الخميس , مايو 2 2024
الرئيسية / مقال / سوريا وإشكالية الدولة الوطنية

سوريا وإشكالية الدولة الوطنية

مقال رأي 

فراس علاوي

لم تشكل سوريا والحديث هنا عن سوريا بشكلها الحالي وحدودها الجغرافية ونفوذها (الجيوسياسي ) والتي لم يبلغ عمرها قرناً من الزمن بعد , دولة ذات بعد وطني أي يمكن تسميتها بالوطنية السورية .

فبالرغم من استقلالها المبكر نوعاً ما , إلا أنها لم تستطع (النخب الحاكمة ) تأسيس دولة تقوم على المواطنة إذ فشلت تلك النخب بالرغم من تمبزها على المستوى الفردي , كشخصيات سياسية ذات حس وطني في إضفاء الصفة الوطنية على الدولة السورية الحديثة . إذ خضعت هذه التجربة الوليدة (الدولة السورية ) لتجاذبات كثيرة أضاعت شملها العام .

فبين التجاذبات الدولية الحديثة أيضاً إثر إنتهاء سيطرة القوى التقليدية وصعود قوى جديدة (الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ) إلى تجاذبات إقليمية خاصة الصراع بين محوري مصر والعراق إذ إنعكس هذا الصراع بشكل مباشر على سوريا التي كانت أحد حلقاته , وظهر ذلك جلياً في سلسلة الانقلابات التي أطاحت بمدنية الدولة وشكلها السياسي وإنزياحها لشكل أخر من دول العسكرتارية .

الصراع التي عاشته تلك النخب بين الانتماء لسوريا الكبرى القوميون السوريون أو للوطن العربي القوميون العرب والصراع بين الملكيات التي كانت قائمة والحمهوريات الوليدة كان مؤثراً لعدم ظهور شكل واضح للدولة الوطنية .

إلى أن مسح جمال عبد الناصر جميع مقومات وملامح تلك الدولة إبان إعلان الوحدة مع مصر , إذ تنازل الساسة السوريون عن شكل الدولة واسمها وهويتها لصالح كيان جديد لم يلبث أن إنهار تاركاً إياها ضحية خلافات بين الساسة والعسكر استمرت لعقد من الزمن انتهت بانتصار ساحق لمشروع غير وطني قاده العسكر وصولاً لحافظ الأسد الذي حوله إلى شكل أخر شبيه بجمهوريات الموز .

داخلياً

خضعت سوريا لشكلين من القوى النافذة  لم يحملا هوية وطنية لكنها بذات الوقت لم تحقق شكلاً آخر للدولة فبقيت مبهمة الهوية تتراوح بين دولة تابعة أو منغلقة على ذاتها دون شكل واضح يحكمها.

القوى التي تصارعت في سوريا كانت تشبه بعضها البعض شكلاً وتختلف حد التنافر مضموناً وهو ماجزء المجزء داخلها وجعلها عرضة لتغيرات متسارعة .

إذ كانت المشاريع فوق وطنية ك ( القوميون ، الأخوان المسلمون ، الشيوعيون ) وهي مشاريع تبحث عن شكل آخر لهوية الدولة السورية ، يكون تابعاً إما لمسار أممي أو إقليمي يحمل هوية إثنية عقائدية ذا مرجعية دينية مرتبطة بالإسلام السياسي أو مسار عروبي قومي وبالرغم من قدم هذه التيارات والصراع الذي خاضته ، إلا أنها فشلت جميعاً في الوصول للسلطة أو في تحقيق إجماع واضح حول مشاريعها ، وإن كان التيار القومي قد شهد نوعاً من المد في وقت من الأوقات .

فيما حملت مشاريع أخرى صفة تحت وطنية حملتها فئات محلية مستفيدة همها الأساسي بناء سلطات محلية تحقق مكاسب محدودة ، لكنها كافية لها من قبيل مشاريع مثل
“العشائرية ، الطائفية الدينية ، والطائفية بشكلها ” العائلي” المدعوم من تشكيل سياسي يحمل عناوين قومية غير قابلة للتنفيذ ، لذلك انحسرت لتتحول إلى مشاريع محلية هدفها خدمة مشروع واحد “لاوطني” تجربة حزب البعث بعد العام 1970 مثلاً .
فيما فشلت العائلية السياسة ” الأسر الاقطاعية وأصحاب الملكيات ” والعشائرية في تحقيق أي أثر.

نجح العسكر بتحقيق شكل من السلطة المحلية قائم على تعاون مصلحي بين السلطة والمستفيدين منها من رجال اقتصاد ودين ومثقفين ضمن بوتقة طائفية داعمة لهذا التعاون ، ومن ثم تحول هذه السلطة إلى سلطة العائلة أزالت أي شكل آخر للدولة وتحولت سوريا إلى ” سوريا الأسد “

كان إنطلاق الثورة السورية فرصة لاستعادة الهوية الوطنية أو تثبيتها وهو ماحملته شعارات التظاهرات الأولى

لكن هذه الفرصة سرعان ماتضاءلت أمام استيقاظ المشاريع الاخرى .
ففي حين تضاءل المشروع الأممي “الشيوعي” لأسباب تاريخية تتعلق بانهياره عالمياً ، إنحاز المشروع ”  القومي ” لجانب النظام التعسفي القمعي وبالتالي سقط أخلاقياً في سوريا ، كما حدث نوع من التقارب المستهجن شكلاً لكنه في العمق كان تلاقياً مصلحياً مابين المشروع القومي والمشروع الإيراني في البلدان العربية مما أفقده أيضاً مكتسباته التي حققها سابقاً بالرغم من الشعارات البراقة التي حملها .

بالمقابل فقد أيقظت الثورة مشاريع أخرى بعضها قديم في وجوده مثل مشروع الأخوان المسلمين في سوريا والذي تضاءل لفترة لكنه عاد مع موجة الربيع العربي مستفيداً من رغبة الجماهير في التغيير لكنه بقي يحمل ذات الصبغة فوق الوطنية غير مستفيد من التجارب القريبة التي تسببت بنكوصه في مصر وتونس ، إذ يرتبط مشروع الأخوان برؤيتهم لشكل الدولة ب”التنظيم العالمي ” الذي ينفي عن الدولة الهوية الوطنية محولاً إياها لشكل من أشكال التبعية ، وبينما كانت التبعية لمركزية عربية فيما سبق تحولت لاحقاً لتبعية إقليمية مما جعلها تبتعد عن مقاربة الفكرة العروبية “القومية” التي كانت تتسق معها سابقاً في سبيل تحقيق أهدافها المرحلية حينها .
كذلك شكل تطور الأزمة السورية وطول أمدها ظهور مشاريع عابرة للحدود وفوق وطنية وحتى أممية كمشروع تنظيم داعش وجبهة النصرة “القاعدة” وغيرها ، والتي وجدت في الصراع في سوريا بيئة خصبة للدعوة لتلك المشاريع والحشد لها .
بالمقابل فإن الصراع عزز بصورة واضحة المشاريع “تحت الوطنية ” وأسس لشرخ واضح في الهوية الوطنية ربما يحتاج لسنوات حتى يتم ترميمه .

إذ ظهرت مشاريع ذات توجه إنفصالي كمشاريع ” قسد ” او دعوات بشار الأسد لإقامة سوريا المفيدة
كذلك أصبح هناك تقبل لأفكار قد تعزز مفاهيم اللاوطنية على حساب المفاهيم الوطنية الجمعية من قبيل القبول بالإنفصال أو الفدرالية ، وبالتالي فإن شكل الدولة السورية بقي يدور في ذات الحلقة ، مابين تابعية إقليمية ومشاريع داخلية لاتعطي جميعها الهوية الوطنية للدولة السورية .

 

 

 

 

شاهد أيضاً

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”؟!   نظام مير محمدي كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + ثلاثة عشر =