التربية في سوريا الجديدة: بناء المستقبل يبدأ من المدرسة
Ismaiel Alkheder
تُعد التربية عصب حياة المجتمعات، فهي النواة الأولى لتشكيل الهوية الوطنية وبناء الأخلاق، كما أنها مفتاح التقدم العلمي والديمقراطي، والوسيلة الأساسية لتعزيز الحوار والتفاهم. في ظل التحديات الراهنة التي تواجه سوريا، أصبح النهوض بقطاع التربية ضرورة ملحة لإعادة بناء الإنسان السوري والمجتمع ككل. التربية ليست مجرد عملية تعليمية بل هي منظومة اجتماعية وثقافية واقتصادية مترابطة تسهم في نهضة الدول المتقدمة، وهذا ما يجب أن يكون هدف سوريا الجديدة.
أولًا: المعلم… حجر الأساس للنهضة التربوية
المعلم هو ركيزة العملية التعليمية، لكنه في سوريا يعاني من الإهمال المادي والمعنوي. يحتاج المعلم إلى إعادة تأهيل معرفي وتربوي لمواكبة التطورات العالمية، سواء العلمية أو التكنولوجية أو في مجالات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تهيمن على الحاضر والمستقبل. كما يتطلب الأمر دعمه نفسيًا وماديًا ليؤدي دوره كمربٍ ومعلم قادر على بناء أجيال قادرة على التفكير والابتكار.
ثانيًا: المناهج… إعادة بناء الفكر التعليمي
تعاني المناهج التربوية من الجمود وافتقارها للتحديث. المطلوب إعادة صياغتها عبر محتوى يواكب التطورات العلمية ويحترم خصوصية المجتمع السوري، مع التركيز على إعداد مواطن مستقل قادر على التفكير النقدي والإبداع. ولا بد من إدخال أساليب تدريس متطورة تستند إلى تجارب الدول الناجحة وتعمل على ربط الطالب بالمعرفة بطريقة عملية وتفاعلية.
ثالثًا: المحتوى… مواكبة العصر بتقنية حديثة
إحدى أبرز التحديات في العصر الحديث هي سرعة التطور في المعلومات. المحتوى المدرسي التقليدي لم يعد مناسبًا. من غير المجدي طباعة أطنان من الكتب سنويًا، بينما يمكن الاستعاضة عنها بتقنيات حديثة مثل الحواسيب والإنترنت. في العالم المتقدم، أصبح الوصول إلى المحتوى التفاعلي الإلكتروني أيسر وأقل تكلفة وأكثر فاعلية.
رابعًا: أساليب التدريس… تنوعٌ يحقق الإبداع
الأساليب التدريسية التقليدية القائمة على التلقين والحفظ أصبحت عائقًا أمام تطور مهارات الطالب. لا بد من تمكين المعلم من استخدام أساليب تعليمية متنوعة ترتكز على التفكير الناقد، والتعلم التعاوني، والتجارب العملية. الأسلوب المناسب في المكان والزمان المناسبين سيجعل من التعليم عملية ممتعة وهادفة.
خامسًا: التقويم… تقييم القدرات لا الحفظ
الامتحان النهائي الذي يحدد مستقبل الطالب في ساعتين أو ثلاث ساعات لا يمكن أن يعكس القدرات الحقيقية للطالب. المطلوب تغيير منظومة التقييم لتصبح شاملة ومستمرة، بحيث تُقاس قدرات الطالب على مدار العام من خلال مشاريعه وبحوثه وتفاعله، بعيدًا عن أساليب الحفظ والتلقين التي كانت ولا تزال سائدة.
سادسًا: الطالب… بناء الشخصية المستقلة
الطالب هو محور العملية التعليمية، ولا يمكن تحقيق نهضة تربوية دون احترام شخصيته وتعزيز ثقته بنفسه. يجب التركيز على بناء طالب مستقل قادر على الحوار والنقاش، يستخدم العقل والعلم لفهم وتفسير الأمور بدلاً من أن يكون مجرد منفذ للأوامر.
سابعًا: الإدارة التربوية… الكفاءة أولًا
الإدارة التربوية الناجحة هي تلك التي تعتمد على الكفاءة والنزاهة بعيدًا عن الولاءات والمحسوبيات الحزبية الضيقة. الإدارة الناجحة تهتم بالجانب النفسي والإرشادي للطلاب وتبني علاقة شراكة حقيقية مع أولياء الأمور من أجل مصلحة الطالب.
إن النهوض بالتربية في سوريا ليس مجرد مشروع مرحلي، بل هو استثمار طويل الأمد يتطلب جهودًا كبيرة وتعاونًا بين جميع الأطراف، بدءًا من المعلم والإدارة، وصولًا إلى الطالب والأسرة والمجتمع ككل. بناء منظومة تربوية حديثة تواكب تطورات العالم وتعزز القيم الإنسانية والعلمية سيُسهم في بناء سوريا جديدة، حاضنة للأمل والطموح والإبداع. التربية ليست خيارًا، بل هي الطريق الوحيد نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
بقلم: الموجه التربوي الأستاذ إسماعيل الخضر