تضارب مصالح تركي – أمريكي في سوريا قد يشعل فتيل نزاع مسلح جديد طويل الأمد في البلاد
القاهرة
محمد عثمان
بعد أن انهارت قوات نظام الأسد وألقت السلاح أمام تقدم عملية “ردع العدوان”، التي أطلقتها فصائل الثورة السورية المسلحة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستولت المعارضة على السلطة في دمشق،
ازداد التركيز على (مليشيا) تنظيم قسد، إذ تمّ السيطرة على مواقع مهمة كانت تسيطر عليها، أبرزها تل رفعت شمال حلب على الطريق الواصل بين تركيا ومدينة حلب، بالإضافة إلى منبج عقدة الوصل المهمة بين شمال سوريا وشرقها، ومدينة دير الزور،
وينصب التركيز حاليا على عين العرب (كوباني)، آخر المواقع التي تستحوذ عليها قسد في محافظة حلب، بالإضافة إلى مدينة الرقة.
هذه التحركات لم تلق ترحيبًا لدى الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لهذه الفصائل الكردية، فسارعت لوضع خطط تمكنها من كبح جماح الفصائل السورية المعارضة وتركيا، فهي تحاول الحفاظ على موقفها في سوريا، دون التخلي عن مصالحها في البلاد، والحيلولة دون سقوط حليفها الرئيس والضامن لمشاريعها في المنطقة.
بهذا الصدد أشار المحلل السياسي أحمد الخلدون إلى أن أمريكا تعمل على دعم( قوات سوريا الديمقراطية) ورفع جاهزيتها القتالية، الأمر الذي قد يدخل سوريا في مسرح جديد من الاقتتال المسلح، وتحاول دفع الاطراف إلى هدنة ريثما ترمي بالعتاد والسلاح على قوات “قسد” وتعيد ترتيب صفوفها أمام التهديدات الجديدة.
وأضاف الخلدون أن واشنطن تسعى لتحصيل نتيجتين في سوريا، اولهما: استمرار تواجد النفوذ الأمريكي في المنطقة، والاحتفاظ بالقواعد العسكرية في سوريا كرادع لإيران وتحركات ميليشياتها غرب العراق، وضمان أمن إسرائيل.
ثانيًا: منع السلطات السورية الجديدة من الوصول إلى مرحلة الإستقرار المرجوة، ومنع تركيا من الإنفراد بسوريا بكامل حدودها وثرواتها ومقدراتها، خصوصًا مع انتصار قوات المعارضة( الموالية لأنقرة) وإسقاطها لنظام الأسد.
اللافت أن تضارب المصالح والخلاف بين واشنطن وأنقرة قد ظهر إلى العلن مع الحديث عن الهدنة في الأيام القليلة الماضية حيث صرح مسؤول بوزارة الدفاع التركية، بعدم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا و”قسد”، على عكس إعلان أمريكي بشأن هذه المسألة. وأضاف أن أنقرة ترى أن قوات “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا “ستحرر” المناطق التي يحتلها حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.
وفيما تحاول واشنطن التوصل إلى هدنة بين الأتراك و”قسد” أشار مصدر أمريكي مقرب من وكالة الإستخبارات المركزية بأن وزارة الدفاع (البنتاغون) تريد خلال فترة الهدنة المرتقبة إستقدام المزيد من الجنود الأمريكيين الى الشمال السوري، بعدد ربما يصل الى عشرة آلاف عسكري. وأرجع مراقبون هذه الخطوة لرغبة واشنطن بحماية مصالحها في الشمال السوري، خصوصاً في ظل التمسك التركي بالموقف المعادي لقسد، وتطلعات أنقرة لإنشاء منطقة عازلة في سوريا بهدف القضاء على “قسد” وإستثمار الثروات الكبيرة من نفط وقمح وزراعات أخرى في المناطق التي تسيطر عليها.
يأتي هذا بعد تصريح مدوّي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بالأمس، بأن هناك 2000 جندي أمريكي في سوريا، وهو أكثر من ضعف العدد الذي تم الإعلان عنه سابقا. وبحسب المتحدث باسم الوزارة باتريك رايدر، فإن هناك في الواقع “حوالي 2000 جندي أمريكي في سوريا” زعم أنهم كانوا هناك منذ ما قبل سقوط نظام بشار الأسد. وأضاف: “تعتبر هذه القوات الإضافية مؤقتة يتم نشرها لتلبية متطلبات المهمة المتغيرة، في حين أن القوات الأساسية البالغ عددها 900 جندي يتم نشرها على المدى الأطول”.
وتعليقًا على ما سبق أكد الباحث السياسي والاستراتيجي كريم الميسور، أنه بات جليًا أن قوات المعارضة التي تعيش أفضل حالاتها بعد تمكنها من إسقاط نظام الأسد عسكريًا، تتجه نحو سيناريو تصعيدي خطير مع عزم أمريكا على دعم “قسد”، وإصرار تركيا على محاربة التنظيم، محذرًا من خطورة إنسياق فصائل المعارضة السورية المسلحة خلف (المخطط التركي) وإن كان الأتراك أول الداعمين لهم، بل عليهم التوصل الى صيغ تمنع سفك الدماء من جديد في سوريا، أو الحيلولة دون تقسيمها.
ونوّه الميسور إلى حقيقة تمتع السلطات السورية الجديدة بالحكمة، ومحاولتها اللعب على جميع الحبال وإرضاء جميع الأطراف بما يصب في صالح الشعب السوري، وهذا ما تترجمه تصريحات ولقاءات زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، الذي لم يرفض التقارب مع روسيا حتى، وأشار إلى أنهم “غير مستعجلين على مغادرة روسيا الأراضي السوريا، وأن فيما بينهم علاقات استراتيجية قديمة، مؤكدًا أن القواعد الروسية ستبقى في سوريا”.
وبهذا الصدد نوّه الباحث السياسي والاستراتيجي الميسور، إلى ضرورة استمرار هذا النهج الذي يحفظ توازن القوى في سوريا، ويمنع دولة معينة من الانفراد بصنع القرار، أو الهيمنة على سياسات السلطات الجديدة في دمشق، وأنه من الممكن الإستفادة من الوجود الروسي في سوريا لأنه يمكن أن يشكل رادعاً للمخططات الإسرائيلية والأمريكية على أقل تقدير. خصوصاً وأن موسكو وفي بادرة حسن نية قامت بسحب جميع قواتها التي كانت منتشرة في سوريا الى قاعدتيها العسكريتين على الساحل السوري، عقب سقوط نظام الأسد، فيما لاتزال واشنطن تسيطر على حقول وآبار النفط في الشمال الشرقي السوري، وتسعى إلى تعزيز تواجدها العسكري لمواجهة تركيا.