جنوب، شمال، سوريا بين أنقرة وأبوظبي
فراس علاوي
تشير الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية السوري إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد مشاركته في مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي واللقاءات التي عقدها الرئيس السوري خلال فترة انعقاد المؤتمر مع عدد من القادة والمسؤولين، إلى تحوّل دقيق في المقاربة السورية تجاه الملفات الإقليمية المتشابكة، لا سيما تلك المرتبطة بمناطق الشمال والجنوب السوري.
بين أنقرة وأبوظبي، تتحرك دمشق بخيوط دقيقة في محاولة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي السوري على ضوء نسج تفاهمات إقليمية جديدة، بدأت تظهر بعد انحسار الدور الإيراني والفراغ الذي تركه في سوريا ولبنان وربما العراق لاحقاً، لذلك لابد من ظهور تحالفات جديدة قد لاترتقي لمستوى الاستراتيجيا لكنها من المؤكد ستكون ضمن نطاق التفاهمات والتي سيكون عنوانها الأبرز الاستقرار ومن ثم إعادة البناء، ملفات عنوانها السياسة وعمقها الاقتصاد.
بين الشمال والجنوب: ملفات عالقة ومعقدة.
من جهة الشمال الشرقي، يبرز ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بوصفه أحد أكثر القضايا حساسية. فرغم بعض الاختلاف بين دمشق وأنقرة في التعاطي مع ملف قسد قبل وبعد سقوط نظام الأسد، وامتلاك دمشق لبعض أوراق الملف بقبول أمريكي ، فإن هناك قواسم مشتركة تبدأ من رفض الكيان الإداري الذي تمثله “الإدارة الذاتية” حيث تبحث أنقرة عن ملئ الفراغ في حال تم الانسحاب الأمريكي مستغلة العلاقات الجيدة مع إدارة ترمب. ولعل تحركات الرئاسة السورية في هذا الإطار تسعى لتقاطع مصلحي مع تركيا، يتيح لدمشق استعادة السيطرة التدريجية عبر تفاهمات أمنية أو سياسية تضعف البنية العسكرية والإدارية لـ”قسد”.
في الجنوب، يتكرر المشهد لكن بخصوصية محلية. التحديات التي تمثلها قوات أحمد العودة، وما يرتبط بها من حراك مسلح أو مدني في درعا وكذلك ملف فصائل السويداء، لا تُحل فقط من خلال الأدوات الأمنية. وهنا، تبرز أبوظبي كلاعب رئيسي. إذ تبدو الإمارات منفتحة على دور إقليمي يعيد إنتاج الاستقرار عبر ترتيبات محلية تشارك فيها دمشق، ربما مقابل إشراك قوى محلية في صيغ حكم أكثر مرونة، تحفظ شكليًا وحدة السلطة المركزية.
مفاتيح إقليمية للحل السوري
الجديد في مقاربة دمشق هو إدراكها بأن مفاتيح الحل لم تعد محصورة داخل الحدود السورية. تركيا، بما تمثله من ثقل عسكري وسياسي في الشمال، والإمارات، بما تملكه من تأثير مالي وسياسي في الجنوب، تتحولان إلى شريكتين محتملتين – لااتباع ولا خصوم – في صياغة حلول جديدة. هذه البراغماتية الجديدة تعكس تحوّلًا في عقل الدولة السورية من المواجهة إلى التفاهم، ومن الإنكار إلى استيعاب التغيرات التي فرضها العقد الأخير من الصراع.
فرض الحلول على الجغرافيا
من خلال هذه التحركات، تبدو دمشق وكأنها قررت أخيرًا أن الوقت قد حان لفرض الحلول على الجغرافيا السورية، لا انتظار نضج التسويات الدولية الكبرى. هذا التحوّل، وإن كان لا يعبّر بالضرورة عن قدرة كاملة على الحسم، إلا أنه يعكس قناعة بأن الواقع القائم قابل لإعادة التشكيل، إن توفرت له الروافد الإقليمية والدولية المناسبة.
بين أنقرة وأبوظبي، تسير دمشق على حبل دقيق، لكنها تحاول لأول مرة منذ سنوات أن تقود الحل، لا أن تُقاد كما كانت سابقا وخلال سنوات مضت.