الخميس , فبراير 6 2025
الرئيسية / تحليل / ورقة اللاجئين”.. سلاح الضغط السياسي الأوروبي على الإدارة السورية الجديدة 

ورقة اللاجئين”.. سلاح الضغط السياسي الأوروبي على الإدارة السورية الجديدة 

“ورقة اللاجئين”.. سلاح الضغط السياسي الأوروبي على الإدارة السورية الجديدة 

 

محمد عثمان

 

تُظهر أوساط السوريين في أوروبا حالة من الحيرة تتأرجح بين التفاؤل والقلق، وذلك بعد سقوط نظام الحكم في دمشق بشكل مفاجئ. فقد طغى النقاش حول إمكانية العودة إلى سوريا على كثير من التجمعات، خصوصًا مع بروز قرارات بعض الدول الأوروبية التي تتجه ربما إلى (فرض) ترحيل اللاجئين، وفي خضم هذه التغيرات، ترتفع هواجس المستقبل نتيجة استمرار النزاعات وتفاقم الأوضاع الأمنية.

وتتقاطع هذه الهواجس مع أجواء احتفالية عمّت بعض المدن الأوروبية ابتهاجًا بانتصار الثورة وسقوط النظام، فقد برزت لدى العديد من السوريين رغبة متجددة في استعادة الحياة في وطنهم، وإن اختلفت الآراء بين مؤيد للعودة الطوعية كخطوة لرأب الصدع وإعادة بناء ما تهدّم، وبين من يرى في عودة اللاجئين خطرًا على سلامتهم بسبب فراغ أمني محتمل، أو بسبب مخاوف من انتقام أطراف أخرى ما زالت فاعلة في الساحة السورية، وما يزيد الأمور تعقيدًا، هو الاختلاف في الوضع القانوني بين اللاجئين، إذ يتمتع بعضهم بإقامات دائمة، بينما لا يزال آخرون قيد إجراءات اللجوء أو مهددين بالترحيل.

ومع تزايد التساؤلات، خرجت عدة دول أوروبية بتصريحات رسمية تتضمن نيتها البدء في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ كانت النمسا في مقدمة هذه الدول، تلتها ألمانيا، حيث تم الإعلان عن خطط واضحة لترحيل السوريين بعد تغيّر الأوضاع في دمشق وسيطرة فصائل المعارضة على العاصمة، وفي الوقت ذاته، نقلت تقارير إعلامية أوروبية عن حكومات بلجيكا وفرنسا واليونان وألمانيا أنها قامت بتعليق النظر في طلبات اللجوء المقدّمة حديثًا من السوريين، في مؤشر على تغييرفي التعامل مع الملف السوري بعد انهيار النظام السابق.

وقد صرّح مسؤولون رسميون، من بينهم وزير داخلية النمسا، بأن إجراءات تنظيم عمليات الترحيل ستشمل وضع آليات واضحة لكيفية إعادة اللاجئين إلى الأراضي السورية، دون توضيح الفئات المستهدفة أو المعايير التي سيُعتمد عليها في ذلك. هذه المواقف الجديدة أثارت موجة واسعة من الانتقادات لدى منظمات حقوق الإنسان والإغاثة، التي اعتبرت أن هذه الخطوات سابقة لأوانها نظرًا لاستمرار المعارك في بعض المناطق السورية، فضلًا عن( الشكوك) المحيطة بمدى استقرار الوضع السياسي في البلاد.

وفي السياق ذاته، أشارت وزيرة الداخلية الألمانية إلى أن عددًا من السوريين الذين لجأوا إلى ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، والذين يتجاوز عددهم المليون شخص، قد يواجهون ظروفًا تفرض عليهم العودة، وأوضحت أن وزارة الداخلية تتعاون مع وزارة الخارجية لإجراء تقييم شامل للواقع السوري، مع التركيز على الجوانب الأمنية، وبالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين والدوليين، إلا أن هذا لا يلغي القلق الذي ينتاب الكثير من السوريين المقيمين في ألمانيا، والذين يخشون إجراءات قانونية قد تجبرهم على مغادرة أماكن استقرارهم الراهنة.

وعلى الرغم من سقوط النظام، ما تزال الأوضاع في الداخل السوري بعيدة عن الهدوء، إذ تتواصل الاشتباكات بين الجيش الوطني و قوات سوريا الديمقراطية( قسد)، إضافة إلى استمرار الضربات الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي السورية بذريعة حماية أمنها الاستراتيجي، خاصة بعد وصول( هيئة تحرير الشام) التي أعلنت حل نفسها لاحقاً إلى السلطة.

في هذا الإطار، يرى الخبير السياسي سعيد الأحمد أن وجود القوات الأمريكية في قواعد عدة بالمناطق الشمالية الخاضعة لقوى كردية يؤكد أن الهدف الحقيقي من التدخل الغربي منذ اندلاع الاحتجاجات الأولى في سوريا كان أبعد مما تم التصريح به آنذاك، فالولايات المتحدة، وفقًا لتحليله، تسيطر حاليًّا على حقول نفطية ذات أهمية استراتيجية، وتُقدّم دعمًا عسكريًّا ولوجستيًّا لقوات سوريا الديمقراطية، ما يشير إلى أن المصالح الاقتصادية والعسكرية تشكّل محورًا أساسيًّا لتلك التدخلات، رغم تصريحات الحكومات الأوروبية التي تتحدث عن وحدة الأراضي السورية. 

ويضيف الأحمد أن العواصم الأوروبية لم تكن يومًا بعيدة عن هذه الحسابات، بل أن مواقفها الرسمية المعلنة بشأن دعم الشعب السوري ظلّت تتقاطع مع انتهاج سياسات استُخدمت فيها ورقة اللاجئين كسلاح للضغط السياسي، كما يعتبر أن استغلال ورقة التهديد بالترحيل خلال السنوات الماضية جاء لأغراض مرتبطة بمصالح إستراتيجية أكثر منها إنسانية، ما ينعكس سلبًا على ثقة السوريين في نوايا المجتمع الدولي حيال مأساتهم الممتدة لسنوات طويلة.

وعن العقوبات المفروضة على سوريا، يشير الأحمد إلى أن الدول الغربية باتت تربطها بمجموعة جديدة من الشروط التي تخدم مصالحها الجيوسياسية، مستفيدة من الانقسام الداخلي والتناقضات بين الأطراف المتصارعة، وكانت هذه العقوبات، بحسب التصريحات القديمة، موجّهة في الأساس للضغط على النظام الذي زال نفوذه الآن، غير أنّ استمرار تطبيقها في هذه المرحلة الحساسة قد يعرقل محاولات الإدارة السورية الجديدة في إعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق قدر من الاستقرار السياسي والاقتصادي.

كما يؤكد الأحمد أن أي تعديلًا جزئيًّا أو مؤقّتًا على العقوبات لا يشكّل حلًّا فعليًّا، كونه يأتي دون سند قانوني يتناسب مع التطورات الحالية، خصوصًا وقد انتهت مرحلة القصف العشوائي والجرائم الممنهجة التي ارتكبها النظام السابق في حق المدنيين، ويعتبر أن الكثير من التحركات الأوروبية تصب في إطار المناورات السياسية، التي تؤثر بشكل غير مباشر في قرارات اللاجئين السوريين بالبقاء في دول اللجوء أو العودة إلى بلدهم.

وفي نهاية المطاف، يسلط الأحمد الضوء على تصريحات متكررة لوزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، الذي يشدّد فيها على أنّ رفع العقوبات يعدّ المدخل الرئيس لتعزيز الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، ومع ذلك، فإن هذه الدعوات غالبًا ما تقابل بتجاهل من قبل عواصم أوروبا، التي تظل متمسّكة بخياراتها السياسية في ظلّ أوضاع متقلّبة وغير مستقرة، ما يفتح الباب واسعًا لتساؤلات حول مستقبل اللاجئين السوريين ومصير بلدهم في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

شاهد أيضاً

هل ستؤدي مفاوضات دمشق وقسد إلى اتفاق أم تصعيد؟

هل ستؤدي مفاوضات دمشق وقسد إلى اتفاق أم تصعيد؟ سامر الأحمد يتضح أن المفاوضات بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =