فراس علاوي
تنظيم داعش… غزوة الطحين
يستمر مسلسل الكر والفر في معارك ريف دير الزور الشرقي، ففي حين تعلن مليشيا قسد عن بدء عملياتها العسكرية وسط تخبط واضح في صفوفها، نتيجة تحركات تنظيم داعش وغاراته المفاجئة واستغلاله لعوامل الطقس والتي تحد من حركة الطيران والعمليات خلف خطوط قسد مما بث الرعب في صفوف عناصرها وقياداتها.
استغلّ التنظيم حالة التخبط وصعوبة التنسيق بين التحالف وقسد ليشن سلسلة من الهجمات، كان أبرزها هجوم انطلق من قرية السوسة عبر بادية الشعفة ليصل إلى بادية الكشمة، حيث استهدف نقاطاً لتجمع مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية قسد، وقتل وجرح عدد من مقاتليه ومن ثم العودة الى نقاط انطلاقهم.
الهجوم الأبرز كان إنطلاقا من مدينة هجين وعبر البادية باتجاه مناطق سيطرة قسد في قرية البحرة المتاخمة لمدينة هجين من جهة الغرب، حيث شن التنظيم وعبر مجموعة من مقاتليه الانغماسيين الساعة 9 صباحاً بتاريخ 24 نوفمبر الجاري هجوماً على بلدة البحرة عبر محورين من بادية البحرة، مستغلاً غياب طيران التحالف الدولي.
توغّلَ عناصر التنظيم الذين قدموا عبر رتلين مؤلفين من ما يقارب 20 سيارة وعدداً كبيراً من الدراجات النارية، وباستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بغزارة، حيث سيطروا على عدد من نقطاط تجمع عناصر قسد من أتجاه البادية، ثم اقتحم مقاتلو التنظيم بلدة البحرة من محورين، الأول البحرة الغربية المحاذية لبلدة غرانيج من الجهة الشرقية، والمحور الثاني وسط البحرة. تقدم التنظيم كان سريعاً، ولم يحظ بأي مقاومة من قبل مليشيا قسد، مع غياب تام لطيران التحالف الدولي.
توزع عناصر التنظيم وبسرعة في البحرة الغربية والبحرة الوسطى، ووضعوا عدد من الحواجز أهمها الحاجز الذي يفصل غرانيج عن البحرة سابقاً وكان يدعى حاجز الولاية. وبعد تثبيت النقاط التي سيطروا عليها تابع عناصر التنظيم التقدم باتجاه بلدة غرانيج وصولاً حي معدان، الأمر الذي تسبب بهلع بين المدنيين وموجة نزوح في البلدة.
انسحاب عناصر قسد المفاجئ وضع المدنيين على خط المواجهة مع عناصر التنظيم حيث دافع المدنيون من أهالي قرية غرانيج عن أنفسهم أمام هجوم التنظيم، واستطاعوا مقاومته حتى انسحب عناصره بعد ظهر اليوم نفسه.
بعد سيطرة عناصر التنظيم على بلدة البحرة قاموا بإجبار أصحاب محلات المواد الغذائيه وأصحاب صيدليات الطبية على فتح محلاتهم، لكنهم قاموا بشراء المواد غذائيه والمستلزمات حسب شهادات من داخل القرية، مما يدل على أن سبب الهجوم كان الحصار الأقتصادي الذي يفرضه التحالف وقسد على المنطقة الخاضعة لسيطرة التنظيم، حيث قام العناصر المهاجمون بشراء كل ما استطاعوا، ومن ثم قاموا بتفريغ احد المستودعات التي تحتوي على مواد غذائية ولوجستية تعود لمقاتلي قسد. كذلك كان من أهداف هذا الهجوم هو الحصول على مادة الطحين التي فقدت في مناطق سيطرة التنظيم واستطاعوا العودة بكميات منه، كذلك قام عناصر التنظيم بمهاجمة مدرسة البحرة وسط والتي تتخذها قسد سجناً لاسرى التنظيم، وقاموا بتحرير العديد من عناصرهم، كما استطاع عناصر التنظيم تصفية عدد من المطلوبين للتنظيم في المنطقة، وهو هدف آخر من اهداف الهجوم.
لم يستمر الهجوم طويلاً، حيث وبعد ظهر اليوم نفسه بدأ عناصر التنظيم بتجميع أنفسهم بذات نسق الأرتال التي دخلوا فيها القرية وانسحبوا وفق نفس المحاور التي دخلوا منها، ليقوم بعدها طيران التحالف الدولي بقصف منزل المدعو صالح محمد العلي من سكان البحرة الغربية، وذلك بسبب وجود مضاد طيران يعود للتنظيم كان على سطح المنزل.
هذا الهجوم، وسهولة الدخول لعمق مناطق سيطرة قسد يطرح الكثير من الأسئلة حول هشاشة دفاعات قسد وحالة الارتباك التي تسود صفوفه من جهة، وفاعلية التعاون والتنسيق بين قسد وطيران التحالف من جهة أخرى، وحول قدرة التنظيم على الحركة والمناورة وخفة التحرك وسرعته على الأرض وعن الحالة الهشة لخطوط الاشتباك في تلك المناطق. وكذلك حول خوف الأهالي من تكرار مجازر التنظيم، خاصة في مناطق الشعيطات والتي أصبحت في مواجهة التنظيم في غضون ساعات، وحول معاناة قاطني مناطق التنظيم خاصة المدنيين الاقتصادية وحالة الجوع والنقص في مستلزمات الغذاء والدواء التي دعت عناصر التنظيم لهذه المغامرة.
هذا التقدم والعمليات العسكرية في محيط حقل التنك الذي غادرته القوات الفرنسية مبتعدة الى حقل العمر النفطي شمال غرب مدينة ابو حمام، رافقه قدوم تعزيزات لما يسمى جيش الثوار وهو فصيل تابع للجيش الحر سابقا قبل ان ينضوي تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية بقيادة أبو علي برد حيث اتجهت الارتال لمحيط مدينة هجين وتحديدا للمناطق التي انسحبت منها القوات الفرنسية.
تطور آخر حصل على الجهة المقابلة لمناطق سيطرة التنظيم حيث جرت اشتباكات على الحدود العراقية السورية بالقرب من قرية الباغوز بين الحشد الشعبي العراقي وبين عناصر تنظيم داعش استخدم فيها الحشد المدفعية الثقيلة. ويبدو أن تقدم التنظيم على حساب مليشيا قسد في تلك المناطق قد استفز الحكومة العراقية، مما استدعى تدخل الحشد للسيطرة على الحدود.
لا يزال الموقف غامضا في ظل عدم اتخاذ القرار بالحسم العسكري من قبل التحالف والذي يبدي عدم جدية في تقديم الدعم لقسد بشكل كامل وواضح.