انكماش المشروع الإيراني وإنفراط عقده
فراس علاوي
قبل عدة أشهر فقط، لم يكن أشد المتفائلين يتوقع ولو جزءاً بسيطاً مما يحصل اليوم على الجغرافيا المحيطة بإيران، منذ اغتيال قاسم سليماني بقرار من دونالد ترمب الذي كان رداً على التوسع الإيراني في المنطقة عندما سمحت به إدارة سلفه باراك أوباما مقابل التوقيع على اتفاق البرنامج النووي، لم يشهد المشروع الإيراني انكماشاً وتراجعاً كالذي يشهده اليوم.
منذ انطلاق مااطلق عليه اصطلاحاً الثورة الإيرانية، انتهجت السلطات في طهران ماسمي بمشروع تصديرالثورة الإيرانية، مستخدمة الحامل الديني لتحقيق مشروع قومي فارسي، معتمدة في ذلك على جملة من القوى الناعمة أبرزها الاقتصاد والمذهب( الشيعي) من أجل ضمان نفوذها داخل المجتمعات العربية، والقوى الصلبة أو الخشنة كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية، كذلك استخدمت الفصائل الفلسطينية والقضية الفلسطينية كحصان طروادة للعبور للضمير الجمعي العربي، وقد نجحت في ذلك جزئياً.
كان سقوط النظام العراقي الفرصة الذهبية لتحقيق مشروع إيران التوسعي في الشرق الاوسط، معتمدة على قوى ومليشيات محلية في العراق ( أحزاب سياسية، وقوى عسكرية تحت مستوى الدولة لكنها عابرة للحدود) وأذرع أخرى مثل مليشيا الحوثي اليمنية وحزب الله اللبناني أحد أبرز ادواتها في المنطقة.
كما كان للعلاقة التاريخية مع نظام الأسد دوراً هاماً في تمدد إيران الاقتصادي من جهة، والتواصل مع الفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، مما جعلها تتصدر ما أطلق عليه ( محور المقاومة ) الذي كان الشماعة التي حملّت عليها إيران جميع افعالها، وبذات الوقت كسبت دعماً لشرائح كبيرة في الشارع العربي، هذا التدخل تسبب بانقسام واضح داخل التيارات العربية القومية والتي كانت في وضع حرج مابين دورها القومي وتخوف بعضها من تغول المشروع الإيراني، الأمر نفسه ينطبق على كثير من التيارات الإسلامية العربية.
وكما حدث في العراق، كانت الثورة السورية فرصة كبرى لتدخل إيران المباشر في سوريا بعد تدخلها غير المباشر عبر أذرعها الاقتصادية والثقافية.
تمدد إيران في سوريا ولبنان وقبلها العراق ولاحقاً اليمن، خدم مشروعها النووي والذي كان ذراع مفاوضاتها مع الغرب بقيادة أمريكا أوباما والذي أطلق يدها في سوريا.
بالمقابل كانت سياسة الضغط الأقصى التي استخدمها ترمب على إيران وتجميد الاتفاق النووي وحرب أوكرانيا سبباً لتقارب روسي إيراني، ظهر هذا التقارب في سوريا وإن لم يصل إلى اتفاق استراتيجي كامل الأركان، ولم يرق لكونه تحالف تام.
اللحظة الفارقة كانت يوم السابع من أكتوبر حين ظنت إيران أنها تستطيع التقاطها والبناء عليها، من خلال إظهار الدعم للفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل، حاولت إيران عبر اذرعها الضغط على المجتمع الدولي من خلال عمليات دعم ( خجولة) لغزة، في محاولة منها لإظهار تأثيرها في المشهد الدولي عامة.
لكن هذا التدخل جر عليها الويلات، إذ كانت بداية النهاية للمشروع الإيراني في المنطقة، بدءاً من أبرز ادواته حزب الله اللبناني والذي انهار خلال أيام نتيجة الرد الإسرائيلي العنيف على سياساته، قتل قادة حزب الله وتقطيع أجزاء سيطرته، والضغط على حاضنته افقده أي أوراق يلعبها في المنطقة لسنوات قادمة، وظهر ذلك في عملية انتخاب قائد الجيش اللبناني ( غير المرحب به ) من الثنائي الشيعي والذي قبل به على مضض رئيساً للجمهورية بعد تعطيل دام عامين.
الضربة الأكبر والتي قد تكون القاصمة هي سقوط النظام في سوريا وهروب بشار الأسد وبالتالي الخروج الإيراني المذل من سوريا، وقيام حكومة سورية لاتقبل بالمشروع الإيراني وادواته في سوريا وهي بذلك تتلاقى مع رغبة الشعب السوري الذي عانى كثيراً ولعقود من ممارسات إيران.
لم تتوقف خسائر إيران في سوريا ولبنان وإن كانت هي الأهم حيث فقدت فيها الكثير من أوراقها أهمها الموانئ المطلة على البحر المتوسط والتي كانت تمني النفس أن تجعلها نافذتها الاقتصادية من خلال تصدير النفط والغاز إلى أوربا,وكذلك تراجع أو سقوط التحالف الروسي الإيراني في سوريا.
هذه الخسائر استمرت من خلال استهداف مليشيا الحوثي أحد أذرع إيران في المنطقة، والتهديد باستهداف الحشد الشعبي العراقي ( وهو ماقد يحصل قريباً) من أجل تقويض قدرات إيران الخارجية، والتفرغ لإنهاء مشروعها بشكل شبه كامل ، خاصة انها تعاني داخلياً من عقوبات اقتصادية انعكست على الحالة الاجتماعية والسياسية والمعاشية للمواطن الإيراني، مما تسبب بموجات من الاحتجاجات في الداخل الايراني، تغذيها المعارضة الإيرانية المنظمة والقادرة على تشكيل لوبيات ضغط.
المسمار الاخير في نعش المشروع الإيراني والقيادة الإيرانية الحالية، هو استهداف مفاعلات إيران النووية وبالتالي تحويلها إلى قط بلا مخالب ولا أنياب من السهل اسقاطه، الأمر الذي ستتركه إدارة دونالد ترمب ونتنياهو للشعب الإيراني للتكفل بالاجهاز على النظام الإيراني بعدما بات شبه جثة هامدة.
سقوط النظام في إيران ( أو تحلله وتراجع قوته وتحوله إلى نظام ضعيف مستكين) مسألة وقت فقط، قد تحدث بشكل مفاجئ كما حصل في سوريا.
فهل نشهد ربيعاً إيرانياً قادماً ؟
هذا ماستحدده الخطوات التي سيتخذها دونالد ترمب وإدارته اتجاه إيران خلال الأسابيع القادمة.