مقال رأي
فراس علاوي
ديرالزور القنبلة الموقوتة
في كل مرة تبتعد فيه ديرالزور عن واجهة الأحداث تعود مجدداً لتتصدر المشهد، إذ تمثل المحافظة نموذجاً مصغراً للصراع في سوريا، حيث تتلاقى جميع القوى الفاعلة على الأرض السورية على جغرافيا المحافظة، وتتمثل المشاريع الدولية والإقليمية التي تعمل الدول على إنتاجها فيها، نواة للمشاريع التي تريد العمل عليها في سوريا بشكلها العام، إذ تعتبر المحافظة بوابة المشروع الإيراني في سوريا والهادف لإقامة كاريدور بري يمتد من بغداد عبر الحدود العراقية السورية في البوكمال وصولاً إلى دمشق ثم اللاذقية وبيروت، لتحقيق مشروع نقل الغاز الإيراني لأوربا.
بالمقابل تشكل المنطقة هدفاً لبقاء أمريكي طويل الأمد عبر إقامة قواعد عسكرية بالقرب من الحدود العراقية السورية، وذلك لحماية مصالح الولايات المتحدة في العراق عبر تأمين المنطقة الشرقية من سوريا والتي تعتبر عمقاً إستراتيجياً لغرب العراق حيث عين الأميركان على النفط العراقي، وبالتالي حمايته وسهولة تأمين طرق نقله وإمداده بالخدمات اللوجستية، كما أنها ساحة مناسبة لمواجهة إيران في سوريا وقطع الطريق على مشروعها الإقليمي .
كذلك تعتبر المنطقة هدفاً روسياً وإن كان بصورة أقل من الرغبة الأمريكية بالبقاء، إلا أن الوجود الأمريكي فيها يغري الروس بالتواجد فيها كأحد ساحات المنافسة الروسية الأمريكية في سوريا، وبالتالي تشهد أحد أشكال الحرب الباردة بين القوتين في سوريا.
كما تشكل المنطقة منطقة تنافس بين مشروعين،
الأول مشروع قسد والهادف لإقامة /كانتون / كردي في المنطقة الممتدة شرق الفرات، مستغلة ضعف الدولة السورية كمكون بشري وسياسي والظرف الدولي الملائم لقيامها، لذلك هي تسعى لإقامة سلطة أمر واقع على جغرافيا المنطقة بالرغم من الرفض الشعبي لكثير من ممارساتها، إلا أن الإرتباط الواضح بين مشروع قسد ومنطلقات وسياسات حزب العمال الكردستاني pkk.
يجعل من هذا المشروع صعب التحقيق، في ظل رفض تركي وصراع كردي كردي وعدم قبول شعبي .
بالمقابل نشأ عن هذا المشروع مشروع تركي رافض لقيام أي شكل من أشكال الدويلة الكردية بالقرب من حدوده، وبالتالي امتداد الصراع ليصل إلى شرق الفرات بعد أن كان محصوراً في مناطق جنوب تركيا.
لاعب آخر مهم لايزال له وجود في المنطقة بالرغم من الإعلان عن القضاء عليه وهو تنظيم الدولة الإسلامية / داعش /، إلا انه لايزال فاعل ونشط ويقوم بأدوار تسببت في خلط الأوراق في أكثر من مناسبة وعلى ضفتي الصراع شمال وجنوب نهر الفرات كما يعرفه أهل المنطقة، أو شرق وغرب كما تحدده الجغرافيا السياسية.
كما يبقى نظام الأسد بالرغم من مايعانيه من ضعف في القرار أو التأثير إلا أنه عامل توتر كبير في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالبيئة المحلية حيث تسببت المواقف منه عامل إنقسام بين الحاضنة الإجتماعية في المنطقة
بين مؤيد لسيطرته ورافض لعودته.
كل هذه القوى وهذه المشاريع تجعل من المنطقة قابلة للإنفجار بأي لحظة، وأن أي احتكاك أو خطأ في قواعد الإشتباك قد تؤدي لإندلاع صراع من الممكن أن يتحول لصراع إقليمي أو حتى دولي، ومع استبعاد إندلاع مثل هكذا صراع لعدم وجود رغبة لدى الدول المتداخلة بالشأن السوري في خوضه، إلا أن احتماليته تبقى قائمة بشكل كبير.
ماحصل خلال الساعات الماضية مؤشر كبير على أن حالةعدم الاستقرار والرسائل السياسية وحتى الأمنية منها هي مقدمات إما لتفاهمات جديدة حول المنطقة أو لتصعيد يفضي لتفاهمات جديدة.
فلانستطيع الفصل بين مقتل ضابط روسي كبير وجرح عدد من المقاتلين الروس شرق ديرالزور، عن استهداف القاعدة الأمريكية في حقل كونيكو شرق ديرالزور بصواريخ الكاتيوشا، كذلك نشاط خلايا التنظيم خاصة في مناطق سيطرة المليشيات المدعومة من إيران ونظام الأسد، ومقتل عدد من عناصر الدفاع الوطني التابع للمليشيات الإيرانية بعد وقوعهم في حقل ألغام، بالمقابل ازدياد الحراك والنشاط الشعبي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية / قسد / والرافض لسياساتها والإعلان عن تشكيل لجان متابعة للحراك العشائري الذي إنطلق بعد حادثة مقتل مطشر الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات، واستغلال عدد من وجهاء ونشطاء المنطقة الحادثة للعمل على تجميع القوى الإجتماعية والعشائرية من أجل تحقيق مطالب تخفف من قيود سلطة قسد كسلطة أمر واقع وبذات الوقت تنهي عملية تهميش أهل المنطقة عن إدارتها سياسياً ومدنياً وأمنياً.
كل هذه المقدمات قد يؤدي أي تصعيد فيها أو خطأ في الحسابات إلى تفجير الوضع المعقد والمتشابك بين مصالح محلية وأخرى إقليمية وحتى دولية.
الصورة لأسماء اللجنة السياسية التابعة لنظام الأسد والمكونة من شخصيات اجتماعية وشيوخ عشائر مؤيدة للنظام.
الصورة لبيان لجنة المتابعة لإجتماع الشيوخ والوجهاء في مناطق سيطرة قسد