بعد زيارة الشرع لتركيا.. هل تقود دمشق وأنقرة حربا ضد قسد؟
بقلم: محمد عثمان
أعرب الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن امتنانه لموقف تركيا “التاريخي” الداعم للشعب السوري خلال سنوات الثورة، وذلك في إطار زيارة رسمية إلى تركيا. وأكد أن الشعب السوري لن ينسى دور تركيا في استضافة اللاجئين ودعمهم منذ عام 2011.
وأشار الشرع إلى عمق العلاقات التاريخية والجغرافية بين البلدين، معتبرًا أن الثورة السورية والتفاعل التركي عززا هذه الروابط. ووصف العلاقات الحالية بأنها “أخوية ومتميزة”، داعيًا إلى تحويلها لشراكة استراتيجية تشمل التعاون في المجالات الإنسانية والاقتصادية والأمنية.
بدوره، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العالم العربي والإسلامي إلى دعم القيادة السورية الجديدة، وقال إن الشعب السوري لديه الآن الإرادة اللازمة لتقرير مستقبله. وبشأن ملف القوات الكردية في سوريا قال الرئيس التركي “أبلغنا الشرع بأن تركيا مستعدة للمساعدة في المعركة ضد المسلحين الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية”، وأضاف “ناقشت مع الشرع الخطوات التي سيتم اتخاذها ضد المسلحين في شمال شرق سوريا”.
وفي السياق، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال تصريحات نقلتها وكالة الأناضول الرسمية، أن الشرع، يتبنى موقفًا واضحًا تجاه حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يتوافق مع الاحتياجات الأمنية لتركيا. وأوضح أن أجندة الإدارة السورية لا تتضمن خيارات مثل الفدرالية أو الحكم الذاتي، مؤكدًا أن الدولة السورية مطالبة إما بإعادة جميع أعضاء حزب العمال الكردستاني الذين قدموا من دول مختلفة إلى بلدانهم الأصلية، أو القضاء عليهم لضمان وحدة سوريا الوطنية.
يأتي هذا وسط تصاعد التوتر بين الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا من جهة، ووحدات حماية الشعب الكردية القوة الرائدة ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق سوريا، من جهة أخرى. حيث تستمر الاشتباكات العنيفة في شرق حلب ومحيط سد تشرين، موقعة الكثير من القتلى والجرحى من الطرفين.
ومن الجدير بالذكر، أن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب المدعومة أمريكياً امتداداً لحزب العمال الكردستاني وخطراً على أمنها القومي وتصنفها على أنها جماعة إرهابية. وقد دفعت قوات الجيش التركي مؤخراً بمعدات ومركبات عسكرية وذخائر إلى حدود عين العرب (كوباني). بينما دفعت دمشق بأرتال من القوات باتجاه شمال وشرق سوريا.
وبحسب المراقبين، فإن تصريحات رئيس “الإدارة الذاتية” لشمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة “قسد” مظلوم عبدي، في الأيام الماضية والتي أكد فيها أن المطلب الأساسي للقوات هو الإدارة اللامركزية، يمثل تحدياً للإدارة السورية الجديدة، ومؤججة للحرب. خصوصاً بعدما هاجم عبدي تركيا قائلاً بأنها “تريد احتلال مدينة عين العرب كوباني، ومن ثم السيطرة على كل سوريا”.
مقابل ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول داعم لـ”قسد” على الأرض، وسبق وأن أفادت واشنطن على لسان مسؤوليها بأن الأكراد حليف موثوق ومهم لها في إطار محاربة تنظيم داعش الإرهابي. ومنذ أيام، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بإجراء قسد تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في قاعدة الوزير بريف الحسكة، استُخدمت خلالها الذخيرة الحية وأسلحة متطورة استقدمتها قوات التحالف الدولي مؤخراً إلى قواعدها في شمال شرق سوريا. وأشار المرصد إلى أن التدريبات تهدف لرفع مستوى التنسيق بين قوات التحالف الدولي وقسد وتعزيز الجاهزية القتالية لمواجهة أي تهديدات محتملة في المنطقة.
وبرأي المحلل السياسي عمار الخطيب فإن الولايات المتحدة تعمل على تحجيم الدور التركي في سوريا عبر دعم ألد أعداء أنقرة على حدودها الجنوبية. والتوتر القائم بين الدولتين العضوتين في حلف شمال الأطلسي في سوريا لهو مؤشر غير سار بالنسبة لمستقبل الإدارة الجديدة في البلاد.
وأشار بأن زيارة الشرع لأردوغان بالأمس، جاءت للتحضير لعملية عسكرية واسعة ضد الأكراد في الشمال السوري، نظراً لتعثر المفاوضات مع قسد والتمسك التركي بنزع سلاحهم وحل قوتهم التي أسسوها بالتعاون مع الولايات المتحدة. ولفت الى أن الأتراك لن يرضخو لمصالح الأمريكيين وسيعملون على حفظ أمنهم القومي في المرتبة الأولى.
من جهة أخرى، أكد الخطيب على أن الطموحات التركية في المشاركة الكبيرة في مشروع إعادة بناء سوريا والإستفادة من موقعها والعلاقة المتينة مع إدارتها الجديدة، تصطدم بواقع مواجهة الإقتصاد التركي لمجموعة من التحديات التي أثرت على أدائه في السنوات الأخيرة وطرحت تساؤلات عن مستقبله.
وأردف بأن الإقتصاد التركي يعاني من معدلات تضخم مرتفعة، تعد من أعلى النسب في العالم، ما أثر على القوة الشرائية للمواطنين ورفع تكاليف الواردات ومعدلات البطالة. ناهيك عن مستوى مرتفع من الديون الخارجية لتركيا، خاصة في القطاع الخاص، ما جعلها تخضع لتقلبات أسواق المال العالمية وارتفاع أسعار الفائدة الدولية. كما أن اتباع الحكومة التركية سياسات نقدية غير تقليدية، مثل خفض أسعار الفائدة، أثار انتقادات واسعة من الخبراء الاقتصاديين.
وختم الخطيب بأن تعويل الإدارة السورية الجديدة على تركيا سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لن يحقق الاستقرار المطلوب لسوريا الجديدة. وهناك علامات إستفهام كثيرة متعلقة بمدى طول أمد وحجم مشاريع الاستثمار والدعم التي تستطيع تركيا تقديمها لسوريا. فضلا عن أن توتر العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة، لن يخدم الشرع في ملف القوات الكردية، ومسألة بسط سيطرة الدولة على كامل سوريا، وقضية رفع العقوبات الإقتصادية عن البلاد.