الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / سوريا من المنتصر ؟

سوريا من المنتصر ؟

فراس علاوي

سوريا من المنتصر ؟ 

سؤال بات يطرح نفسه بقوة على الساحة السورية ، بعد تسعة أعوام من الصراع والتداخلات الدولية والإقليمية ، هل فعلا إنتهت المعارك هل بدأ الحل السياسي ، رؤية مَن مِن الدول الفاعلة بالشأن السوري إنتصرت ؟ كل هذه الأسئلة بدأت تشق طريقها نحو إجاباتها .

بعد جمود لعدة أشهر في الوضع السوري ومراوحة في المكان 
أُعلن عن الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية وهو مايعد خرق سياسي للجمود الحاصل ، كذلك ألقت العملية العسكرية التي أطلقها نظام الأسد وبدعم من حليفه الروسي على أرياف حماة وإدلب حجراً في المياه الراكدة والتي كان من أبرز نتائجها ، سيطرة النظام على مناطق جديدة تعزز موقفه التفاوضي مستقبلاً وإشرافه على الطرق الدولية المتنازع عليها M5 وM4 وكذلك إنفراط عقد الفصائل التي كانت تدافع عن تلك المنطقة والتي بمجملها لم توافق على اتفاقيات آستانا ،  وبالتالي غير مرضي عنها من قبل القوى الفاعلة بالشأن السوري مما جعلها تصنف تحت اسم الفصائل المارقة والمتمثلة بجيش العزة والفصائل المتعاونة معه مثل فصيل أبو خولة موحسن الذي تم اعتقاله على خلفية مهاجمته مواقع لنظام الأسد بدون موافقة الجيش الوطني آنذاك .

خروج تلك الفصائل من معادلة القوى سهل الأمر لتشكيل وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة والتي شكلت الجيش الوطني والذي بدى من الظروف التي رافقت تشكيله أن مهمته الاساسية هي العملية العسكرية التركية شرق الفرات والتي أُطلق عليها لاحقاً عملية نبع السلام ، هذا الجيش ضم جميع القوى المتوافقة مع الرؤية التركية للحل السوري والتي ترافقت بإعلان الروس إنتهاء العمليات العسكرية في سوريا ، وهو مايعني أن عملية نبع السلام ومصير إدلب ستحل ضمن توافقات دولية وإقليمية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري وأن العمل العسكري قد توقف بشكل نهائي.

لم يكن بإمكان الحكومة التركية إطلاق عملية شرق الفرات دون موافقة الأمريكان خاصة بعد تجربتهم الطويلة في منبج والمماطلة الامريكية في حل قضية المدينة .
الهدف الأساسي من العملية هو إبعاد المكون الكردي عن الحدود التركية السورية لمسافة لاتقل عن 20 ميل وهو مايؤمِن الداخل التركي ، هذا التوافق بين الامريكان والاتراك تم في إجتماع أورفا الذي ضم شخصيات عسكرية من الجانبين وأسفرت عن دوريات مشتركة على الحدود التركية السورية ، لكن الخوف المسيطر على الاتراك من عدم جدية واشنطن بتوقيع ماسمي حينها الممر الآمن جعل الرئيس التركي يستغل عدة عوامل لإطلاق العملية العسكرية والتي أطلق عليها نبع السلام هذه العوامل تتمثل 
بقبول روسي للتوسع التركي بعد أن حصل الروس على ما أرادوا في الجزء الاول من عمليتهم العسكرية وباتوا على أطراف إدلب 

إنشغال أمريكي داخلي وصراع بين ترمب والديموقراطيين حول سياسات الرئيس الامريكي ورغبة ترمب بالإنسحاب من سوريا ، تشتت قوات (سوريا الديموقراطية) قسد وإزدياد وتيرة الاحتجاجات ضدها في مناطق نفوذها وازدياد النقمة على التعديات التي يقوم بها عناصرها وممارساتها بإضعاف المكون العربي وتهميشه ، كل هذه الظروف سمحت لأردوغان بالحصول على ضوء أخضر أمريكي لبدء العملية وهو ماحصل وأنعكس بتقدم سريع على الأرض والسيطرة على مساحات واسعة حظيت بقبول روسي أمريكي وهو ما أكده المبعوث الامريكي جيمس جيفري في شهادته أمام الكونغرس
بأن تركيا كانت ستدخل إلى سورية بموافقتنا أو بدونها و سحب قواتنا و عددهم 24 نقطة وهومكان دخول القوات التركية مضيفاً بأنه منذ تدخلنا في سورية كنا متفقين مع الأتراك أن جيشينا و جيشهم لن يدخلوا حروب مباشرة او غير مباشرة مع بعضهم ( وهو ماشجع الاتراك على إطلاق العملية شرق الفرات واستغلال الوضع الامريكي ) 
 كذلك اعتراف جيفري بأنه يوجد جزء من قوات قسد هم ب ك ك ، معرباً بأن هدف  القوات الأمريكية هزيمة داعش و ليس الدفاع عن الأكراد أو محاربة ايران

وهو مايعني بأن الإدارة الأمريكية غير جاهزة عسكرياً وبأنها تستخدم  وسائل سياسة و اقتصادية و دبلوماسية متنوعه لتحقيق اهدافهافي المنطقة و بأن الأدوات العسكرية ليست كل شي هذا التناقض في توجهات الإدارة الامريكية

والتوسع التركي المفاجئ والانتقادات الدولية للعملية واستمرار الخلاف حولها داخل الإدارة الأمريكية دفع بترمب لإرسال نائبه ووزير خارجيته لعقد اتفاق يوقف العمليات العسكرية ، وهو مافُسر على أنه فيتو أمريكي على التوسع التركي حيث تم التوصل لاتفاق بإيقاف العملية العسكرية واحتفاظ الأتراك بالمناطق التي سيطروا عليها مع وعود أمريكية بانسحاب قسد من المناطق التي توافق عليها الجانبان سابقا وعلى عمق 20 ميل.
القلق التركي من تكرار تجربة منبج جعل الاتراك يعجلون بفرض سياسة الأمر الواقع من خلال إطلاق عملية عسكرية تحرج الامريكان ، لكن إيقاف العملية بعد مايشبه الفيتو الأمريكي عليها بعد زيارة نائب الرئيس الامريكي جعل الأتراك يغيرون وجهتهم نحو الروس خاصة أن المناطق المتبقية والتي تعد استراتيجية لوصل مناطق عملية نبع السلام ببعضها البعض وبدونها تعتبر العملية ناقصة ولم تحقق أهدافها ، تقع في نطاق السيطرة الروسية خاصة منبج وعين العرب وهو ماكان محور لقاء الرئيسين التركي والروسي في سوتشي .
اردوغان حمل معه إلى سوتشي ،  ملفان أساسيان هما شرق الفرات وإدلب .

الإجتماع الذي استمر ساعات قوبل بتعنت روسي تمسك من خلاله الروس بمصالحهم القائمة على إعادة سيطرة نظام الأسد على مجمل الجغرافية السورية مقابل إدارة مدنية مشتركة للمناطق الباقية تحت سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا .
ماخرج عن اللقاء الروسي التركي يمكن اعتباره أسوأ الممكن للاتراك وأفضل الموجود لنظام الأسد ، فقد أعادت نظام الأسد لمناطق غادرها منذ سنوات ، الاتفاق الروسي التركي والذي ثبت مناطق سيطرة الجيش التركي وفرض انسحاباً على قوات قسد في تلك المناطق ، أكد على اتفاق قسد مع نظام الأسد من خلال السماح بعودته لبعض المناطق وخروج دوريات روسية تركية تشبه ما حدث في أماكن أخرى من ريف حلب وإدلب سابقاً .
وبالتالي تبقى الرقة وديرالزور تحت سيطرة قسد مقابل بعض التنازلات حسب ماتم الاتفاق عليه بين قسد ونظام الأسد فيما يعود نظام الأسد للسيطرة على مناطق حدودية مع تركيا ولمداخل المدن التي تسيطر عليها قسد وبالتالي تحويلها لجزر منعزلة تنغلق على معارضي النظام داخلها خوفاً من اعتقالهم حيث تبقى منبج وعين العرب تحت سيطرة الروس وإدارتها حسب اتفاق قسد الأسد.
أسوأ مافي الاتفاق الروسي التركي هو تطبيق اتفاق أضنة القاضي بتسهيل دخول الجيش التركي للأراضي السورية لمسافة 5 كم لملاحقة ( المتطرفين) الذين يستهدفون الأمن القومي التركي وهو مايعني شرعنة هذا الدخول وبذات الوقت شرعنة نظام الاسد كطرف في الاتفاق ، كذلك مصير حوالي 70 ألف مقاتل من الجيش الوطني تم احتجازهم في منطقة جغرافية صغيرة بين تل أبيض ورأس العين وبالتالي ضمان عدم عودتهم لإدلب أو أرياف حماة وتحولهم لحرس حدود في المنطقة الآمنة والتي تتمتع بصعوبات لوجستية وتمويلية في ظل عدم وجود توافق دولي حولها.

إدلب

مصير إدلب لازال في غياهب المجهول لكن هناك سيناريوهات ثلاث يمكن التكهن بها بعد أن ترك الروس للأتراك حرية تطبيق الحل في إدلب .
هذه السيناريوهات تتراوح بين تفكيك جبهة النصرة وبالتالي تذويبها ضمن فصائل الجيش الوطني ومحاربة الرافضين لهذا التفكيك بتعاون تركي روسي ،  وهو ماسَيُنتج غرفة عمليات مشتركة يشترك فيها الطرفان بالإضافة لتواجد نظام الأسد وفصائل الجيش الوطني ، ذات السيناريو ينطبق في حال رفضت الهيئة تفكيك نفسها مع توقع عمل عسكري واسع يشارك به الروس الى جانب الجيش التركي والجيش الوطني ، السيناريو الثالث اتفاق سياسي تشارك فيه هيئة تحرير الشام وبالتالي قبولها كطرف سياسي مشارك في إدارة المنطقة وتحويلها لجسم سياسي إداري مع استبعاد بعض العناصر الأكثر تطرفاً .
بالمحصلة فإن الوضع السوري يتجه أكثر نحو الرؤية الروسية والتي أعلنها وزير خارجيتها لافروف بأن الحرب انتهت فيما تبقى المناطق الأخرى تخضع لاتفاقات جزئية ومناطقية .
تهيء الأجواء لانتاج حل سياسي في سوريا يتمثل بانتخابات رئاسية ودستور توافقي بإشراف دولي

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + 2 =