إيران: تسجيل جديد يُعيد فتح ملف مجزرة 1988 – جريمة دولة أم مأساة منسية؟
طهران
الشرق نيوز
في خطوة جديدة تعيد إلى الأذهان واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ إيران الحديث، كُشف مؤخراً عن تسجيل صوتي نادر لآية الله حسين علي منتظري، كان قد جرى خلال لقائه مع ما يُعرف بـ”لجنة الموت” في صيف 1988، وهي اللجنة التي أشرفت على إعدام آلاف السجناء السياسيين في البلاد.
هذا التسجيل، الذي يُعد الجزء الثاني لما تمّ نشره عام 2016، يُسلّط الضوء على حجم الفاجعة وعمق التورط المؤسسي في تلك الجريمة، حيث يظهر منتظري بوضوح وهو ينتقد المسار الدموي الذي اتخذته الدولة آنذاك، ويدين بشكل صريح الدور المركزي لكل من أحمد خميني ووزارة المخابرات في توجيه قرارات الإعدام الجماعي.
جرائم ممنهجة بتوقيع أعلى المستويات
ما يُميّز هذا التسجيل الجديد هو تقديمه لأدلة إضافية حول أن المجازر لم تكن مجرد تصرفات فردية أو ميدانية، بل سياسة مبرمجة من أعلى مستويات النظام، برعاية مباشرة من الخميني نفسه. منتظري يُشير في حديثه إلى أن الخميني أمر بتصفية آلاف الأشخاص فقط بسبب انتمائهم الفكري أو قراءتهم لمنشورات المعارضة، خصوصاً مجاهدي خلق.
ويكشف الشريط أيضاً عن إعدام ما لا يقل عن 300 امرأة، بعضهن أجنبيات، دون أي محاكمات عادلة أو حتى أدلة إدانة قانونية، ما يعكس استهتاراً صارخاً بأبسط مبادئ العدالة والإنسانية.
“الناس سئموا من نظام ولاية الفقيه”
في لحظة نادرة من الصراحة، يتحدث منتظري بحرقة عن الغضب الشعبي المتزايد آنذاك، قائلاً: “الناس تعبوا… حتى أهالي من أعدمنا أبناءهم يقولون الآن إن المجاهدين كانوا على حق”. كما يتساءل بمرارة عن معنى إعدام فتاة لم تُقدِم على أي عمل سوى التعبير عن رأيها بحرية.
كلام منتظري يُعدّ إدانة من الداخل، من قلب النظام، ويعكس انقساماً مبكراً بين أركان الحكم حول مشروعية تلك المجازر.
جريمة لا تسقط بالتقادم
في تعليق على التسجيل الجديد، أصدر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بياناً شدد فيه على أن ما كُشف يُعدّ دليلاً إضافياً على ارتكاب النظام لجريمة ضد الإنسانية، مطالباً بمحاسبة جميع المتورطين فيها، من آمرين ومنفذين.
البيان اعتبر أن “هذه ليست مجرد جريمة حدثت في الماضي، بل نموذج لسياسة مستمرة من الإفلات من العقاب وتكريس القمع”، مذكّراً بتقرير المقرّر الأممي جاويد رحمان الذي وصف المجزرة بأنها “جريمة ضد الإنسانية” وطالب بمحاكمة المسؤولين عنها أمام العدالة الدولية.
ثلاثون عاماً من الصمت
اللافت أن هذا التسجيل لم يظهر إلا بعد مرور 36 سنة على الجريمة، ما يكشف عن حجم التعتيم الإعلامي وخنق الحريات الذي لا يزال يطغى على الداخل الإيراني. ورغم اتساع رقعة المجازر، لم يُسمح للرأي العام بمعرفة تفاصيلها إلا عبر تسريبات قليلة، ما يؤكد أن النظام لا يزال يخشى تبعات الكشف الكامل.
العدالة مؤجلة… لكنها حتمية
الجريمة، وإن طال عليها الزمن، لم تُطوَ صفحتها. بحسب تقارير المعارضة الإيرانية، العديد من المسؤولين عن المجزرة لا يزالون يتقلّدون مناصب عليا ويتمتعون بحصانة كاملة. ومع كل كشف جديد، تتجدد المطالب الشعبية والدولية بمحاسبتهم.
ختم المجلس الوطني للمقاومة بيانه بالتأكيد على أن “تحقيق العدالة ليس فقط حقاً لضحايا المجزرة وذويهم، بل هو أساس لأي انتقال ديمقراطي حقيقي في إيران المستقبل”.