فراس علاوي
مقال رأي
نظام الأسد …وتجربةالعشرية السوداء
خلق الربيع العربي مناخاً ملائماً للثورة السورية وللمجتمع السوري للإنتفاض والثورة على السلطة الأمنية والاستبدادية السورية ، والتي لم يدر في مخيالها وبسبب الإتكاء على تجارب سابقة في قمع أي نواة للإحتجاج بأن الشعب السوري قادر على الخروج من دائرة الخوف التي رسمها حوله رجالات السلطة .
كانت تجربة حماة ماثلة وبشكل كبير أمام رجال السلطة السورية والذي كان عدد كبير منهم من رجالاتها وأصحاب الفعل فيها ، وإن كانوا ساعتها ليسوا من دائرة صنع القرار إلا أنهم كانوا من رواد تلك الفترة ولذلك تأثروا كثيراً بطريقة تعامل السلطة مع تحرك الشعب السوري ، والذي ساند حركة الإخوان آنذاك ليس إقتناعاً من الجميع بمشروعها السياسي ولا الديني وإنما رغبة بالتخلص من السلطة القائمة آنذاك بالرغم من حصولها على تأييد جزء مهم من الشارع ، وإن كان هذا الحراك جزئياً وغير شامل ، متناسين بذات الوقت تغير الظروف الموضوعية والإقليمية والدولية التي ساهمت بقمع التحرك آنذاك ، والتي من أهمها إرتكاز الحراك على منطلق أساسي قائم على دعم حركة الإخوان دون أي أخذ بالإعتبار لتوجهات ورأي الشارع السوري بكافة أطيافه والإعتماد فقط على غضب الشارع وحنقه من سياسات حافظ الأسد وحكوماته آنذاك والتركيز على الخطاب الديني والطائفي ، مما أفقد الحركة الاحتجاجية نوعاً من زخمها إضافة لنجاح حافظ الأسد بصناعة بروبيغندا إعلامية واسعة نجح من خلالها باستقطاب جزء مهم من الشارع السوري لجانبه ، قدلايصح استخدام مصطلح العشرية هنا رغم أن صدام الأخوان مع نظام الأسد بدأ منتصف السبعينات واستمرت مفاعيله حتى منتصف الثمانينات .
لكن هناك عشرية أخرى أيضاً وبحكم تجربة كثير من المحيطين ببشار الأسد والذين عاصروها وهم في هرم السلطة وتابعوها عن قرب ، ومنهم أحد الشخصيات المؤثرة في قرار (سلطة العائلة) وهي أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد ووالدة بشار الأسد وأحد ناصحيه في كيفية التعامل مع الثورة السورية ، استلهم هؤلاء من تعامل السلطات الجزائرية مع العشرية السوداء كثيراً من أساليب التعامل مع الثورة السورية وأبرزها إختيار الحل الأمني وتطويره ليتحول إلى معارك عسكرية ، محاولة إمتصاص الفورة الأولى للإحتجاجات وزخمها ومن ثم الرد عليها بعنف مفرط ، وكذلك عزل القوى الثائرة والمتمردة في مناطق معينة ودفعها للتحول إلى مناطق بعيدة عن العاصمة ومركز القرار ، استخدام بروبيغندا إعلامية واحدة والعزف على ذات النغمة بوصم الثورة وفصائلها والشارع الثائر بتهمة الإرهاب ، محاولة الاستفراد بالقوى المنتفضة واستمالتها والتأثير عليها بطرق مختلفة وبالتالي كسب المناطق الجغرافية ومن ثم الضغط على الحاضنة المؤيدة للثورة ودفعها للتفكك ، المحاولة قدر الإمكان المراوغة بالحل السياسي وكسب الوقت والحفاظ على شكل النظام وتقديم تضحيات صغيرة للحصول على مكاسب كبرى .
فهل نجحت سياسة السلطة السورية الحالية باستلهام تجربتي سلطة الأسد الأب من جهة وتجربة السلطات الجزائرية في التعامل مع جبهة الإنقاذ ومؤيديها من جهة أخرى ، أم أن إختلاف الظروف الدولية والإقليمية والموضوعية أطاحت بهذا الإعتماد ونتج عنه شكل آخر مشوه لن يصل إلى نتائج ترضي سلطة نظام الأسد لكنها بطبيعة الحال لن تحقق كل طلبات الشارع الثائر والرافض للعودة إلى ماقبل العام 2011 .