الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / ماهي دوافع الرئيس التركي لتطبيع العلاقات مع نظام الاسد؟

ماهي دوافع الرئيس التركي لتطبيع العلاقات مع نظام الاسد؟

ماهي دوافع الرئيس التركي لتطبيع العلاقات مع نظام الاسد؟

 

يناير 5, 2023

تسارعت التصريحات التركية بشكل غير مسبوق بعد اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا و النظام السوري برعايا وزير الدفاع الروسي، وذلك بعد قطيعة دامت 11 عاماً في موسكو، اتجاه رئيس النظام بشار الأسد المُتّهم صراحةً من قبل الولايات المتحدة بتزعم تجارة المخدرات التي تغرق بها المنطقة، عبر القانون الأميركي الأخير المدعوم غربياً.

ويُفسِّر خبراء التصريحات التركية المتهافتة بأنها محاولة من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنقاذ مستقبله السياسي، بعد تسريبات صحفية من إعلام النظام تحدثت بأن حليفه الروسي هو من يضغط عليه لإتمام الصفقة، وذلك بسبب الرغبة الروسية بالمحافظة على الحكومة التركية الحالية الداعمة لموسكو، خلال الانتخابات الرئاسية التركية في 23 حزيران/يونيو.

وبحسب التسريبات، فإن الدعم الروسي لأردوغان يأتي مدفوعاً باحتمالية أن تحمل الانتخابات التركية رئيساً تركياً جديداً بميول غربية ، يُحكم حصار الدول الغربية المفروض على موسكو، فضلاً عن أن كون التطبيع التركي مع الأسد يُمكّن الرئيس التركي من سحب ورقة مهمة من البرنامج الانتخابي للمعارضة.

لكن هذا التفسير، يُهمل الواقع الاقتصادي الذي تقبع خلفه مخاوف الشارع التركي الذي ناصر أردوغان بمواقف كثيرة ضد خصومه السياسيين المحليين والدوليين، إذ يعتبر الأتراك أن الملف السوري ليس إنسانياً وحسب، بل اقتصادي أيضاً.

وحذّر صناعيون ورجال أعمال أتراك من أن انسحاب السوريين من السوق التركية سوف يزيد من تدهور الواقع الاقتصادي، سواء بفقدان الأيدي العاملة الماهرة الرخيصة، مثلما حذّر عضو جمعية رجال الأعمال المستقلين الأتراك (موصياد) علاء الدين شنجولر(Alaeddin Şengüler)، أو أن يتزامن خروجهم بفقدان كتلة مالية ضخمة يمتلكونها تُقدّر ب 10 مليارات دولار موزعة على 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، أسهمت بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، إضافة إلى إسهامهم بثلاثة مليارات دولار أمريكي من الصادرات التركية إلى أكثر من 50 دولة، وفق ما جاء في تقرير نشرته صحيفة (Takvim) التركية في أيار/مايو الماضي.

كما أن الخوف يطال أيضاً المساعدات الدولية المختلفة التي تحصل عليها تركيا، والتي بلغت 3.34 مليار دولار خلال العام 2021، فضلاً عن المساعدات الغربية الأخرى المقدمة للشعب التركي وفق البرامج الأمريكية والأوربية للدول الحليفة لها، على اعتبار تركيا حليف لسياساتهم بالمنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإن تغيّر موقف تركيا من القضية السورية دون توافق دولي عام عبر مظلة الأمم المتحدة، قد يقود إلى اخراج أنقرة من الساحة الدولية كلاعب دولي، وذلك باعتبار أن أدوات القوة الناعمة التي بنت تركيا نفوذها الدولي عليها، كانت تحت عنوان بارز هو /مساعدة الدول والشعوب الفقيرة والإصرار على تطبيق القانون الدولي بالصراعات الدولية/ ، مما أعطاها أصوات داعمة لها بالمحافل الدولية، وهذا يعلمه صنّاع القرار في أنقرة، بينما تفتقد دول قوية مثل البرازيل وحتى إقليمية مثل مصرلهذا النوع من القوى الناعمة.

وعليه، فإن قبول تركيا بصفقة التطبيع مع نظام الاسد والارتماء عليه بهذه الطريقة، يمكن تفسيره على أنه نتيجة فشل سياسة الرئيس أردوغان اتجاه الخليج، إذ أنه فشل بالمصالحة مع الإمارات، والتي أنّتجت زيارة ولي العهد أبو ظبي حينها محمد بن زايد إلى إسطنبول، إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار تستثمر بالتكنولوجيا والصحة والصناعات المتقدمة، وتأثير مثل هذه الاستثمارات على الاقتصاد التركي يكون بالأمد وبالتالي، لا يُقدم أي إنقاذ سريع للاقتصاد الذي يٌستنزف.

كما أن المصالحة مع السعودية اِقْتِصَادِيًّا لم تمش كما تشتهي السفن التركية، إذ اقتصرت على وديعة بقيمة 5 مليارات دولار، وهو أقل مما كان يأمله أردوغان لإنقاذ اقتصاده الذي انهارت فيه الاحتياطيات الأجنبية، وبلغت نسب التضخم فيه ٨٥ %، فضلاً عن كون الوديعة لم تسير بالسلاسة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لمن ترغب بالتوافق معها ، حيث استهلكت الوديعة 5 أشهر من الوقت لوضع اللمسات الأخيرة عليها !.

جاءت الصدمة الأكبر لفشل سياسة الرئيس أردوغان مع الخليج من قطر، التي دعم مواقفها ضد الخليج في النزاع الخليجي الخليجي ، فعلى الرغم من الفوائض المالية الضخمة لديها نتيجة ارتفاع اسعار الغاز عالميًا، إلا أنه وصلت اجمالي استثمارات قطر بتركيا خلال العام الماضي الى 10.3 مليار دولار فقط، منها 3 مليار استثمارات مباشرة.

وتكمن مشكلة هذه المساعدات سواء القطرية أو الخليجية عموماً أنها استثمارات مالية على شكل قروض(ديون) كودائع أو ما تسمى استثمارات بالسندات، متجنبة الاستثمار الحقيقي الذي يميز الاقتصاد التركي والذي يعاني من أزمات بالسيولة والتسويق فيه هو الذي يقود عجلة الاقتصاد.

كما أن القول إن تركيا تريد عبر التطبيع مع الأسد أن تستخدم الطريق البري للوصول إلى السوق الخليجية هو تحليل عفى عليه الزمن ، لأن بلد منهارة فيه البنى التحتية مثل سوريا، يعاني من فقدان المحروقات، فضلاً عن وجود مليشيات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية بدمشق، لكنها تابعة لها صورياً  “الفرقة الرابعة” و”لواء القدس” ، “الدفاع الوطني” و “المهام الخاصة” ، أو تلك التابعة للحليف الإيراني مثل “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني والمليشيات العراقية الشيعية، تتجاوز في الحالتين جيش النظام الرسمي عديداً وعتاداً على الطرق البرية.

وعليه، فإن ذلك يجعل هذه الطرق بحاجة إلى حماية مستمرة، وبالتالي تزداد الكلفة الاقتصادية عدا عن أنها قد تتطلب تدخلاً تركياً بالعمق السوري لحمايتها مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وهو أمرٌ لن يقبله الأسد وكذلك حلفاؤه الإيرانيون وحتى الدول العربية والغربية ولا حتى الغرب الذي سعى إلى تحجيم التدخل التركي في سوريا.

وفي حال تجاوز كل ذلك، فإن الحدود من الجانب الأردني والخليج مغلقة بفعل قانون الكبتاغون الأمريكي، كما أن الطلب الخليجي على منتجات تركيا لم يعد كما كمان نتيجة منافسة منتجات من مصادر أخرى وعدم تشجيع الحكومات الخليجية لتلك البضائع..

وحتى أن مسألة “قسد” التي يشير إليها بعض الخبراء كدافع رئيسي وراء سياسية أردوغان نحو تطبيع مع الأسد، سيكون النظام هو الرابح وليس الساسة الأتراك، لأن إخراج “قسد” من المعادلة يمنح النظام نفوذاً على منابع نفط والغاز والحبوب ويضعف التواجد الأمريكي والغربي، وهو ما يحتاجه النظام بهذه المرحلة لهيكلة بنيته وإعادة ترتيب أوراقه.

وفي هذه الأثناء، سيعيد حزب العمال الكردستاني المعروف اختصارًا PKKتوحيد كوادره التي انقسمت بسبب مشروع “قسد”، والعودة الى العمل المسلح من جبال قنديل، مستفيداً من التدريبات والأسلحة والأموال التي حصل عليها خلال شراكته مع التحالف الدولي، وتذكيراً تركيا أنها لم تنجح بإنهاء نفوذ حزب العمال الكردستاني PKKوتهديداتها لهم، على مدار اربعين عاماً.

كما أن هذا التحليل لا يراعي العلاقة العضوية لحزب العمال الكردستاني المعروف PKK بنظام الأسد من خلال جميل بابيك، إضافة إلى أن حصول تركيا على تعديل اتفاقية أضنة لتصبح ٣٠ كيلو متراً داخل الأراضي السورية، هو شرط لن يقبل به الأسد، وإن قبل فهو اعتراف من أردوغان بسيطرة الاسد وشرعيته مما سيفتح للأسد دخول معارك تعويضية مع السياسة تركيا لتحميلها أزمات سوريا الاقتصادية.

إضافة إلى ذلك، فإن أردوغان سيصبح بمواجهة مع القانون الأمريكي لاختراق قانون قيصر، وحتى إعادة الإعمار التي يتم تداولها بواسطة شركات تركية لا يمكن تنفيذها إلا ببعض المدن الداخلية التي لا جدوى اقتصادية حقيقة من انطلاق إعادة أعمارها، لأن معظم العقود الأساسية تم توقيعها مع حلفاء النظام وأن تنازلهم عنها لا بد من مقايضته بثمن فمن سوف يدفع الثمن؟

دون أن ننسى أن الغرب الممول الرئيسي لإعادة الاعمار صرح أنه لا تعامل مع الأسد ولا تعامل مع النظام بهيكليته الحالية وبالتالي لا انطلاق لعمليات الأعمار، والدول الخليجية رغم الفوائض المالية لديها فإن اقتصاداتها بدأت تمتص هذه الفوائض مع تغير شكل الاقتصاد والسياسية فيها.

ماذا يريد اردوغان من محاولة تعويم الأسد؟

إنه ببساطة يسلك سلوك اليائس لإنقاذ اقتصاده بعد أن وجد نفسه بدون حلفاء (الناتو) ولا أصدقاء (قطر ودول الخليج)، باستثناء روسيا التي أبقت على دور كبير له بالساحة الدولية، رغم دعم أردوغان لأوكرانيا بمسيرات “بيرقدار” التي شكلت علامة فارقة بسير المعارك.

فقد منحت روسيا، أردوغان دوراً دولياً لتنفيذ اتفاق شحن الحبوب المتوقفة بالموانئ الأوكرانية على أن يتم التفتيش من خلال القوات التركية، إضافة إلى إعطاء روسيا الموافقة لتوقيع اتفاق توريد الغاز المسال إلى بلغاريا، وارتفاع صادرات موسكو إلى تركيا 50 مرة خلال الأشهر ال7 الأولى من عمر الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى الأموال الروسية كانت تركيا محطة مهمة لها.

وبحسب ما أوضح مصدر مطلع لموقع “اقتصادي” بداية غزو أوكرانيا، فإن رغبة روسيا من رعاية الاتفاق بين تركيا والأسد يعود الى نيّة موسكو تحويل سوريا لمنصة اقتصادية وعسكرية روسية بالمياه الدافئة وهو ما يعني قوة للسيطرة على الملف الليبي الذي يبدو أن تركيا وروسيا قد توافقتا على إعلان وقف إطلاق نار هناك، إضافة إلى أن أنقرة سوف تدعم موقف روسيا بالجرف القاري التركي-اليوناني الذي يشكل بوابة روسية جديدة على حدود أوروبا.

لذا يجد أردوغان أن هذه المقايضة عادلة، وفي سبيل إبقاءه على القوى الناعمة، فإنه يصر على تنفيذ الاتفاق مع الأسد وفق 2254، ويصرّ على عودة اللاجئين إلى ديارهم من مبدأ تلك القوى، لكنه أيضًا يعلم أن الأسد غير قادر على الموافقة نتيجة بناء خطط اقتصادية وتصرف بملكيات المهجرين مع حلفائه، وان إعادتهم تعني اعترافا بشرعية المعارضة ومطالبهم.

وبناءّ عليه، سيكون هذا الرفض هو الحبل الذي سوف يناور به الرئيس أردوغان واشنطن وموسكو معاً، وستقف حدود التفاوض معهما على إنشاء مدن ضمن 30 كم بمناطق المعارضة تكون أشبه بغزة صغيرة تعطى لها فدرالية إدارية ينافس أبناءها للعودة أما إلى مناطق النظام أو الهروب من جحيمها إلى إحدى الدول.

لكن يبقى السؤال هو ما مدى جدية القوانين التي أقرتها الإدارة الأمريكية؟، ومدى جدية المعارضة السورية بالمحاربة للخروج من بوتقة كبش الفداء؟ ومدى جدية كل من تركيا والنظام بالتقارب بضوء الظروف الحالية؟

المصدر موقع اقتصادي 

يونس الكريم 

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + ثلاثة عشر =