الطريق- فراس علاوي
بدايةً، قد يكون العنوان ملتبساً قليلاً، ومن عادة العناوين أن تعطي صورةً عما سيجري مناقشته أو الحديث عنه.
لكن العنوان أيضاً، بصورة أخرى، يطرح سؤالاً: ما علاقة العقدية كفترة زمنية بالسلطة بشكل عام، وبحافظ الأسد بشكل خاص؟
منذ أيام توفي أحد حرَّاس السلطة في سوريا، اللواء زهير شاليش المعروف بِـ “ذو الهمة شاليش” وهو من الدائرة المقربة لآل الأسد؛ من ناحية القربى بوصفه ابن أخت حافظ الأسد ومن حيث الولاء حيث كان حارساً شخصياً له ولوريثه بشار لاحقاً، وقد يعتبر أحد الأمثلة لتغير السلطة وأشكالها في ظل حكم حافظ الأسد وبشار الأسد، وكيفية انتقالها عبر دوائر من الأوسع للأكثر ضيقاً، ومن ثَمَّ تحولاتها بعد العام 2000.
وللولوج أكثر في المطلوب من هذه التساؤلات، علينا الاطلاع أكثر على كيفية إدارة حافظ الأسد للسلطة في سوريا على مدى ثلاثة عقود من الحكم والسيطرة على السلطة، ولمعرفة ذلك لابدَّ من الذهاب لمراجعة تاريخية سريعة حول شخصية حافظ الأسد وكيفية وصوله للسلطة، ومن ثم البحث في تطورات سيطرته عليها وإحكامه هذه السيطرة التي أوصلته لتوريث ابنه بشار الأسد السلطة، في دولة تدَّعي حسب دستورها أنها ذات نظام جمهوري ديموقراطي. ومع غياب الصفة الثانية منذ اليوم الأول لوصول حافظ الأسد بانقلاب عسكري ومن ثم احتكار السلطة، عبر وسائل خشنة وناعمة، وتمثيليات تمديد السلطة بما سُمِّي لاحقاً عمليات الاستفتاء على الرئاسة، وهذه بالذات بدعة أخذها حافظ الأسد من أحد الآباء الروحيين للاستبداد السياسي والتسلط وحكم العسكر، والمقصود هنا جمال عبد الناصر.
كيف وصل حافظ الأسد للسلطة؟
بعيداً عن المرويات والسرديات المتداولة حول دور للبريطانيين تارةً وللفرنسيين تارةً أخرى، في إيصال حافظ الأسد للحكم، والتي تعتمد بشكل أو بآخر على روايات البعض ممَّن عاصروا تلك الحقبة، وجلهم ممن انهزموا أمام سيطرته على الحكم وباتوا بالضفة المقابلة، والتي قد تكون تبريراً لفشلهم أو هزيمتهم أمامه، خاصة في ظل عدم وجود اعتراف رسمي من حكومات الدول المتهمة بدعم انقلابه على السلطة، رغم أنّ كثيراً من الأرشيف فيها تمَّ رفع السرية عنه.
كما أنَّ الحديث هنا لا يتناول صفات شخصية حافظ الأسد السيكولوجية أو صفاته التي أسبغها عليه مؤيدوه أو نعته بها معارضوه.
فالضابط القادم من أقليتين؛ دينية باعتباره من الطائفة العلوية، واجتماعية كونه قادماً من الأطراف الريفية، والمهمشة غالباً، إذ إنّه ينحدر من أرياف مدينة اللاذقية المهمشة أصلاً كونها من الأطراف، ومن القرداحة المهمشة كونها من الأرياف، وربما هذا التهميش كان أحد أسباب التقاء حافظ الأسد بمجموعة تنتمي للأقليات الاجتماعية ذاتها وتعاني الأسباب نفسها، والمقصود بها تلك المجموعات الرافعة التي استخدمها لاحقاً للوصول للسلطة.
ثلاثة عوامل رئيسية أوصلت حافظ الأسد للسلطة
الأول: الانقلابات العسكرية في سوريا التي أوصلت الجيش للحكم في سوريا، وبالتالي أصبح طموح السلطة يداعب مخيلة الكثير من الضباط، خاصة ممَّن عانوا فترات من التهميش الاجتماعي والعسكري.
الثاني: سياسات عبد الناصر خلال الوحدة، وولادة تيارات رافضة للوحدة وأخرى معها، ومن ثم سياساته بإفراغ الجيش من عناصره خاصة الضباط، ونقلهم إلى الإقليم الجنوبي/ مصر. حيث خشيَ عبد الناصر من الضباط القادمين من أقليات دينية، ونقلهم عن أماكن عملهم وقد تسبب ذلك في تجميعهم في القاهرة ومناطق أخرى؛ ممَّا ساعد على نشوء تكتلات لهم، أبرزها اللجنة الخماسية العسكرية التي أوصلت حافظ الأسد للسلطة نهاية الأمر.
الثالث: حزب البعث، وقواعده الشعبية، وانقلابه العسكري وسيطرته على السلطة في آذار 1963، الذي سهل الطريق أمام حافظ الأسد ورفاقه للوصول للسلطة.
استطاع حافظ الأسد الاستفادة من الصراع داخل الحزب بجناحيه المدني والعسكري، وتنافس رفاق الأمس، بالاستفادة من ضرب الأجنحة بعضها ببعض وتنقل الولاءات، حتى صدامه الأخير مع حليفه الأقرب، صلاح جديد، والذي كان حليفه حتى العام 1966.
بعد انقلابه على حلفائه والسيطرة على السلطة عبر انقلاب عسكري، سيطر على الحزب والدولة.
منذ 1970 إلى 1980
من أجل إحكام السيطرة على السلطة، لجأ حافظ الأسد إلى استخدام الجيش بعد تخلصه من العناصر المناهضة له، عبر الاغتيال والإبعاد والتغييب والسجن، وكذلك السيطرة على الحزب بعد إقصاء معارضيه وسجنهم أو اغتيالهم مادياً ومعنوياً.
واستفاد خلال فترة الحرب اللبنانية والصراع مع الإخوان المسلمين، في زيادة سيطرته على الجيش والحزب، اللَّذَيْن كانا الحامل الأساس لحكمه خلال العقد الأول، مستفيداً من ولاء ضباط الجيش وقيادات الحزب.
منذ 1980 إلى 1990
بعد التدخل في لبنان وازدياد حدَّة الصراع مع الإخوان في سوريا، كان لابدَّ من اللجوء إلى شخصيات وقيادات أكثر ولاءً وطواعية لحافظ الأسد وأكثر قرباً، لذلك لجأ للطائفة بشكلٍ كبير؛ حيث شهد عقد الثمانينيات تراجع سلطة الحزب وترهله بشكل كبير، وتراجع القيادات العسكرية التقليدية، مع ظهور قيادات أمنية وعسكرية معظمها من الطائفة العلوية، حيث ظهر ما سمي بالعليات نسبةً لاسم علي، وأبرزهم؛ “علي دوبا، وعلي حيدر، وعلي أصلان” الذين انحازوا لحافظ الأسد في صراعه مع أخيه رفعت منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي ساهموا بتفرد حافظ الأسد الذي كان قد بدأ بالتحول من سلطة الطائفة إلى سلطة العائلة. بعد إقصاء رفعت تراجع دور ضباط الطائفة، مقابل صعود نجل حافظ الأسد باسل ودخوله للسلطة من أوسع أبوابها، في تحول واضح بدأ مع العام 1990 الذي شهد أيضاً متغيرات إقليمية ودولية ساهمت بالإبقاء على قبضة قوية لحافظ الأسد على السلطة.
من 1990 إلى2000
شهد مطلع التسعينيات صعود باسل الأسد بقوة وظهوره على الإعلام بشكل واضح، وبدا واضحاً أن حافظ الأسد قد تحول من حكم العائلة، إلى تركيز جميع السلطات في عائلته الشخصية، مع ظهور لماهر الأسد أيضاً وترقيه ضمن صفوف الجيش، وبالتالي حصر حافظ السلطة بيده بشكل مركزي شديد الإحكام، إلا أن مقتل باسل الأسد جعل حافظ الأسد الذي كان يعدّه بشكل واضح لتوريثه الحكم، يعيد النظر بترتيب أولويات الإعداد، وبالتالي تحضير الابن الثاني بشار للحكم، مع العمل على تهيئة الأجواء لتسليمه الحكم، مدركاً أنَّ بشار لا يملك كاريزما أخيه، وبالتالي لابد من تهيئة الأوضاع داخل الجيش والحزب لتسهيل انتقال السلطة إليه، وتوريثه الحكم في دولة ينص دستورها على أنها جمهورية ذات نظام ديموقراطي.
ممَّا سبق، ندرك طبيعة تحولات السلطة في عهد حافظ الأسد، حسب الحاجة وتغير المعطيات، من حكم بمساعدة الجيش والحزب، إلى حكم الطائفة والعائلة، ومن ثَمَّ تركيز الحكم بيده بعد صراعه مع أخيه، ثمَّ توريثه الحكم لابنه الذي يبدو أنه لم يستطع الحفاظ على هذا الإرث من التسلط والقمع والاستبداد، والتحول لفوضى السلطة وتعدد الأقطاب داخلها، إضافة لتدخل أطراف خارجية فيها والعمل على إدارتها عبر تبعية سياسية واضحة، كما يحدث مع التدخل الإيراني في سوريا بعد انطلاق الثورة السورية.
مقال رأي للكاتب
نشر في موقع الطريق