روان إسماعيل
داخل إطارٍ إلكتروني يختبئ العالم الواسع، الذي أصبح فيه الجهاز الذكي بديل، يغني عن الكتب وتركات الأجيال السابقة.
هذا الإطار /الإختراع/ مهّد طريق المعرفة والعلم لطالبيه من حيث توفير الوقت والجهد من عناء السفر ومكابدة المخاطر، فالكثير من الناس ممن لديهم الرغبة بالإطلاع على ثقافات الشعوب البعيدة، والعوالم الأخرى كالبحار والمحيطات والفضاء، وكل ما يخص العلوم وتخصصاتها والمعارف المتنوعة وغيرها الكثير.. والاضطلاع فيها.
عام ١٩٧٣ اخترع الأمريكي “مارتن كوبر” مدير قسم الهندسة الكهربائية في شركة (موتورولا)، أول هاتف محمول، وأجرى أول مكالمة هاتفية مع منافسه مدير الأبحاث من شركة (بيل لابس) جويل إنجل، وكان وزنه آنذاك ٧٩٤غ، و بدأ الترويج له وبيعه في الأسواق سنة ١٩٨٣ حيث كان سعر الهاتف النقال أربعة آلاف دولار أمريكي، وأطلق عليه جهاز /Motorola DynaTAC 8000xk RFG/.
نشرت هذه المعلومة في مقالات سابقة لدى صحفٍ كثيرة ومنها صحيفة (البيان) الإماراتية، حيث كان خبر إيجاد هذا الإختراع /الهاتف المحمول/ بأيدي البشر كقنبلة نووية من ناحية انتشارها وتأثيرها في مستقبل البشرية – وما يزال- ما بين مصدّق لما حدث، وثان ناكر إمكانية عقل الإنسان اختراع شيء كهذا، وآخر مراقب جدواه وفاعليته وتأثيره على المجتمع آنذاك.
حيث توقفت فكرة تطويره ١٩ سنة.. بقي كما هو دون زيادة أو نقصان.
و بعدها تم إصدار أول هاتف ذكي هو سيمون IBM، وتم تصميمه عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين. وكان قد اشتمل على الساعة والتقويم الميلادي والمذكرة. كما كان مزودًا أيضًا بخاصية إرسال الفاكس ومن الشركات الأولى في تصميم الهاتف الذكي هي شركة نوكيا الغنية عن التعريف..
من هنا بدأت المرحلة الثانية من نقل الإنسان من العيش بالشكل الكلاسيكي الطبيعي، إلى العيش بعالم افتراضي، قرّب البعيد، وسهّل الصعب، وساوى الناس ببعضها بكثير من الأحيان. بات الهاتف المحمول ركناً أساسياً بحياة كل فرد، صغير كان أم كبير.. ولم يعد حكراً على رجال الأعمال أو الطبقة المثقفة، فقد زاد عدد مستخدميه، بعد أن قلّ ثمنه وزادت أهميته – لأسباب ذكرناها أعلاه – حتى أصبح نطاق تأثيره على المجتمع واسعاً بسلبياته وإيجابياته..
وبالتطرُّق لبعض سلبياته، نجد أن الهاتف المحمول ساهم بشكل كبير بسرعة انتشار الأفكار المغلوطة والشائعات، فمثلاً نجد أن جائحة كورونا العالمية وإيجاد لقاحها أصبح حديث العالم، حيث تنتشر شائعات كثيرة حول الأعراض الجانبية للقاح، والمبالغة في ذلك، والكثير من الشائعات العلمية والطبية وحتى بعض الأفكار المغلوطة حول الثقافات والأديان، وأن الفئة العظمى من الناس تستخدم الهاتف الذكي للتسلية، من خلال الألعاب، ومشاهدة الفيديوهات بديلًا عن التلفاز، والتواصل عبر مواقع وبرامج الدردشة.
ومن وجهة نظر بعض الآباء فإنهم أشاروا إلى ضرورة إبقاء هواتف أبنائهم تحت المراقبة التامّة، خاصّة لمن هم دون سن الثامنة عشرة، فالهاتف سلاحٌ بحدّين، والسيطرة عليه تتطلب المعرفة وقوة الإرادة، ومن المحتمل أن يشكل خطراً وعائقاً على المستقبل التعليمي لأبنائهم، وإدراك عقولهم، ويُمكننا في تلك النقطة أن نتأمل مجموعة من الأبحاث أُجريت بواسطة الطبيبة النفسية “جين توينج” من جامعة سان دييجو على مدار أكثر من 5 سنوات، وبما يشمل أكثر من نصف مليون طفل، حيث وجدت أن الأطفال الذين يستخدمون الهاتف الذكي مدة أكثر 3 ساعات في اليوم هم أكثر عُرضة، بمقدار الثُّلث، للشعور باليأس، والإحباط، والوحدة، أو ربما التفكير في الانتحار، علما بأن ارتفاعا بنسبة 50% في معدلات الاكتئاب والانتحار.
أرجعته الدراسة إلى وجود الهواتف الذكية في أيدي الأطفال والمراهقين بين ١٢-١٤ سنة، على وجه الخصوص.
من جانب آخر فالهاتف الذكي وفر فرص عملٍ لكثيرٍ من الشبان الذين لا يمتلكون الوقت أو القدرة على العمل المجهد وتتزايد تلك الفرص وطالبيها مع مرور السنين أكثر فأكثر.
كالعمل في المتاجر الإلكترونية وغيرها كما أنه ساهم في ملء الفارغ اليومي لدى كبار السن والعجزة وكان صلة وصل لهم مع ابنائهم المغتربين وأقربائهم.
كما وفرت خاصية المواقع (GPS) الوقت للتائهين عن طرقهم، والسائحين الوصول إلى وجهتهم دون عناء.
والبعض الآخر أتاح له الهاتف الذكي فرصة الدخول إلى عالم الشهرة والفن وتتزايد أعداد مشاهير السوشيال ميديا من عامٍ إلى آخر، فالأمر لا يتعلق بالفكرة المطروحة، وإنما يتعلق بعدد المتابعين في الحساب الشخصي.
وزاد عدد مستخدمي الهاتف لهذا العام ٢٠٢١، إلى ما يقارب ٦.١ مليار مستخدم، وتختلف الإحصائيات من عامٍ إلى آخر ويعود ذلك إلى تطوير برامجه.
إن حياتنا اليومية وعادات بعض المجتمعات وأفكارهم تأثرت بدخول الهاتف الذكي والإنترنت، كما أنه أخذ حيزاً كبيراً من يومنا، بين تصفح ومكالمات أو غير ذلك.
وما زال اختلاف الناس (مختصين ومستخدمين) حول تقييم سلبيات الهواتف وإيجابياتها، فهل سيشهد العالم تطورٌ جديد لآلة وأداة جديدة، أم أنه سيتوقف عند الهاتف؟!