السبت , أبريل 19 2025
الرئيسية / الشأن الإيراني / إعادة التفكير في السلوك الإيراني ودوره الإقليمي

إعادة التفكير في السلوك الإيراني ودوره الإقليمي

إعادة التفكير في السلوك الإيراني ودوره الإقليمي

طهران

الشرق نيوز 

 

يبدو أن مفاوضات مسقط الأخيرة قد فتحت باباً لإعادة النظر في السياسات الإقليمية التي يتبعها النظام الإيراني، إذ تُطرح أسئلة جذرية حول مستقبل الدور الإيراني في المنطقة ودوره في دعم بعض الفاعلين الإقليميين. فما القيمة الحقيقية لهذه المفاوضات دون تناول المشكلات الجوهرية المتعلقة بسلوك إيران على المستوى الإقليمي؟ يجدر بالنا النظر في أن الملف النووي، رغم أهميته، لا يمثل سوى جانب واحد من معضلات السياسة الخارجية الإيرانية، التي تكشف من خلال دعمها لميليشيات وجماعات تسعى لإحداث انقسامات داخل الدول والمناطق العربية.

لقد اتبعت الإدارة الإيرانية نهجاً شائكاً امتد إلى ما وراء الخطاب النووي التقليدي، حيث اعتمدت على شبكة واسعة من الدعم المالي والتدريبي لعناصر وانتماءات سياسية متعددة. ففي بعض الحالات، برز دور إيران في تدريب عناصر من جماعات مسلحة في إطار صراعات محلية وإقليمية، مما يسهم في تعقيد المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. هذا التدريب الذي تم في بعض الأحيان في الأراضي السورية، على سبيل المثال، لم يكن مجرد دعم عسكري بحت، بل كان جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى خلق روابط مع فاعلين يمكنهم خدمة مصالح طهران على مختلف الأصعدة.

إن الأحداث الأخيرة تُظهر أن السياسات الإيرانية لم تعد مقتصرة على الملف النووي وحسب، بل تشمل سلوكيات تتعلق بالتدخل في الأزمات الإقليمية، سواء كان ذلك في لبنان أو العراق أو حتى في شمال إفريقيا. ففي بعض الدول، تركت إيران بصمتها من خلال دعم ميليشيات محلية تعمل على زعزعة الاستقرار وتفتيت القواعد التقليدية للسلطة. وبهذا يصبح السؤال المركزي: هل تستطيع إدارة ترامب تجاوز التركيز التقليدي على الملف النووي، لتتناول الجانب الأهم من السياسة الإيرانية الذي يتجلى في سلوكها في ميادين الصراعات؟

تنعكس هذه السياسات في نتائج ملموسة على الدول ذات الأهمية الاستراتيجية، حيث بات واضحاً أن إيران، من خلال شبكاتها العسكرية والسياسية، تسعى لإعادة رسم معادلات القوة في المنطقة. فقد شهدنا تحولات نوعية في الأوضاع في لبنان والعراق واليمن، حيث تكشف الوقائع عن تراجع النفوذ الإيراني في بعض المجالات إلى جانب استمرار تأثيره من خلال ميليشيات مثل الحشد الشعبي. وفي المقابل، تتعرض بعض الدول لضغوط من قبل القوى الإقليمية التي تسعى للتخفيف من التأثير الإيراني، مما يجعل التحالفات والتحولات الإقليمية أكثر تعقيداً مما كان عليه الحال في السابق.

من جهة أخرى، تبرز المفاوضات في مسقط كمحاولة لإعادة صياغة العلاقات بين القوى الكبرى في المنطقة، خاصةً في ظل تغير المشهد العالمي ونفوذ القوى العظمى. فهذه المفاوضات ليست مجرد لقاءات دبلوماسية بل هي معركة فكرية وسياسية تهدف إلى تحديد معالم مستقبل السياسات الإقليمية. وفي هذا السياق، يبدو أن الدور الإيراني في المنطقة قد بات مسألة محورية ينبغي تسليط الضوء عليها بشكل أعمق، بحيث يكون الحديث عن الملف النووي مجرد جزء من الصورة الكاملة للسلوك الإيراني.

يُبرز الحديث أيضاً عن الموقف الإيراني في المناطق التي طالما عُرفت بدعمه للمليشيات والجهات غير الرسمية، حيث يشكل هذا السلوك أحد أهم عصب الأزمة الإقليمية. فمنذ العام 1979 وحتى يومنا هذا، لم يخلُ النظام الإيراني من محاولات لتعزيز نفوذه في الأقاليم المجاورة، سواء عبر إنشاء شبكات ميليشيات أو التدخل المباشر في السياسات الداخلية للدول. هذا السلوك، الذي يهدف إلى خلق توازن جديد في المنطقة، لم يأتِ بلا تبعات، إذ أدّى إلى اشتباكات وصراعات طال أمدها وزاد من تعقيد العلاقات بين الدول.

وفي ظل هذا السياق، يصبح من الضروري أن تتبنّى الإدارة الأميركية نهجاً يضع التحليل الشامل لسلوك إيران في المرتبة الأولى، متجاوزة بذلك التركيز الحصري على الملف النووي الذي أصبح اليوم أكثر رمزية منه تأثيراً حقيقياً. إن مواجهة التحديات المرتبطة بالدور الإيراني في المنطقة تتطلب رؤية استراتيجية تتضمن مراجعة كاملة للعلاقات الإقليمية، وفي نفس الوقت الاعتراف بالفشل في نماذج التدخل السابقة التي اعتمدت على دعم جهات فاعلة تسعى لتفتيت الدول وتعطيل مسيرة التنمية الإيجابية.

ختاماً، تبقى الكرة في ملعب إيران التي بات عليها الآن أن تواجه واقعاً جديداً يشكل تحدياً ليس فقط على الصعيد العسكري، بل على مستوى السياسة الخارجية بأكملها. إن إعادة النظر في مسار السياسات الإيرانية، والاعتراف بأن النموذج القائم أصبح جزءاً من الماضي، هو الطريق الوحيد للخروج من هذا التعقيد وتحقيق استقرار يؤسس لمستقبل أكثر وضوحاً في المنطقة.

 

شاهد أيضاً

ما بعد النووي: هل التطرف الإيراني هو التهديد الحقيقي للمنطقة؟

ما بعد النووي: هل التطرف الإيراني هو التهديد الحقيقي للمنطقة؟ طهران الشرق نيوز   في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − 5 =