أهمية و تحديات الإعلام الرقمي
خليل الأسود
لم يشهد العالم تحولاً سريعاً في حقل من حقول العلم والمعرفة ، كما شهده في أقل من عقد واحد من الزمن في التكنولوجيا ومن ثم في واحد من أهم محطات العالم اليومية وهو الإعلام الرقمي.
لقد شهدت التكنولوجيا في السنوات العشر الأخيرة خصوصاً تطوراً هائلاً في شتى مجالاته ، ولعل أهم ما تجلى في تطور التقنية في هذه الفترة الوجيزة ، منصات التواصل الاجتماعي من طرف ، والحامل الأكبر لها من طرف آخر ، وأقصد به الأجهزة الذكية وعلى رأسها الهاتف الذكي.
فالهاتف الذي أصبح في متناول كل فئات الناس ، والذي جعل الكون عبارة عن رقعة صغيرة على شاشة سوداء بين أيدينا ، جعل من هذا التطور نعمة كبيرة انعكست آثارها في شتى مجالات الحياة . ولكن هذا لا يعني أن الصورة بكل هذا النقاء ، فلكل إيجابية في الحياة جانب آخر من السوء ، وهو و إن كان – أي السوء – نسبياً في بعض الأحيان ، ولكنه يأتي أحياناً متقنعاً بقناع الحسن والمقبول.
وإذا ما قارننا حياتنا اليوم بحياتنا قبل عشر أو خمس عشرة سنة على الأكثر من حيث المراسلات اليومية ، وإنجاز الأعمال اليومية ، والمعاملات البنكية والحكومية ، والمراسلات على صعيد الشركات ، وعقد الصفقات التجارية ، فإننا سنجد تطوراً هائلاً استبدل الأيام بالدقائق، وطوى المسافات ، وقرب البعيد ، وسهّل الصعب .
فماذا عن الجوانب الأخرى من حياتنا إزاء هذا التطور؟
وماذا عن الإعلام في ؟
شبكات التواصل الاجتماعي وبداية ظهور الإعلام الرقمي الجديد:
” تُعد شبكات التواصل الاجتماعي من أكثر المواقع التى يستخدمها الإنسان في الآونة الأخيرة لما لها من مميزات وانتشار وتفاعل، وتستخدم للتعبير الحر عما يراه الإنسان، وتساعده على الاشتراك مع الآخرين فى نفس الأفكار، أو تشجيع فكر معين أو رأي معين أو تقديم مجال اهتمام واحد” (1)
وهي رغم أنها لم تظهر في عصر الإنترنت، إلا أن شبكة الإنترنت ساهمت في دفع العلاقات الاجتماعية من الواقع المعاش إلى العالم الافتراضي بفضل تقنيات الجيل الثاني لشبكة الإنترنت الذى يعتمد على مساهمة المستخدمين بالمحتويات على مواقع الإنترنت
“ويعتبر موقع Geocities أول شبكة اجتماعية ظهرت فى الولايات المتحدة الأمريكية على الإنترنت عام 1994 م، تلاه بعام واحد موقع Theglobe.com ، ثم موقع Classmates.comعام 1995 م للربط بين زملاء الدراسة ، وموقع SixDehrees.com عام 1997 م، الذى ركز على الروابط المباشرة بين الأشخاص، وظهرت فى هذا الموقع الملفات الشخصية للمستخدمين وخدمة إرسال الرسائل الخاصة لمجموعة من الأصدقاء ) (2)
بدأت بعد ذلك شبكات التواصل الاجتماعي بالظهور بأشكال مختلفة ، بدءاً من العام 2002 من خلال ظهور ثلاثة مواقع كان أولها MySpace ، تلاه موقع Friendster ، ثم موقع Facebook الذى ظهر عام 2003 م، والذى أصبح بسرعة من أهم هذه المواقع الاجتماعية وأكثرها شعبية ) (3)
كما ظهرت أنواع أخرى من الشبكات الاجتماعية التى تهتم بالصور مثل موقع “فلوكر” الذى ظهر عام 2004 م، وموقع يوتيوب YouTube الذى ظهر عام 2005 م، ويهتم بنشر مقاطع الفيديو ) (4)
ما هو الإعلام الجديد ، المفهوم والبدايات:
يرى بعض الخبراء أن مفهوم الإعلام الجديد New Media يستخدم لوصف البيئة الإعلامية التي تدمج ما بين الإعلام التقليدي كالتلفزيون والراديو من جهة ، والإعلام الرقمي من جهة أخرى . خاصة الإعلام التفاعلي والإعلام الاجتماعي عبر مواقع التواصل. (5)
يتشكل الإعلام الجديد كما يتغير الإعلام الكلاسيكي داخل بيئة تواصلية متحولة. وتهم هذه التحولات مستويات عدة:تقنية،اقتصادية من جهة وثقافية تواصلية من جهة أخرى.
وتشمل الصحافة الإلكترونية مواقع الويب التي تديرها مؤسسات يمثل الإعلام نشاطها الاقتصادي الرئيسي. ثم إن المواقع الإعلامية تخضع لمقاييس ومعايير وضوابط العمل الإعلامي المتعارف عليها مهنياً سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج أو على مستوى أخلاقيات المهنة. (6)
نماذج الإعلام الجديد والصحافة الإلكترونية:
تقوم الصحافة الإلكترونية على ثلاث نماذج:
- النموذج التقني : حيث تقوم الصحافة الإلكترونية على استثمار الإمكانات التقنية لشبكة الإنترنت، التي تحدد بدورها طبيعة المضمون ، فمثلاً نجد أن المواقع الديناميكية تسمح للقارئ بخيارات عديدة لا يجدها في المواقع التقليدية ، حيث يستطيع في الأولى البحث وخلق فضاءات شخصية ، وتصنيف ما يحتاج بحسب اختياراته الشخصية .
- النموذج التحريري : تتسم الصحافة الجديدة بأنها تقوم على زمنية جديدة ، فهي خارجة على مفهوم الدورية مثلاً ، إضافة إلى أنها تعطي القارئ إمكانية المشاركة وإبداء الرأي والتفاعل .
- النموذج الاقتصادي : وهي بهذا الحال تنقسم إلى قمسين ، إما محتوى مجاني ، أو محتوى بمقابل . (7)
أهم إيجابيات الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي :
- وفرة المعلومات ، إن من أهم مميزات منصات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد أنها تتمتع بوفرة هائلة من المعلومات ، ذلك أنها لا تقتصر على الأخبار التي يوردها المراسل للوسيلة الإعلامية ، ولا على الوكالات الرسمية ، وإنما هي متاحة بيد الجميع ، وبالتالي فهي ترصد جميع تحركات الناس وأحوالهم وحوادثهم بكل يسر وسهولة ، ولكل فرد فيها صفة المراسل الذي يحمل في جعبته بعض الأخبار الجديدة.
- وسيلة اتصال : أصبحت الشبكات الاجتماعية بديلاً اتصالياً للوسائل الاتصالية الأخرى من هاتف وفاكس وتلكس وغيرها، واستحدثت أنماط جديدة من التفاعل الاجتماعي والاتصال بالآخرين دون التقيد بالموقع الجغرافي أو كلفة الانتقال أو عدم توافر الوقت اللازم للمقابلة، مما ساعد على تبادل الآ ا رء بحرية على مستوى العالم، وتعتبر تكلفة الاتصال على الشبكات الاجتماعية أقل بكثير من تكلفة وسائل الاتصال الأخرى.
- سهولة الاستخدام ، إذ أنها لا تحتاج إلى معرفة عميقة بالتقنية ، وإنما فقط تحتاج إلى المعلومات الأساسية في استخدام الهاتف أو الكمبيوتر الشخصي .
- وسيلة إعلامية ، فهي الحامل والمحمول في نفس الوقت ، كما أنها رغم اقتصارها في بداياتها على وسائل الإعلام التقليدية التي حجزت لها مكاناً على الشبكة ، إلا أنها اليوم متاحة للمؤسسات والأفراد ، وقد نأتي إلى يوم تقتصر فيه الصحافة على الصحافة الإلكترونية مع انقراض الصحافة الورقية ، كما سيغطي الإنترنت والهاتف الجوال على احتياجات التلفزيون والسينما والراديو.
- كما تتميز أيضاً باللامكانية و اللازمانية والقدرة على التفاعل .
أهم السلبيات
- فقدان الهوية وعدم الموثوقية ، مع انتشار الإنترنت ووجود الهاتف الجوال في أيدي الغالبية العظمي من البشر في وقتنا الحالي فإن حاجة الإنسان العادي اليومية لتلقي الأخبار لم تعد مقترنة بتلك المحطات التلفزيونية أو المحطات الإذاعية المعروفة ، وإنما يكتفي الغالبية اليوم بتصفح الأخبار التي يتم نشرها أو مشاركتها من قبل الأفراد ، أو الإعلاميين المستقلين . وكل هذا جعل الفضاء واسعاً رحباً معرضاً لكل أنواع الكذب والتضليل والأخبار الكاذبة والإشاعات .
- الأخبار الزائفة Fake news ، كما أسلفت فإن انتشار كل ما سبق من الأدوات ، وضخامة الفضاء المستقبل والحامل ، جعل من الصحافة الرقمية أكثر عرضة لحمل الأخبار الزائفة والعناوين المضللة ، والمعلومات الكاذبة .
- عدم خضوعها للقوانين والأنظمة الصحفية المهنية ، وبما أن الصحافة الرقمية غير محدودة بقوانين تنظم عملها حتى يومنا الحالي فإن ذلك جعل منها بؤرة خطيرة من بؤر انتشار خطابات الكراهية والعنصرية والترويج للأفكار الشاذة أو المنافية للأخلاق أو لاستقرار المجتمعات .
مستقبل الإعلام التقليدي والرقمي والمنافسة بينهما:
لا يخفى على المتابع اليوم أن البساط بدأ فعلياً ينسحب من تحت أقدام الإعلام التقليدي لصالح الإعلام الرقمي ، وهو – الأخير – رغم أنه لا يزال في طور النشأة إن صح التعبير ، ولكنه استطاع أن يكون ذا تأثير على حياة الناس وتلقيهم الأخبار والمعلومات بشكل أكبر في السنوات العشر الأخيرة خصوصاً ، وإذا ما دققنا في آراء المتابعين لقضية المنافسة بين التيارين ، وإفرادهم أبحاثاً عديدة تتنبأ بالمستقبل لكل منهما ، فإننا نجد أنهم ينقسمون في آرائهم إلى ثلاث:
- وأولهم من يقولون بأن الإعلام التقليدي انتهى ، وأن القنوات التلفزيونية مثلاً بدأت بإحصاء الخسائر ، وبالتالي فإن المستقبل للإعلام الرقمي الجديد.
- ومنهم من يقول بأن الإعلام التقليدي باق لعشرات السنوات ربما ، وخصوصاً في البلاد النامية والوطن العربي ، ذلك أن غالبية الناس تستقي أخبارها من التلفزيونات الرسمية .
- ومنهم من يذهب مذهباً وسطاً ، وأنا معهم في هذا الرأي ، الذي يرى بأن الإعلام التقليدي لا بد منه خصوصاً في الأحداث الكبرى التي تستدعي تدقيقاً في الخبر ومتابعة لتطوراته ، وأن المستقبل يتسع للشريكين معاً . (8)
تحديات الإعلام الرقمي الجديد :
- التحدي التشريعي : أمام هذا السيل الكبير الهائل من المعلومات ، والتي تحتمل الصحة والخطأ ، والخبر العادي اليومي والخبر التحريضي والمثير للنعرات الطائفية أو الكراهية والعنصرية ، فإنني أرى أنه لا بد من تشريعات على مستوى الدولة تنظم ولا تحتكر العملية ، وهي بالفعل أصبحت ضرورة تحد من الآثار الجانبية للمعلومات التحريضية ونشر الكراهية .
- التحدي السلوكي : أرى أن الشباب خصوصاً أصبحوا أمام هوة كبيرة تسمى ” الإدمان الإلكتروني ” ومن هنا أرى أنه لا بأس بأن تقوم بعض الجهات العامة أو الخاصة بإنتاج بعض المواد التي تنبه إلى مساوئ الإدمان الإلكتروني وإلى ضرورة تنظيم الوجود على شبكة الإنترنت بشكل عام ، وعلى منصات التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
- تحدي الموثوقية : لا حصر اليوم للمواقع والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ، وقد أصبحت جميعها بمثابة مناهل للإعلام بمعنى أو بآخر ، حيث أن غالبية الناس تستقي أخبارها منها ، وبالتالي فإن عدم وجود جهة رسمية وراء هذه الحسابات الشخصية والمواقع الإلكترونية ، يجعلها عرضة أكثر للميول الشخصية والمصالح الضيقة ، مما قد يجعل هذه الأخبار تحتمل الخطأ بقدر ما تحتمل الصح ، وتحتمل الخبايا السيئة بقدر ما تحتمل النية الصالحة . ومن هنا فإن الموثوقية تشكل عاملاً أساسياً وتحدياً كبيراً أمام هذه المواقع والمنصات .
- تحدي طمس الهوية الخاصة ” الوطنية أو القومية ” لحساب الهوية العالمية .
- تحدي الاستخدام الخاطئ للحرية الشخصية في استخدام هذه المنصات والمواقع ، ولعل أكثر ما يثير الخوف الفعلي في هذا الباب هو التطبيق الحديث نسبياً ” تيك توك ” الذي استقطب الغالبية الساحقة من الشباب ، وقدم الكثير من المغريات ليجذبهم إليه ، وبالتالي فقد وجد الشاب والمراهق نفسه أمام باب غير أصيل يتيح له ممارسة ما شاء في الوقت الذي يشاء ، وبدون أي رقيب . وبالتالي وجدنا انصرافاً رهيباً للشباب والمراهقين خصوصاً إلى هذا التطبيق الذي وجدوا فيه هويتهم وكينونتهم بحسب اعتقادهم
الهوامش والإحالات:
- عبد الكريم على الدبيسي، زهير ياسين الطاهات ، دور شبكات التواصل في تشكيل الراي العام لدى الطلبة الأردنيين 2013 ، ص 70
- عبد المنعم توفيق،ميمي ، شبكات التواصل الاجتماعي النشأة والتأثير ، ص 21
- عبد الكريم على الدبيسي، زهير ياسين الطاهات ، دور شبكات التواصل في تشكيل الراي العام لدى الطلبة الأردنيين 2013 ، ص 70
- الأسدودي نها نبيل رسالة ماجستير ، دور مواقع التواصل الاجتماعي في إدارك الشباب الجامعي لحرية الرأي ، 2012 ، ص 101
- المقدادي خالد غسان يوسف ، ثورة الشبكات الاجتماعية دار النفائس ص 144
- الحمامي صادق ، الإعلام الجديد ص4
- نفسه ص6 بتصرف
- المقدادي خالد غسان يوسف ، ثورة الشبكات الاجتماعية دار النفائس ص 158