السبت , أبريل 19 2025
الرئيسية / الآن / التواجد الأمريكي شرق الفرات في سوريا: الأبعاد الاستراتيجية وتفاصيل الانسحاب المتوقع

التواجد الأمريكي شرق الفرات في سوريا: الأبعاد الاستراتيجية وتفاصيل الانسحاب المتوقع

 

التواجد الأمريكي شرق الفرات في سوريا: الأبعاد الاستراتيجية وتفاصيل الانسحاب المتوقع

عمر خطاب

 

منذ عام 2014، ومع تصاعد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بدأت الولايات المتحدة نشر قواتها في شمال شرق سوريا، شرق نهر الفرات، ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. رغم إعلان هزيمة التنظيم عسكرياً عام 2019، ما يزال التواجد الأمريكي قائماً، مما يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية ومستقبله في ظل تعقيدات المشهد السوري والإقليمي.

  1. الأسباب والدوافع: بين المعلن والمضمر

تعد محاربة بقايا داعش السببَ الرسمي للوجود الأمريكي، حيث تدعم واشنطن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) – التي يهيمن عليها الأكراد عبر وحدات حماية الشعب (YPG) – في ملاحقة الخلايا النائمة، عبر توفير معلومات استخباراتية ودعم جوي. 

وتسيطر قسد على 90% من احتياطيات سوريا النفطية، ما دفع واشنطن إلى تبرير وجودها بـ”حماية النفط من داعش”، إلا أن محللين يرون فيها أداة للضغط الاقتصادي على النظام السوري وحلفائه، عبر حرمانهم من عائدات الطاقة قبل سقوط النظام، وكان يسعى التواجد الأمريكي إلى عرقلة المشروع الإيراني الرامي لإنشاء ممر بري يصل طهران ببيروت عبر العراق وسوريا، مما عزز التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وطهران. وتشكل قسد حليفاً استراتيجياً لواشنطن، حيث توفر لها القواعد العسكرية نفوذاً مباشراً، بينما تحمي الأخيرة الحلفاء من تهديدات تركية أو سورية.

  1. الخطة الاستراتيجية: أهداف متشابكة

تعتمد الاستراتيجية الأمريكية على محاور متعددة، فمن الناحية العسكرية يتم الحفاظ على قوات محدودة قوامها حوالي 900 جندي لدعم عمليات مكافحة الإرهاب. أما اقتصادياً، فيجري استخدام النفط كورقة ضغط عبر فرض عقوبات على الشركات التي كانت تتاجر مع النظام السوري. وعلى الصعيد السياسي، كانت تسعى واشنطن لتعزيز التفاوض حول حل سياسي يضمن حقوق الأكراد ويحد من نفوذ إيران وروسيا. وإقليمياً، تعمل على تحقيق توازن في العلاقة مع تركيا، الحليف في الناتو، التي تعتبر دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب تهديداً لأمنها القومي.

  1. دعم قسد: شراكة مثيرة للجدل

رغم الدور الحاسم لقسد في هزيمة داعش، فإن دعمها يخلق توترات مع تركيا التي تصنف وحدات حماية الشعب كامتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وتشن عمليات عسكرية متكررة ضدها. كما ترفض دمشق أي شرعية لقسد، معتبرة إياها “عميلة للاحتلال”، بينما تتهم فئات عربية في المنطقة قسد بتمييز عرقي، مما يهدد الاستقرار المحلي.

  1. الجدل حول شرعية التواجد

يُعتبر الوجود الأمريكي غير شرعي من منظور القانون الدولي دون موافقة الحكومة السورية أو تفويض من مجلس الأمن، ما جعله – بحسب موسكو ودمشق – “احتلالاً يستهدف نهب الثروات”. ويشكك خبراء في ضرورة الاستمرار بالوجود بعد تقلص خطر داعش و سقوط النظام السوري، ويرون فيه محاولة لتقسيم سوريا أو تأمين مصالح نفطية. وفيما يتعلق بسيناريوهات المستقبل، قد يُعيد التوصل لاتفاق بين الأكراد والحكومة السورية  إلى إعادة انتشار القوات الأمريكية، لكن واشنطن تشترط ضمانات لحلفائها الأكراد .

 وقال الصحفي المحلي أحمد الخليفة يظل التواجد الأمريكي شرق الفرات محكوماً بتناقضات داخلية وإقليمية: بين مكافحة الإرهاب وضبط النفوذ الإقليمي، وبين دعم الأكراد وإرضاء تركيا. ورغم تراجع البعد الأمني و العسكري بعد سقوك النظام السوري ، فإن المصالح الجيوسياسية والاقتصادية تبدو عوامل حاسمة في استمراريته، مما يجعله ورقة في الصراع الأوسع على إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

و قال الناشط الاعلامي عبد الناصر الخضر أن أكثر من عقدٍ على التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، لا تزال واشنطن تتأرجح بين إعلانات الانسحاب والإصرار على البقاء. و مع حلول أبريل 2025، يُطرح السؤال مجدداً: لماذا لم تنسحب الولايات المتحدة تماماً؟ وما الذي يُبقي نحو 900 جندي أمريكي في مناطق متفرقة شرق الفرات وقاعدة التنف؟ الإجابة تكمن في تشابك المصالح الجيوسياسية، والرهانات الأمنية، والصراعات الإقليمية التي تحوّل سوريا إلى ساحة موازنة قوى دولية.

الواقع الميداني: وجودٌ محدود بأهداف موسعة

رغم تقلص الوجود العسكري الأمريكي من ذروته خلال حملة محاربة داعش (2014-2019)، لا تزال القوات الأمريكية متمركزة في شمال شرق سوريا (شرق الفرات)، حيث تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ملاحقة خلايا داعش  

في عام 2018، أعلن الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجئ سحب القوات الأمريكية، معتبراً أن هزيمة داعش اكتملت، لكن الضغوط الداخلية والخوف من الفراغ الأمني أجبرته على التراجع، مع تحويل المهمة إلى “حماية النفط السوري”. وفي عام 2019، قبيل العملية العسكرية التركية “نبع السلام”، أخلت واشنطن مواقعها الحدودية، مما سمح لأنقرة باجتياح عفرين، وكشف عن أولوية حماية القوات الأمريكية على حلفائها الأكراد. وخلال الفترة من 2021 إلى 2025، حافظت إدارة بايدن على الوضع القائم، مع تركيز مُعلَن على “مكافحة الإرهاب”، لكن الأهداف غير المعلنة كانت تشمل حرمان النظام السوري من عائدات النفط عبر فرض عقوبات على الشركات المتعاملة مع دمشق، وتقويض الممر الإيراني عبر دعم عمليات “الاستخبارات الإلكترونية” ضد الميليشيات.

حجج الانسحاب: بين المثالية والواقعية

هناك مؤيدون للانسحاب يرون أن المهمة الأساسية قد أنجزت مع تقلص خطر داعش بعد تدمير بنيته التنظيمية، ويشيرون إلى الكلفة البشرية والمالية للوجود العسكري التي تصل إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، كما يرى هؤلاء أن غياب تفويض أممي أو دعوة من الحكومة السورية يجعل الوجود الأمريكي يفتقر للشرعية الدولية ويعرض واشنطن لانتقادات كـ”احتلال”، بالإضافة إلى أن الانسحاب قد يساهم في استرضاء تركيا وتخفيف التوتر مع هذا الحليف في الناتو عبر تقليص الدعم العسكري لوحدات حماية الشعب الكردية. 

في المقابل، يعارض آخرون الانسحاب خشية الفوضى الأمنية التي قد يخلقها فراغ القوات الأمريكية، مما قد يعيد إنتاج داعش أو يعزز خطر الميليشيات الإيرانية التي تضع قواعد عسكرية قريبة من الحدود السورية. ك

ما يحذرون من خيانة الحلفاء، حيث أن التخلي عن قسد قد يُعيد سيناريو 2019 حين تعرض الأكراد لهجوم تركي-سوري مشترك، بالإضافة إلى أهمية قاعدة التنف الاستراتيجية التي تشكل عيناً على تحركات إيران بين العراق وسوريا.

رغم الضغوط الداخلية من الكونغرس، خاصةً من الجمهوريين، للحد من “المغامرات الخارجية”، رفعت إدارة بايدن شعار “الانسحاب الكارثي أسوأ من البقاء المحدود”. و يجب الاعتماد على غارات الطائرات المسيّرة لضرب قادة داعش بدلاً من نشر قوات برية، وتنسق مع التحالف الدولي لتمويل مشاريع إعادة الإعمار في مناطق قسد كـ”بديل عن دعم الحكومة السورية”، بالإضافة إلى إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة السورية الجديدة لضمان عدم استهداف مناطق الوجود الكردي بعد الانسحاب الامريكي .

المستقبل: سيناريوهات مرهونة بالصراعات الجانبية

من بين السيناريوهات المستقبلية المحتملة انسحاب تدريجي في حال نجاح المفاوضات بين الأكراد ودمشق برعاية امريكية ، حيث قد تقلص واشنطن وجودها مقابل ضمانات لحماية حلفائها. 

خاتمة: وجودٌ بلا نهاية… حتى إشعار آخر

الوجود الأمريكي في سوريا لم يعد مجرد “مهمة لمكافحة الإرهاب”، بل تحول إلى أداة في لعبة الموازنات الإقليمية. بينما تُصر واشنطن على أن بقاءها “ضرورة أمنية”، تُجمع الأطراف السورية على رفض الشرعية الدولية لهذا التواجد. يبدو أن انسحاباً كاملاً لن يحدث دون تسوية سياسية شاملة تُرضي الأكراد، وتضمن مصالح روسيا، وتحد من طموحات إيران… معادلةٌ مستحيلة في سوريا ما بعد الحرب. 

و قال الناشط علي العلي أنه في ظل تطورات متسارعة، بدأت ملامح تحول جوهري في الاستراتيجية الأمريكية بشرق سوريا تظهر إلى العلن. حيث تشير تقارير حديثة عن إغلاق قواعد عسكرية، وتخفيض القوات، وتحركات ميدانية ضخمة باتجاه العراق، و هنا تطرح تساؤلاتٍ حول طبيعة هذه الخطوة: هل هي مجرد إعادة تموضع تكتيكي، أم مؤشر على تغيير استراتيجي في السياسة الأمريكية تجاه سوريا والمنطقة؟ بينما تتعدد التفسيرات، تبقى التداعيات العسكرية والسياسية والإنسانية لهذه الخطوة محطّ اهتمام دولي.

التحركات الميدانية: قراءة في الأرقام والتفاصيل

أعلنت الولايات المتحدة إغلاق ثلاث قواعد رئيسية في شمال شرق سوريا، منها قاعدتا “القرية الخضراء” و”الفرات” المرتبطتان بحقليّ العمر وكونيكو للغاز، مما يُضعف الوجود المباشر قرب المنشآت النفطية الحيوية. وقد تضمنت عمليات الإخلاء تفكيك مرافق القواعد ونقل معدات عسكرية عبر أرتال ضخمة، وصل أحدها إلى 200 مركبة، في إشارةٍ إلى نية عدم العودة.

كما تم خفض عدد الجنود من 2000 إلى 1400 جندي كمرحلة أولى، مع خطط محتملة لتقليص العدد إلى 500 جندي، وفق توصيات قيادية، حيث تُركّز القوات المتبقية على دعم “قسد” في عمليات مكافحة الإرهاب وإدارة معسكرات الاحتجاز التي تضم آلاف عناصر داعش وعائلاتهم.

السياق السياسي والأمني: دوافع التحرك الأمريكي

مع تراجع التهديد المباشر لداعش وتصاعد الضغوط الدولية لإنهاء “الاحتلال غير الشرعي”، تسعى واشنطن لتخفيف التوتر مع دمشق عبر تسريب معلومات استخباراتية ساعدت الحكومة السورية الجديدة في إفشال  هجمات لداعش مؤخراً. 

وتأتي هذه الخطوة كجزء من مراجعة أوسع للانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، مع تركيز أكبر على مواجهة الصين وروسيا في ساحات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تنذر اجتماعات متكررة بين “قسد” ودمشق باتفاقٍ لتسليم بعض الحقول النفطية، في إطار بحث الأكراد عن حليفٍ بديلٍ وسط شكوكٍ في التزام واشنطن طويل الأمد.

التداعيات: فرصٌ ومخاطر

عسكرياً، قد تستغل إيران وتركيا الفراغ لتعزيز نفوذهما، بينما تسعى روسيا لترسيخ دورها كوسيطٍ بين الأطراف السورية، ويظل خطر عودة داعش قائماً مع ضعف القدرات الأمنية المحلية. سياسياً، قد يدفع تراجع الثقة بين “قسد” وواشنطن الأكراد إلى تفاهماتٍ مع الحكومة السورية قد تشمل حصانةً لقادتهم مقابل تسليم المنشآت النفطية.

 أما إنسانياً، فقد تسبب تجميد المساعدات الأمريكية بانهيار خدمات الرعاية الصحية والغذائية، حيث تعتمد منظمات مثل “أنقذوا الطفل” على التمويل الأمريكي، ويعيش نحو 90% من السوريين شرق الفرات تحت خط الفقر، مع تصاعد حاد في سوء التغذية بين الأطفال.

السيناريوهات المستقبلية: ماذا بعد؟

من بين السيناريوهات المستقبلية انسحاب تدريجي قد تستمر فيه واشنطن في سحب قواتها بشكلٍ متدرجٍ مقابل ضماناتٍ بسلامة حلفائها الأكراد، مع إبقاء وجود رمزي في قاعدة التنف. سيناريو آخر يتمثل في تحوّل الاستراتيجية الأمريكية إلى الاعتماد على الضربات الجوية والعمليات الخاصة بدلاً من الوجود البري المكلف. 

خاتمة: بين المطرقة والسندان

الانسحاب الأمريكي الجزئي من شرق سوريا ليس نهاية المطاف، بل بداية فصلٍ جديدٍ من التعقيدات. بين سعي واشنطن لتخفيف أعبائها، وخوف الأكراد من التخلي عنهم ، تظل الساحة السورية ساحةً مفتوحةً على كل الاحتمالات. 

لكن الثمن الأكبر يدفعه المدنيون، الذين تحوّلوا إلى وقودٍ في صراعٍ تتشابك فيه المصالح الدولية، بينما تُغلق أبواب الأمل أمامهم، يوماً بعد يوم.

 

شاهد أيضاً

ما بعد النووي: هل التطرف الإيراني هو التهديد الحقيقي للمنطقة؟

ما بعد النووي: هل التطرف الإيراني هو التهديد الحقيقي للمنطقة؟ طهران الشرق نيوز   في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + 15 =