الجمعة , يونيو 6 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / تحليل / تجربة البوسنة والهرسك وكوسوفو في تجنيس المقاتلين الأجانب: دروس لسوريا

تجربة البوسنة والهرسك وكوسوفو في تجنيس المقاتلين الأجانب: دروس لسوريا

تجربة البوسنة والهرسك وكوسوفو في تجنيس المقاتلين الأجانب: دروس لسوريا

 

عمر خطاب

 

شهدت كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو نزاعات مسلحة خلال التسعينيات، جذبت خلالها أعداداً كبيرة من المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الحروب بدوافع دينية أو عرقية أو حتى مادية. في المقابل، تواجه سوريا اليوم تحديات معقدة تتعلق بمصير المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الحرب الأهلية السورية. يتناول هذا المقال تجربة البوسنة والهرسك وكوسوفو في التعامل مع المقاتلين الأجانب، مع التركيز على سياسات التجنيس ودمجهم في المجتمع، واستخلاص الدروس التي يمكن أن تستفيد منها سوريا لمعالجة هذه القضية بطريقة مستدامة وآمنة.

 

 تجربة البوسنة والهرسك في تجنيس المقاتلين الأجانب

 

خلال حرب البوسنة والهرسك (1992-1995)، انضم آلاف المقاتلين الأجانب، الذين أطلق عليهم تسمية “المجاهدين البوسنيين”، إلى الجيش البوسني لدعم البوشناق المسلمين ضد القوات الصربية والكرواتية. تقدر أعدادهم بين 500 إلى 4000 مقاتل، جاؤوا من دول مثل أفغانستان والدول العربية ومناطق أخرى في العالم الإسلامي. هؤلاء المقاتلون شاركوا بدوافع دينية غالباً، وكانوا يشكلون نسبة صغيرة (أقل من 5%) من إجمالي القوات البوسنية.

 

بعد انتهاء الحرب بموجب اتفاقية دايتون عام 1995، واجهت الحكومة البوسنية تحدي إدارة هؤلاء المقاتلين. اتخذت البوسنة نهجاً مبتكراً للتعامل معهم، حيث سمحت لعدد منهم بالبقاء في البلاد عبر منح الجنسية لمن شاركوا في الحرب إلى جانب الجيش البوسني. تم إصدار قانون خاص بالتجنيس، مكّن من دمج هؤلاء المقاتلين وعائلاتهم في المجتمع البوسني، مع ضوابط صارمة لمنعهم من الانخراط في الأنشطة السياسية أو العسكرية بعد الحرب.[

 

هذا النهج لم يخلُ من التحديات. فقد أثار منح الجنسية جدلاً داخلياً وخارجياً، خاصة من الدول التي كان هؤلاء المقاتلون ينحدرون منها، والتي طالبت في بعض الأحيان بإعادتهم لمواجهة محاكمات قانونية. ومع ذلك، نجحت البوسنة في تحقيق استقرار نسبي من خلال دمج هؤلاء المقاتلين في المجتمع، مما ساعد على تقليل المخاطر الأمنية المرتبطة بهم. تم التركيز على إعادة تأهيلهم اجتماعياً واقتصادياً، مع توفير فرص عمل وتعليم لهم ولعائلاتهم، مما ساهم في الحد من التطرف وتعزيز الاندماج.

 

 تجربة كوسوفو في التعامل مع المقاتلين الأجانب

 

في سياق حرب كوسوفو (1998-1999)، كانت الأوضاع مختلفة إلى حد ما. شارك مقاتلون أجانب، خاصة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، في دعم جيش تحرير كوسوفو (UCK) ضد القوات الصربية. لم تكن أعداد المقاتلين الأجانب في كوسوفو كبيرة مقارنة بالبوسنة، ولم يكن هناك برنامج تجنيس منظم كما حدث في البوسنة. بدلاً من ذلك، ركزت كوسوفو بعد الحرب على إعادة بناء الدولة وتعزيز سيادتها، مع السماح لبعض المقاتلين الأجانب بالبقاء كلاجئين أو عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.

 

كوسوفو واجهت تحديات سياسية معقدة بسبب عدم اعتراف صربيا باستقلالها، مما جعل مسألة المقاتلين الأجانب حساسة. الحكومة الكوسوفية، بدعم من المجتمع الدولي، عملت على مراقبة هؤلاء المقاتلين ومنعهم من تشكيل تهديد أمني، مع التركيز على دمج الأقليات العرقية داخل كوسوفو بدلاً من التركيز على المقاتلين الأجانب. هذا النهج كان أقل شمولية من تجربة البوسنة، لكنه عكس الواقع السياسي والاجتماعي المختلف في كوسوفو.

 

 التحديات التي تواجه سوريا في التعامل مع المقاتلين الأجانب

 

سوريا، التي عانت من حرب شنها نظام الأسد لمدة طويلة ومعقدة منذ عام 2011، تستضيف اليوم عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، يُقدر عددهم بين 2000 إلى 5500 مقاتل في المراحل الأولى من الصراع، مع زيادة كبيرة في الأعداد لاحقاً، خاصة مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. هؤلاء المقاتلون جاؤوا من دول متنوعة، بما في ذلك الأويغور من الصين، والشيشان، والأوروبيين، والعرب من دول المنطقة.

 

في أواخر عام 2024، مع سقوط نظام بشار الأسد بقيادة هيئة تحرير الشام، برزت قضية دمج المقاتلين الأجانب أو إعادتهم إلى بلدانهم كتحدٍ رئيسي. بعض هؤلاء المقاتلون حصلوا على مناصب عليا في الجيش السوري الجديد، مما أثار جدلاً داخلياً ومخاوف دولية من احتمال استغلال وجودهم لتأجيج الصراعات أو التطرف

 

 دروس يمكن أن تستفيد منها سوريا

 

1. وضع إطار قانوني للتجنيس والدمج: تجربة البوسنة تُظهر أهمية إصدار قانون خاص بالتجنيس ينظم بقاء المقاتلين الأجانب الذين قدموا مساهمات إيجابية في الصراع. يمكن لسوريا أن تتبنى نهجاً مشابهاً، حيث تمنح الجنسية للمقاتلين الأجانب الذين دعموا الحكومة الجديدة أو قاتلوا ضد تنظيمات إرهابية مثل داعش، مع ضوابط صارمة تمنعهم من الانخراط في الأنشطة العسكرية أو السياسية مستقبلاً.

٢. 2. برامج إعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي: نجحت البوسنة في تقليل المخاطر الأمنية من خلال برامج إعادة تأهيل اجتماعية واقتصادية. يمكن لسوريا الاستفادة من هذا النهج عبر توفير فرص عمل وتعليم للمقاتلين الأجانب وعائلاتهم، مما يساعد على دمجهم في المجتمع ويقلل من مخاطر التطرف.[

 

3. التعاون مع المجتمع الدولي: كوسوفو استفادت من دعم المجتمع الدولي في مراقبة المقاتلين الأجانب ومنع تحويلهم إلى تهديد أمني. سوريا بحاجة إلى تعاون وثيق مع الدول الأصلية لهؤلاء المقاتلين والمنظمات الدولية لضمان إعادة آمنة لبعضهم أو دمجهم بشكل آمن في المجتمع السوري.

 

4. معالجة التحديات القانونية والأمنية: يجب على سوريا وضع سياسات واضحة للتعامل مع المقاتلين الذين قد يكونون مرتبطين بتنظيمات إرهابية. يمكن الاستفادة من تجربة أوكرانيا، التي منحت الجنسية لمقاتلين أجانب مع ضمان مراقبتهم، أو السيناريو الأفغاني الذي شجع على إعادة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية بشرط قبول تلك الدول لهم.

 

5. تجنب التسييس: تجربة كوسوفو تُظهر الحساسية السياسية لقضية المقاتلين الأجانب، خاصة في ظل التوترات مع صربيا. على سوريا تجنب تسييس هذه القضية والتعامل معها كمسألة إنسانية وأمنية، مع الحرص على عدم إثارة مخاوف الدول المجاورة أو المجتمع الدولي.

 

 

 

توفر تجارب البوسنة والهرسك وكوسوفو دروساً قيمة لسوريا في التعامل مع المقاتلين الأجانب. يمكن لسوريا أن تستلهم من نهج البوسنة في التجنيس والدمج الاجتماعي، مع الأخذ في الاعتبار التحديات السياسية التي واجهتها كوسوفو. لتحقيق ذلك، يجب على سوريا وضع إطار قانوني واضح، وتطوير برامج إعادة تأهيل، والتعاون مع المجتمع الدولي لضمان استقرار طويل الأمد. من خلال هذه الخطوات، يمكن لسوريا تحويل تحدي المقاتلين الأجانب إلى فرصة لبناء مجتمع أكثر تماسكاً وأماناً، مع تجنب المخاطر الأمنية والسياسية المحتملة.

 

.

شاهد أيضاً

إلى أين تتجه المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة ونظام الایراني ؟

إلى أين تتجه المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة ونظام الایراني ؟ واشنطن الشرق نيوز   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − 14 =