السبت , أبريل 27 2024
الرئيسية / دراسات / الشرق الأوسط من يدير اللعبة؟

الشرق الأوسط من يدير اللعبة؟


فراس علاوي
الشرق الأوسط وتشابكات الصراع الدولي في المنطقة
لعل القدر الذي وضع المنطقة / العربية/ في أكثر بقاع العالم عرضة للمشاكل السياسية والاقتصادية كان يرسم لها تاريخاٌ قد يبقى الأكثر دموية لعشرات السنين .
الشرق الأوسط بكل ما يتصف به من صفات جغرافية وجيو سياسية , حيث لم تختر شعوبه واقعها الذي امتلئ على مدى عقود بالتوترات , التداخل الذي شهدته دول المنطقة والصراعات السياسية والعسكرية تكاد تكون الأبرز تاريخياُ .
يقود أحد تعريفات علم الجيو بولوتيك أنه علم يقوم على دراسة وتحديد المناطق الحيوية في العالم , وكان يحدد في كل حقبة تاريخية قلب العالم والمناطق الحيوية الأخرى .
هذا التعريف بشكل أو بأخر يجعل من الشرق الأوسط المنطقة الأكثر حيوية والأكثر سخونة في العالم , وذلك لامتلاكه عدة عوامل تتعلق بموقعه الجغرافي والجيوسياسي والاقتصادي والتاريخي.
وكذلك فإن منطقة الشرق الأوسط هي أول طريق الحرير بالنسبة للصين .
وهي قلب الشرق الأوسط والمحاذية لإسرائيل الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية .
وهي الحليف التاريخي /دول المشرق العربي الجمهورية/ للاتحاد السوفياتي.
وبالتالي فإن الشرق الأوسط كان أحد الأهداف الرئيسية لأي دولة تصبح صاحبة الهيمنة خلال حقبة تاريخية ما .
يقول هيجل
إن مسؤولية دفع حركة التاريخ تقع على عاتق الدولة , فروح العالم تحدد كل فترة دولة من الدول لتلعب الدور الأبرز في عملية الاكتشاف الذاتي والوعي الذاتي لها , وهذه الدولة تصبح صاحبة الهيمنة على تاريخ هذه الحقبة , بينما تصبح الدول الأخرى بلا قيمة أو حقوق , وعملية الانتخاب هذه تتم عبر الإنتصار في الحروب الحاسمة .
وعليه فإن جميع الدول التي لعبت دوراُ في الهيمنة على التاريخ كان لها حضور فاعل في منطقة الشرق الأوسط والتي تمثل سوريا الجغرافية أحد ركائزه الأساسية جغرافيا وجيو سياسيا واقتصاديا .
الشرق الأوسط الحديث
منذ نهاية الحرب العالمبة الثانية أصبح الشرق الأوسط ساحة تنافس دولية وإقليمية, كان لقيام إسرائيل السبب الأكبر في جعله المنطقة الأكثر توتراً وقابلية للاشتعال, حيث شهد عدة حروب خلال أقل من قرن من الزمن,
كما أصبح ميداناً رئيساً للصراع الدولي خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي, كذلك شهدت صراعات فرعية إقليمية وبأدوات محلية /حرب بالوكالة /في المنطقة,
ولعل أبرز المنعطفات التي مرت بها المنطقة هي تلك المرتبطة بصراعات وحروب
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهد الشرق الأوسط قيام إسرائيل وظهور النفط في المنطقة, الذي أشعل صراعاً لم يهدأ حتى اليوم, حيث مرت المنطقة بعدة حروب كبرى كان أبرزها حربي حزيران 1967 وأكتوبر 1973 والتي جاءت في سياق إعادة ترتيب المنطقة سياسياً وجغرافياً وفرض لاعبين دوليين فيها أدى لإنقسام تبعية دولها بين تابع للمحور الشرقي والمحور الغربي, كان للحرب الباردة دور هام في تغذية هذا الإنقسام.
أنتجت هذه الصراعات والحروب التي لحقتها مثل التحولات في إيران والحرب العراقية الإيرانية والحرب اللبنانية واحتلال الكويت والحرب على العراق والربيع العربي والحرب في سوريا, ظهور قوى إقليمية تسعى للتمدد في محيطها الإقليمي.
مشاريع تتصارع في الشرق الأوسط
أثرت التغيرات التي مرت فيها المنطقة والعالم مابعد الحرب الباردة على المنطقة, حيث ظهرت عدة مشاريع إقليمية مدعومة دولياً.
الأول :
اللامشروع العربي وهو يمثل مواقف الدول العربية مما يجري في الشرق الأوسط, وأبرز سمات اللامشروع العربي أنه لايملك استراتيجية واضحة المعالم, وإنما يعتمد على مبدأ الفعل ورد الفعل, إضافة إلى أن عناصر المشروع منقسمة على بعضها البعض وتخوض صراعات بينية وجزئية بين بعضها البعض, كذلك تتبع بعض أطراف هذا المشروع لقوى إقليمية لها مشروعها الخاص, كما تتبع لقوى دولية متناحرة, وعلى الرغم من أن اللامشروع العربي يمتلك جميع مقومات النجاح, إلا أنه يفتقد إلى استراتيجية واضحة وديناميكيات لتطبيقه, إضافة لغياب الرغبة المشتركة في قيامه.
الثاني:
المشروع التركي:ويتمثل في رغبة حزب العدالة والتنمية الحاكم, بأن تلعب تركيا دوراً إقليمياً ودولياً يليق بمكانتها التي يرى الحزب أنها تستحقها, وبالتالي بنى الحزب استراتيجيته على التوسع باستخدام القوة الناعمة المتمثلة بقدرة الرئيس أردوغان على ممارسة السياسة ببراغماتية مفرطة, إضافة لاستخدام دور تركيا ونفوذها الديني في مناطق تستطيع التأثير بها, كذلك نفوذ تركيا الواضح باستخدام البعد القومي في مناطق الأغلبيات التركمانية, ماينقص المشروع التركي هو وجود قوة اقتصادية دافعة له, فالمشروع التركي يحتاج إمكانيات اقتصادية هائلة لاتستطيع تركيا توفيرها ولعل هذا مايفسر التحالفات التي أنشأتها تركيا في المنطقة, خاصة مع دول الخليج, دولياً وعلى الرغم من وجود تركيا في حلف الناتو, إلا أن علاقتها المضطربة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة, جعلها تلجأ لسياسة حافة الهاوية أو شد الحبال بين القوى العظمى, وبالتالي كان لابد من التقارب مع روسيا بوتين الباحثة عن دور جديد في الساحة العالمية, مما جعل السياسة التركية تمتلك أوراق قوة تضغط بها على الغرب, خاصة بعد الحرب الأوكرانية, كذلك تعتبر الورقة السورية وورقة اللاجئين عوامل قوة للمشروع التركي.
الثالث :
المشروع الإسرائيلي,وهو ذاته المشروع الغربي وتكمن قوته في وجود دعم غربي مطلق له, وعدم وجود مشروع معادي له, وإنما هناك مشاريع منافسة, أقل منه قوة سياسية واقتصادية, وبالتالي فإن أبرز نقاط قوة المشروع الإسرائيلي هو الدعم الغربي اللامحدود وغياب أي مشروع معادي له, وضيق هامش وحدود المنافسة معه, ولعل غياب أي مشروع عربي قومي كان أو جغرافي جعل من المشروع الإسرائيلي متفرداً لسنوات.
الرابع:
المشروع الإيراني وهو مشروع توسعي قومي بلبوس ديني, يقوم على دعم أذرع إيران في المنطقة العربية ومحاولة تقويتها للسيطرة على دولها وبالتالي, ازدياد النفوذ الإيراني, ولعل أبرز نقاط قوة المشروع الإيراني أنه غير عدائي مع المشاريع الأخرى, وإنما في معظم مراحله هو مشروع تكاملي, يستخدم القوى الناعمة, وخاصة المتعلقة بالايديولوجيا لتحقيق أهدافه, إلا أن زيادة حدة النفوذ الإيراني بدأت تظهر في ظل عدم وجود المشروع العربي وحداثة المشروع التركي, وبالتالي بدأت ملامح التنافس تفرض نفسها على المشهد في المنطقة, مع العودة الروسية من جهة, والدخول الناعم للقوة الصينية في منطقة لم تكن منطقة نفوذ سابقة له.
وبالتالي وفي ظل تزاحم هذه المشاريع وتنافسيتها, فإن السؤال عن من يدير اللعبة في الشرق الأوسط؟ تبدو الإجابة عليه صعبة, في ظل تراجع واضح للدور الأمريكي وصعود للدورين الروسي والصيني, ومحاولات التفلت من التبعية المطلقة لكل من إسرائيل وتركيا ودول الخليج والجزائر, وبالتالي فإن هناك عملية ضبط للصراعات, قد تشهد انفلاتاً في أي وقت وحسب قدرة القوى المحلية على الانضباط, أو ازدياد نفوذ أحد القوى الكبرى على حساب القوى الأخرى وبالتالي تطرح عدة سيناريوهات لإدارة المنطقة لعل أبرزها:
1-إدارة الصراع من قبل الولايات المتحدة وتوجيهه لتحقيق مصالحها ومصالح المشاريع الموجودة, وهذا يفسر عدم التصعيد الأمريكي مع تركيا وإيران حتى اللحظة, وبذات الوقت الضغط على إسرائيل لتحقيق الإنضباط الأقصى في مواقفها وردود فعلها.
2- تغير مفاجئ في الحرب الأوكرانية وعودة روسية قوية للمنطقة, مما يرجح دعم مشاريع أخرى وتغيير وتفكيك التحالفات الحالية, خاصة إذا تبع ذلك تقارب روسي صيني, في ظل المتغيرات في السياسة الأوربية وانكفاء دولها وسط صعود لليمين المتطرف فيها.
2-انفلات الصراع وتحوله إلى حرب مفتوحة, تستلزم تدخل القوى العظمى وبالتالي احتمالية قيام حرب عالمية لاترغب جميع الأطراف بدخولها, لكنها قد تدخلها مرغمة, مما يعني أن التصعيد في الشرق الأوسط سيكون بداية لصدام عالمي غير معروف العواقب.

 

شاهد أيضاً

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!   نظام مير محمدي  كاتب حقوقي وخبير في الشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر + 10 =