الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / صناعة الصنم

صناعة الصنم

فراس علاوي

صناعة الصنم
تقول المرويات والقصص المنقولة عبر الأزمنة أن أهل قريش صنعوا بعضا” من أصنامهم الخاصة بهم من التمر ، فكانوا يزينون بيوتهم فيها طلبا لمرضاة الله وتدبير أمورهم لكن عندما يجوع أحدهم ولايجد ما يأكله يعود لإلهه فيأكله …
هكذا توارث الكثيرون صنع الصنم فتحول مع الأيام من صنم يعبد إلى آخر يمدح ويتسابق الشعراء في مدحه ووصف بطولاته ومغامراته وغزواته العاطفية على أنها إنتصارات ،
حتى وصل التأريخ آخر محطاته ليعيد سيرته الأولى في صناعة الصنم فتحول إلى صنم من حجر ، لكنه يحكم البلاد ويسير قوافل الشرطة والأمن ويملأ السجون والمعتقلات يسبح المنافقون بحمده ويتسابقون لنيل رضاه ….
أصبح الصنم قائدا” ورمز وخطبه مهما كانت فارغة أصبحت دساتير عمل وقصائد رنانة ومعاركه الخاسرة ملاحم بطولة..
حتى أعطاه مريدوه صفة الأبد ووضعوا في كل زاوية وشارع وفي كل ساحة له صنم ، وكأنه يراقبهم ليل نهار ويسجل كلماتهم ويحصي عليهم أنفاسهم …
أطلقوا أسمه على الشوارع والمشافي على المعامل والأكشاك على المقابر ومدن الملاهي …
وأطلقوا على أولاده الألقاب الرنانة كيف لا وهم أبناء الصنم ،
عندما بلغ السيل الزبى كانت أولى ردود فعل من ثاروا بأن حطموا الأصنام فأكلتها الثورات الجائعة للحرية ، فقد كان الصنم رمزا للعبودية والذل ورمزا” للغطرسة ، في كل زاوية وصلها طالبوا الحرية تم تحطيم أصنامها..
وخوفا” على صنمهم الأكبر قام منافقو السلطة ورجال الصنم بإخفائه عن الأنظار في أغلب المناطق لكنهم لم يأكلوه كما أكلته ثورة الأحرار ، بل احتفظوا فيه وحنطوه ووضعوه في مخازن العبودية علهم يحتاجونه يوما” فيعيدوا نصبه في ساحاتهم ..
وهذا ماحدث ففي كل مكان وصلت إليه أيديهم مجددا” أعادوا وضع الصنم بعدما أزالوا عنه غبار الحرية الذي تركه من ثاروا عليه ومن ثم وعلى ركام الدمار نصبوه ..
اعادوه إلى مكانه إحتفالا” بعبوديتهم وأبتهاجا” بالسلاسل التي تحيط بأعناقهم ، فالصنم في نظرهم هو من سيعيد الإعمار من سيعيد الكهرباء والماء من سينقي الهواء من سيبني الحطام الذي تركته الطائرات التي خرجت بقذائفها تدافع عن الصنم ، نعم أعادوه إلى مكانه وأعادوا الروح لعبوديتهم وذلهم فهكذا تصنع الأمم أصنامها وتنصبها ولو كانت على حساب البلاد وأهلها وبشرها وشجرها.

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × واحد =