة التخلص من تلك العناصر حتى لاتشكل عودتها المستقبلية خطراً على الأمن القومي الروسي .
طبيعة التدخل الروسي في سوريا
اتخذ التدخل الروسي في سوريا ثلاثة أشكال وأنماط مختلفة بدأت مع اليوم الأول لإنطلاق الثورة السورية
إلا أن هذا التدخل بكافة أشكاله كان له هدف واحد هو دعم النظام السوري والحيلولة دون إسقاطه ومعاقبته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري , مرهذا التدخل بثلاث مراحل رئيسية
1-إدارة الأزمة : استمرت هذه المرحلة منذ اليوم الأول للثورة السورية من خلال دعم نظام الأسد سياسياً وإعلامياً وتوجيه النصح والمشورة له , ودعمه بمستشارين عسكريين وأمنيين ومحاولة تبني ودعم رؤية النظام لما يحدث في سوريا , وفي هذا الصدد عملت روسيا على تعطيل قوانين ومشاريع قوانين في مجلس الأمن على مدار السنوات التي تلت إنطلاق الثورة في سوريا , حيث وقفت وبقوة مدافعة عن نظام الأسد ضد أي مشروع قرار يدين الإنتهاكات التي يقوم بها النظام السوري بحق السوريين , نتج عن هذه السياسة استخدام الروس لحق النقض /الفيتو/ في مجلس الأمن سواء بشكل منفرد أو بتنسيق مع الصين , حيث وصل عدد القرارات التي اعترضت عليها روسيا 15 نقضاً /فيتو/ كانت جميعها رافضة لأي مقترح أمريكي أو أوربي أو عربي يدين نظام الأسد , كذلك حاولت الحكومة الروسية تسويق رؤيتها لمايجري في سوريا خلال لقاءات مسؤوليها بنظرائهم الغربيين خاصة مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية إذ شهدت لقاءات /بوتين ترمب وبوتين أوباما / كذلك لقاءات سيرغي لافروف مع كيري وبومبيو / الكثير من الحوارات حول الوضع السوري ,
لاحقاً عين بوتين مبعوثاً روسياً /بوغدانوف / لمتابعة العلاقات مع النظام السوري يتبع لوزارة الخارجية الروسية كانت مهمته التنسيق بين الطرفين والعمل على التواصل بينهما , ومع اقتراب الحل السياسي عين بوتن مبعوثاً خاصاً له في سوريا /هو الكسندر يفيموف/
مهمته متابعة الشأن السوري وماتقوم به مؤسسات النظام والعمل على التواصل مع الرئيس الروسي بشكل مباشر والعمل على تنسيق المواقف السياسية بما يناسب الرؤية الروسية , والعمل على تعويم النظام السوري مجدداً وفك العزلة السياسية عنه .
وفيما يعتبر محاولة روسية للفوز بمكاسب جديدة كتعويض عن خسائرها في سوريا , كذلك في استغلال لحالة التخبط التي تعيشها حكومة الأسد يقوم الروس بالتغلغل داخل مفاصل السلطة وتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأمد بذريعة إنقاذ الاقتصاد السوري من الإنهيار .
استمرت حالة الفاعلية السياسية الروسية بشكلها الذي بدأته مع إنطلاق الثورة السورية , لتترافق مع تدخل عسكري روسي مباشر ففي 30 سبتمبر أيلول 2015 أعلن الرئيس الروسي فلادديمير بوتين التدخل العسكري المباشر في سوريا من خلال بدء الغارات الجوية الداعمة لجيش النظام السوري ومن خلال إرسال معدات ومقاتلين روس إلى سوريا وهنا بدأت المرحلة الثانية من التدخل الروسي في سوريا وهي مرحلة
الإنخراط في الأزمة
فشل النظام السوري بالرغم من استخدامه للحل الأمني في التعاطي مع مفرزات الثورة السورية /شمل الحل الأمني عمليات المداهمة والاعتقال وتدخل الجيش عبر استخدامه للسلاح الثقيل ومن ثم مشاركة سلاح الجو في عمليات قصف المدن ومواقع الجيش الحر , كذلك استهداف منازل المدنيين في المدن التي تعتبر حواضن للثورة مما تسبب بمجازر كيرى في صفوفهم وتدمير الجزء الأكبر من البنية التحتية فيها / اعتمد النظام السوري على قوى الأمن والجيش مدعوماً من حزب الله اللبناني وبعض المليشيات الإيرانية وضباط الحرس الثوري الإيراني , ومع ذلك سيطر الجيش الحر على مايقارب 75% من مساحة سوريا ومعظم المناطق الثارة التي خرجت عن سيطرة النظام السوري , وبالرغم من الدعم السياسي الروسي إلا أنه كان لابد من التدخل العسكري المباشر لإنقاذ نظام الأسد , حين قرر الرئيس الروسي بوتن 30 سبتمبر أيلول 2015 إرسال ضباط وجنود وطائرات إلى قاعدة حميميم /مطار باسل الأسد سابقاً بالقرب من مدينة اللاذقية / التي أصبحت فيما بعد القاعدة التي تحوي مركز القيادة الروسية في سوريا , وتدار من خلالها العمليات الروسية العسكرية والسياسية /ومركز لتنسيق العمليات الروسية بمافيها عمل المبعوث الروسي ومركز لإدارة عمليات المصالحة في سوريا / كما أصبحت مركزاً لإدارة المفاوضات وإطلاق التصريحات حول الوضع في سوريا والإشراف على متابعة عمليات المصالحة والسيطرة على المناطق في سوريا .
الذريعة الروسية للتدخل
جاء التدخل الروسي تحت ذات الذريعة التي تدخلت بها الولايات المتحدة وإيران وجميع القوى المتداخلة بالشأن السوري وهي /مكافجة الإرهاب / حيث تختلف كل قوة من تلك القوى بتفسيرها لمفهوم الإرهاب وتعمل على تفسيره حسب وجهة نظرها ورؤيتها وموقفها السياسي .
يقصد الروس بالإرهاب كل من شارك بالثورة السورية بطوريها المدني والمسلح /لايفرق الروس في تسميتهم بالإرهابيين بين المتظاهرين السلميين وبين الجيش الحر أو الفصائل المتشددة ك جبهة النصرة أو تنظيم داعش فكل من وقف ضد النظام السوري هو إرهابي حسب وجهة النظر الروسية /
وإن كان الروس يقصدون حسب تصريحات لافروف حينها بالإرهاب كلاً من جبهة النصرة وتنظيم داعش , لكنهم خلال عملياتهم العسكرية على الأرض لم يفرقوا بين جميع مكونات الشعب السوري /المدنيين منهم والمقاتلين /
إذ شن الطيران الحربي الروسي منذ اليوم الأول عشرات الغارات على مختلف مناطق الصراع , واستهدفت غاراته البنية التحتية في المناطق التي يسيطر عليها /الجيش الحر / أو مناطق المدنيين الحاضنة الشعبية للجيش الحر مستهدفة المشافي الميدانية /تعالج المشافي الميدانية جميع المتواجدين في مناطق تغطيتها وتقدم لهم العلاج اللازم والعمليات الجراحية عبركوادر متطوعة في الغالب وبجهود كبيرة في ظل عدم توفر المعدات والإمكانيات اللازمة لعملها / والمدارس التي تحولت في معظمها لمأوى للنازحين من مناطق الإشتباكات , كما استهدفت محطات مياه الشرب والمعابر النهرية ومنازل المدنيين , إذ بلغت الاستهدافات ألاف الأماكن وعدد المجازر التي ارتكبها الطيران بلغ المئات بحق الكثير من المدنيين من شيوخ ونساء وأطفال , لكن وبالرغم من عمليات القصف الجوي لم يحقق نظام الأسد تقدماً كبيراً على الأرض مما استدعى تدخلاً روسياً عبرشركة فاغنر.
من كتاب الصراع في سوريا
تأليف فراس علاوي
عن دار موزاييك للدراسات والنشر