السبت , أبريل 12 2025
الرئيسية / مقال / علاقة سوريا وأمريكا : زواج كاثوليكي أم مسيار

علاقة سوريا وأمريكا : زواج كاثوليكي أم مسيار

علاقة سوريا وأمريكا : زواج كاثوليكي أم مسيار

أحمد السالم

دخلت سوريا مرحلة ما بعد الثورة كمن يخرج من متاهة ليكتشف أنه في متاهة أكبر. وبينما كان الشعب السوري يستعيد أنفاسه ويحصي خسائره، كانت واشنطن ترتب أوراقها، وتطالع خريطة الشرق الأوسط وكأنها تبحث عن زر إعادة التشغيل.

الولايات المتحدة، وكعادتها، لم تتأخر في إرسال التصريحات المنمقة والتي تصلح لعناوين الصحف أكثر مما تصلح لحل أزمات الشعوب. قال بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، “ندعم سوريا موحدة، تعددية، مدنية…”. وبدا وكأنه يصف إعلاناً لمخيم صيفي لا يتحدث عن دولة خارجة من حرب إبادة استمرت 14 عاماً.

لكن لنكن منصفين: أمريكا – رغم كل تحفظاتنا – مدت يدها، لكن بالطول الذي يناسبها فقط. فقدمت شروطاً “علنية” تشبه قائمة تسوق في سوبرماركت دولي: تدمير الأسلحة الكيميائية، إخراج المقاتلين الأجانب من الحكومة، التعاون في مكافحة الإرهاب، العثور على الصحفي أوستن تايس، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كـ”الشرير الرسمي” للموسم الجديد من المسلسل السوري، ولكن ما خفي من شروط هو الأهم بالتأكيد.

في المقابل، الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، أكد في أكثر من مناسبة بأن سوريا ستكون دولة آمنة ومستقرة لا تشكل خطراً على أحد، كما أنه هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، قائلاً إنه “يثق في قدرته على جلب السلام للشرق الأوسط”. وهنا لا يسعنا إلا أن نرفع الحاجب الأيسر – ذلك الحاجب الذي رفعه السوريون منذ بداية الثورة حتى صار عضلة وطنية – ونسأل: هل حقاً تُحل أزماتنا عبر هواجس ما بعد منتصف الليل؟

الأكثر طرافة أن الفيدرالية الكردية “المدعومة أمريكياً” والدرزية “المدعومة إسرائيلياً” والعلوية “المدعومة إيرانياً وروسياً” ظهرت فجأة من خلف الستار، مطالبة بنظام يضمن لكل منهم حكماً ذاتيّاً، ويقنع الجيران أن الأمور تحت السيطرة. القيادة السورية الجديدة نظرت لهم بدهشة، وكأنها لا تعلم أسرار الأصوات الخافتة. بينما تركيا أخرجت دفتر الاعتراضات الرسمي، وأعلنت أنها لا تحب أصوات النشاز.

وفي الأثناء، أوقفت أمريكا مساعدات غذائية وإنسانية لسوريا ضمن حملة تخفيض النفقات. وكأنها تقول: “نحن معكم إنسانياً… بشرط أن لا يكلفنا ذلك كثيراً”. ثم تراجعت جزئياً بعد ضغوط – وكالعادة – أسموها “مراجعة استراتيجية”، وهو مصطلح سياسي يعادل: “فكرنا بالأمر من جديد لأن الانتقادات كانت مزعجة”.

المضحك المبكي أن كل طرف في هذه العلاقة يتصرف كما لو أنه منسجم، كعائلة سعيدة تمضي عطلتها في بيت يقع وسط الغابات، بينما الحقيقة أن ذلك البيت منزوع السقف، وبابه مخلوع، وجدرانه متصدعة. فواشنطن تراوغ كعادتها، تجدها تُلوّح بالعقوبات في يد، وتعرض الدعم ورفع العقوبات باليد الأخرى، ولا تعترف بالحكومة السورية الجديدة تارتاً، وترحب بتشكيل الحكومة السورية الجديدة تارتاً أخرى، وتُلمح أن سوريا أصبحت الولاية 82 التركية تحت حكم وكلاء لصديق ترامب أردوغان شديد الذكاء، كما وصفه مؤخراً ، أما دمشق الجديدة، فتحاول الرقص بين ألغام الداخل وإملاءات الخارج.

وما بين الضغوط الدولية، والعراقيل الإقليمية، والشروط الأمريكية المعلنة والمخفية، تبقى العلاقة بين سوريا وأمريكا أشبه برقصة تانغو متعثرة، كل طرف يريد أن يخرج أفضل ما لديه، ولكن لا أحد يعرف أساسياتها على الإطلاق. فقط الشعب السوري، كما جرت العادة، يُطلب منه التصفيق بحرارة بعد كل خطاب ممل دونما فهم.

في النهاية، إذا كانت السياسة فن الممكن، فإن ما بين دمشق وواشنطن هو فن التعقيد. علاقة تحكمها المصالح، تتخللها التصريحات، وتثقلها الشروط، وتفسدها الحسابات القديمة والجديدة. وربما حين يتعب الجميع من الإبتزاز السياسي والتدخلات العبثية، ستُكتب صفحة جديدة أو على الأقل، سيتغير الخط المستخدم.

شاهد أيضاً

سُورِيَا حُلْمٌ بَاقٍ أَمْ كَابُوسٌ لَا يَنْتَهِي؟

سُورِيَا حُلْمٌ بَاقٍ أَمْ كَابُوسٌ لَا يَنْتَهِي؟ أحمد السالم     في سماء الوطن ، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =