الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / عندما كنت مراسلا….

عندما كنت مراسلا….

حَدَثَ حين كنت مراسلاً لقناة “الحرة” واذاعة”سوا”..!.
1 – 6

عمار مصارع

رغم تنوع العمل والاختصاصات المتزايدة في المحطات التلفزيونية والاذاعية الاخبارية اليوم، وتعدد المهام والبرامج فيها، والتقدم الكبير في وسائل الاتصال بشكل عام، مازلت من المنحازين إلى من يرى أن المراسل الصحفي هو المفصل الأهم في عمل هذه الوسائل الاعلامية، وهو الأقرب إلى العمل الصحفي بمفهومه وتعريفه المثالي، الذي يتطلب “امتلاك الفضول والحس الاخباري والقدرة على المثابرة والشك في مايقدم له من معلومات وتدقيقها والموضوعية في تقديم المعلومة”، وقبل هذا وذاك بسبب وجوده الجسدي في موقع الحدث، ومايعنيه هذا الوجود من خطورة أحياناَ، وهذا كله لايعني– بالطبع- التقليل والانتقاص من أهمية ودور الأقسام والمهام الأخرى، إذ بعملها وتناغمها – جميعاً – يتحقق العمل الصحفي الناجح، ويصل إلى مبتغاه.
كنت من المحظوظين في العمل مراسلًا صحفياً في سورية لقناة “الحرة” في بداية انطلاقتها، واذاعة “سوا” في سنواتها الأولى، وكنت المراسل الأول الذي يظهر على شاشة “الحرة” عند انطلاقتها، وهو الأمر الذي لم أجد له تفسيرا إلا المصادفة البحتة، أو ربما يكون للزملاء في واشنطن – يومها – رأي آخر، إذ أنني كنت مراسلاً في سورية، بكل ما يستدعيه هذا الاسم من تداعيات تتعلق بالتضييق على العمل الصحفي والحدود الواجب عدم تخطيها، والمصاعب التي تواجه الصحفي في بلد الرأي الواحد، لهذا اختاروني لأكون المراسل الأول الذي يظهر في أول نشرة أخبار في “الحرة”، كنوع من التكريم والدعم لي، وكإشارة رمزية لأمر ما .!.
بسبب خصوصية العمل مراسلاً لقناة تفسح المجال واسعاً للرأي الآخر، في بلد لايسمح المسؤول فيه لصوت يعلو على صوته، أو يخرج عن حدود الدائرة التي رسمها، لابد – عندها – من أن يترافق عمل المراسل ببعض التفاصيل والمواقف ذات الطبيعة الخاصة، التي تصل أحيانا الى حد أنه يمكن تصنيفها في خانة المضحك/المبكي، وسأحاول هنا استذكار بعض ماحدث معي خلال عملي مراسلاً صحفياً، قبل أن تمنعني السلطات السورية – ممثلة بوزارة الاعلام والأجهزة الأمنية- من العمل، وتهدد أي مصور سوري “يتورط” ويصور لي تقريراً بقطع اليد على حد تعبير معاون وزير الاعلام أنذاك ( لله والتاريخ المعاون أرحم من تنظيم داعش الارهابي الذي يقطع اليدين الاثنتين فيما المعاون اكتفى بقطع واحدة .. نيالنا على هالنعمة..!. )، عندما جمع المصورين في منطقة المصنع الحدودية مع لبنان، ليلة خروج الجيش السوري من لبنان، وأبلغهم قراره ووعيده.. !.
قبل انضمامي لفريق “الحرة” ساعة تأسيسها، واعتمادي مراسلا لها ولاذاعة “سوا”، عملت مايزيد عن عشرين عاما (عاماً ينطح عاماً) في جريدة رسمية، استطعت خلالها الاقتراب من معرفة الاعلام الرسمي السوري جيدا، والتعرف على الدهاليز التي يسير عبرها، وحدود المسموح والممنوع، و”كيف تمشي الحيط الحيط”، ولكن في الوقت نفسه غاب عني فهم أشياء كثيرة، لم أجد لها تفسيراً حتى الساعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أذكر أنني كنت محرراً مناوباً ينتهي عنده عدد الجريدة، ويمتلك قدرة الحذف والقص والاستبدال إذا مااستشعر خطرا في مقال يساهم في “وهن نفسية الامة واضعاف الشعور القومي” وأحياناً “زعزعة النظام الاشتراكي” ( بحجة هذه العناوين تم سجن عشرات الآلاف واعدام الآلاف من الذين طالبوا بشئ من حرية الكلام والتعبير)، ورغم أنني لم أخرج يومها من المطبعة إلا بعد انتهاء العمليات الفنية، وتهيئة “البلاكات” للطبع، وقراءة وتدقيق مانشيتات الصفحة الاولى، إلا أن ماقرأته صبيحة اليوم التالي في الصفحة الاولى من الجريدة، وتتماتها على الصفحة ماقبل الاخيرة كان شيئاً آخر مختلفا عن الذي وافقت عليه ودققته، وكأن جنياً خفياً كان معنا في المطبعة يضع لمسته الآخيرة..!.
يضاف الى عملي في الاعلام الرسمي، الذي لم أعمل على مدى عقدين من الزمن في أي قسم سياسي فيه، وإلى النشر في بعض الصحف اللبنانية والخليجية، والعمل لفترة قصيرة مراسلاً لتلفزيون أبو ظبي قبل التحول إلى البث الفضائي، يضاف الى هذا انتقالي للعمل كأمين تحرير لأكثر من عامين في جريدة “الدومري” التي أصدرها الصديق رسام الكاريكاتير العالمي علي فرزات، لتكون أول جريدة خاصة في سورية بعد نحو أربعين عاما من حكم البعث، الذي كان قراره الأول ( المرسوم رقم 1 لعام 1963)، بعد استيلائه على السلطة، يقضي باغلاق كل الصحف في سورية، والاقتصار على صحف الدولة كالبعث والوحدة التي تحول اسمها الى الثورة، حيث كنت أعمل..!.
كانت تجربة العمل في جريدة “الدومري” هامة لي، في معرفة بعض “الحِيَلْ” التي تتيح للصحفي الابتعاد عن مركز دائرة الحريات الممنوحة – وما أضيقها من دائرة في سورية – والرقص على محيطها، أياً كان طول هذا المحيط، وفي “الدومري” تأكدت من أن الكتابة قرب مركز الدائرة تبقى باهتة، وبلا روح، مهما كانت بلاغتها عالية..!.
حقل الألغام .. ماالعمل ؟! :
منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه كاميرا “الحرة” وميكرفون “سوا” بعهدتي، وقبل كل تقرير أقوم باعدداه، كان عليّ الاجابة عن السؤال الملح على الدوام :
– والآن ماالعمل يابن الناس ؟!.
أنت مراسل لقناة هامش الحرية فيها أوسع، بما لايقاس، من كل الهوامش التي منحت لك على مدى عقدين ونصف من عملك الصحفي، وأنت منذ زمن بعيد تبحث عن الفرصة التي تخرجك الى رحاب العمل الحر/المسؤول، وهاهي قد جاءتك على طبق من ذهب، لكنك – في الوقت نفسه – حريص على أن تنام مع عائلتك، وأن تقنع أنك لن تصل الى معرفة “حكمة القائد والقيادة” مهما بلغ شأنك في السياسة وغيرها..!.
هذا هو حقل الالغام الكبير الذي كان علينا أن نمشي فيه في سورية ماقبل 2011، ونعبر بما نمتلك من وسائل، دون أن نخون قناعتنا، ودون أن نغمض العين عن التكبيل والتنكيل الظالم، الذي ازدادت معرفتي به وامتلكت تفاصيل كثيرة عنه، بعد أول تقرير اخباري بثته لي “الحرة”، فخرج المكلومون الموجوعون نحوي واثقين أنني لن أخذلهم، معتبرين أنهم قد صار لديهم منبراً يمكن أن يقولوا فيه مايريدون، ويعبرون من خلاله عما يعانونه، ويطرحون أراؤهم فيما يعيشونه ويجري حولهم .. ؟!.
وهنا برز السؤال الأهم : هل ستخون الأمانة وتنضم الى جوقة المداحين العميان، أم تكون “من شلة” التغريد “خارج السرب”، وليكن من بعدها المقدر لك ..؟!

المادة من موقع ليفانت

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 9 =