الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / تقارير واخبار / في عفرين..استشهدت الأم وعاش الجنين

في عفرين..استشهدت الأم وعاش الجنين

عفرين….الشرق نيوز

مأساة إنسانية لعائلة نازحة من ريف دمشق في مدينة عفرين .

يوم أمس الإثنين  20/01/2020 في مدينة عفرين

ومع سماع دوي انفجارات ناتجة عن سقوط عدة صواريخ على مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، كان لأحد المنازل الذي تقطنه أسرة مهجرة من حي التضامن جنوبي دمشق نصيب من مأساة الحرب .

رب المنزل يدعى “نضال البرعي”؛ أبو صالح شخص بسيط بكل المقاييس شهم ذو سمعة طيبة وهو شقيق لشهيدين
رزقه الله ثلاثة أولاد وبالرغم من صغرهم وهم في نعومة اظفارهم إلا أنهم لايختلفون عن والدهم في الأدب والأخلاق ويحفظون عدة أجزاء من القرآن الكريم ،  فقد أحسن أبو صالح وزوجته تربيتهم.

تعيش أسرة ابو صالح بسلام وطمأنينة بعد نزوحهم من جنوب دمشق ، لكن عصابات الPKK حولت هذا السلام الى مأساة حقيقية بكل ماتعنيه الكلمة، فقد أصيب أولاد أبو صالح محمد وصالح وزوجته إصابات بالغة نتيجة القصف الذي تعرض له منزلهم .

وكالعادة سرعان ما تجمع الناس وفرق الإسعاف وتمكنوا من إخراجهم ونقلهم الى المشفى.

أمام غرفة العناية المشددة يقف أبو صالح يناجي ربه أن يسلم له أبنائه وزوجته ، حيث تم إدخال أحد أبناءه إليها ،  ليسمع فجأة ذلك الصوت ينبعث من داخل غرفة العناية، إنه صوت يكرهه جميع الناس ولايصدر  إلا عندما يستقيم الخط في الجهاز الطبي لقياس نبض القلب (جهاز تخطيط القلب ) يحاول الطبيب جاهداً أن يعيد النبض الى قلب طفل لايتجاوز ربيعه الثاني عبر جهاز الصدمات الكهربائية،  ومع كل صدمة كان قلب أبو صالح ينقبض من الألم لتبدأ المأساة ويلبسه ثوب الفاجعة بعد أن نزع الطبيب الكمامة وهو مطأطئ الرأس حزناً بعد أن قام بمايجب عليه. 

ينظر الطبيب إلى أبو صالح ولايعلم كيف ومن أين يبدأ كلامه، فقد خانته الكلمات وتلعثم لكن الحزن بدا واضحاً على وجه الطبيب وختم الموقف بكلمة “طول بالك لله ماعطى ولله ما اخذ .

بضع دقائق كانت الفاصلة بين صعود روح الطفل محمد إلى السماء وبين هرولة الممرضين يجرون نقالة والدته “أم صالح” ليدخلوها الى ذات الغرفة.

يقف أبو صالح وأصدقائه الذين أتوا معه ليساندوه ويشدوا من أزره ،  أمام هذا المشهد دون أن يقوى أحدهم على الحراك حتى أن انفاسهم توحدت في الشهيق والزفير، ماهذا الصبر والجلد لدى أبو صالح .

فهو يقف دقائق أمام باب غرفة الإنعاش التي بداخلها زوجته ثم يذهب الى قسم الإسعاف ليتابع حالته أبناءه ويعود ليقبل إبنه محمد الذي ارتقى شهيداً ولسان حاله يردد اللهم سلم اللهم سلم.

أم صالح تحمل في بطنها جنين في شهرها التاسع من الحمل، يدخل عدة أطباء إلى غرفة العناية المشددة
أم صالح تحتاج إلى عمل جراحي لإنقاذها وإنقاذ الجنين
وربما لإنقاذ أحدهما.

في هذه اللحظة بدا الموقف وكأنه مشهد مقتطع من أحد الأفلام والمسلسلات ،  هل سيحضر أحدالأطباء ليسأل أبو صالح ويخيره بين الأم والجنين؟

لكن هذا لم يحصل فقدر الله نافذ ومكتوب ولطفه ورحمته أوسع، وماالأطباء سوى أسباب يقومون بماعليهم ويؤدون واجبهم بكل ماأوتوا من عزيمة .

يمضي الوقت ببطئ شديد فقد مرت ساعتان وكأنها سنتين، فُتح باب الغرفة وخرج الطبيب الأول فوثب أبو لصالح ومن معه الجميع وقد نطقوا نفس الكلمة “طمنا دكتور”!! قال لهم: “عملنا الي علينا والباقي على الله”

بضع ثواني خرج مساعد الطبيب لكنه هو الآخر لم يتكلم، وخرجت مساعدة الطبيبة ولم تقل شيئ كأن أحدهم لا يقوى على إخبار أبو صالح بما جرى.

لم يبق مع أم صالح وجنينها سوى طبيبة ومساعدها، الدموع تملأ عينا أبو صالح، ويحاول أصدقائه شد أزره ومواساته وطمأنته، وهنا خرج الطبيبان سوية وتكرر المشهد الجميع ينطق كلمة واحد “طمنونا”.
الطبيبة تسأل أبو صالح أنت زوجها فيهز رأسه مجيباً نعم ، فأسرعت الطبيبة لتخبره الخبر الذي ربما يخفف قليلاً أو يداوي حرقته وقالت لقد رزقت بمولودة جميلة ، 
وتعالت الأصوات بالحمد، وعند السؤال عن الأم سكت الجميع وساد الهدوء ليكرر أبو صالح السؤال ” طمنوني عن الأم دكتور ،دكتورة ومرتي زوجتي طمنوني عنها .

فينطق الطبيب بتلك الكلمات التي تُخرج الروح وتعيدها ألف مرة قبل أن تبلغ هدفها ،  وهي كلمات التهميد لقول ما لايطق أحد سماعه، “هدي أعصابك وكون قوي” لأن الذي سأخبرك به يحتاج أن تضبط نفسك ،  الجنين بخير وزوجتك ، وزوجتك كررها مرتين ،  يعني مرتك نحن قمنا بما نستطيع القيام به لكن الله كتب أجلها” الله يرحمها ويصبركون ” 

أبو صالح ككثير من الناس في مثل هذا الموقف ،  لم يستوعب كلام الطبيب ويأمل أن يكون الطبيب مخطئاً، تنهمر الدموع منه وهو يقول للطبيب تأكد يا حكيم ربما ماتزال على قيد الحياة .
فيجيبه الطبيب للأسف هذا ماحصل، لا أدري كيف استطاع أبو صالح أن يبقى واقفاً على قدميه وأي كلمات يمكن أن تواسيه.

جرح بوفاة أبنه محمد فرزق بمولودة تداوي جرحه ثم يجرح بوفاة زوجته، كل هذا وما تزال الفاجعة قابلة للزيادة، حيث أن ابنه لايزال في قسم الإسعاف ويمكن أن يدخل نفس الغرفة بأي لحظة، وربما تتدهور حالة المولودة التي لم تأت الى هذه الحياة كما يأتي باقي الأطفال.
يا الله من أين آتي بعبارت تصف هذا اليوم وتواسي صديقي وكيف لاتخونني الكلمات وأنا أعلم أن الأبجدية اهترأت لكثرة الفواجع فماذا عسانا أن نقول سوى
حسبنا الله ونعم الوكيل.

رواها الناشط :عز باشق التضامن

حررها : محمد الحمادي 

شاهد أيضاً

الإدارة الذاتية في قسد تتبنى علم الثورة السورية

الإدارة الذاتية في قسد تتبنى علم الثورة السورية شمال شرق سوريا  الشرق نيوز بيان إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 2 =